المنطقة العربية والحرب العالمية الثانية في مذكرات ثعلب الصحراء رومل (2)

منذ 2016-11-08

في الحقيقة كانت القاعدة العامة بالنسبة للقادة البريطانيين الكبار أن أغلبهم كانوا يفكرون بأسلوب استراتيجي أكثر منه تكتيكيًا، وعند وضعهم للخطط وقعوا فى خطأ وهو أنهم كانوا يهدفون للحصول على ما يمكنهم القيام به تكتيكيا

نواصل كتابة محاور رئيسة عن انطباعي بعد قراءة مذكرات رومل، وأوضحها بنقاط فى السطور التالية، لكن قبل تقديم هذه الانطباعات يجدر بى الإيضاح أن هذا المقال (بحلقتيه) ليس عرضًا لمذكرات رومل ولكنه إلتقاط لدروس تكتيكية وإستراتيجية وأحيانًا إدارية ونادرًا سياسية اقتطعتها من كلام رومل تارة واستخلصتها من مرامي كلامه في هذه المذكرات تارة أخرى.

1- تُظهر هذه المذكرات كيف أن سوء الإدارة والنزاعات بين الإيطاليين والألمان من جهة وأيضًا سوء الإدارة والتحاسد والإهمال الإدارى داخل القيادة الألمانية نفسها لعب ذلك كله الدور الرئيسي في هزيمة رومل في أفريقيا ومن ثم هزيمة ألمانيا بشكل كامل في الحرب العالمية الثانية لأن رومل كان يعاني من تقتير ألمانيا وإيطاليا في إمداده بالامدادات اللوجستية التي يحتاجها رغم قصر المسافة بينه وبين إيطاليا وكذا ألمانيا ورغم أنه كان مرصود لحملته بأفريقيا آلاف المركبات والدبابات والمدافع وعشرات آلاف الأطنان من الذخائر والبترول وكان بعضها مخزن لحساب رومل في إيطاليا والبعض الآخر في ألمانيا ولكن كل هذه الكميات لم تصل إلى رومل أبدًا رغم إلحاحه ومقابلته المباشرة لموسيلينى وهتلر عدة مرات لهذا الغرض، وعاق وصولها سوء الإدارة وتنازع أقطابها وتحاسدهم فضلًا عن الإهمال الإداري والسياسي في هذا المجال.

2- كشف رومل في بداية مذكراته أن نجاح الألمان (وكان هو من قادة الحملة الرئيسيين) في احتلال فرنسا وبلجيكا ليس كما ظن ليدل هارت (أحد أبرز القادة وعلماء الإستراتيجية البريطانيين بالعصر الحديث وبالحرب العالمية) من أن قوات الألمان كانت متفوقة في العدد والتسليح، وأثبت أن سبب النصر الألماني هو سرعة الحركة واعتماد تكتيكات المباغتة والسرعة والمحافظة على استمرار الإمساك بالمبادرة مع انهيار معنويات الفرنسيين وارتفاع معنويات الألمان وذكر أدلة وتفاصيل هذا كما ذكر أرقام القوات حيث كانت القوات الألمانية مكونة من ١٣٦ فرقة بينما كان للفرنسيين وحلفاءهم البريطانيين ١٥٠ فرقة، وربما ذكر إحسان الألمان لاستخدام النيران المركزة والقصف الجوى.

3- من تحليلات رومل لانتصاراته على البريطانيين في أفريقيا أن أسلحة الألمان كانت أحدث وأقوى ونيرانها أقوى وأكثف ودبابتهم أعلى تدريعًا كما اجاد الألمان تكتيكات حرب الدبابات الثقيلة وأبدعوا فيها بينما ظل البريطانيون لسنوات لا يجيدون ذلك فضلًا عن خفة تدريع دباباتهم إلى أن صنعوا الدبابة "الجرانت" وجاءتهم الدبابة الامريكية "شيرمان" كما أشار بهذا الصدد أيضًا إلى ضعف المدافع البريطانية والإيطالية.

4- لاحظ رومل وأشار الى قلب سلاح الطيران الأمريكى والبريطانى للموازين في نهاية الحرب مما ساعد في هزيمة الألمان في أفريقيا ثم في إيطاليا ونورماندي وإلى نهاية الحرب حيث تمكنت أمريكا من صناعة كميات كبيرة من الطائرات وبمستوى يضاهي المستوى التقني للطائرات الألمانية، كما وفرت الولايات المتحدة أعدادًا أكبر حتى كانت توفر ٤٠٠ طائرة قاذفة تهاجم في وقت واحد القوات الألمانية بمعركة واحدة، وهكذا ضربت إستراتيجية القصف الجوى الكثيف والمركز الإستراتيجية الألمانية التي تميزوا بها لسنوات والمرتكزة على القوات المميكنة سريعة الحركة المكونة من البانزر والقوات المحمولة.

5- أوضح رومل وعيه بأهمية المنطقة العربية لحسم الحرب كلها (ويسميها أفريقيا) ويؤكد على أنه لو احتلها الألمان لتمكنوا من هزيمة الحلفاء لأنها ستمكنهم من السيطرة عل البحر المتوسط وخنق الاتحاد السوفيتي فضلًا عن توفيرها النفط بوفرة للألمان وهو لازم لحركة الدبابات والطائرات والمركبات مما سيمكنهم من شن هجمات أكثر والمناورة تكتيكيا بالقوات كما يشاؤون (لأن المناورة تحتاج حركة بالدبابات والآليات والطائرات وهذه كلها تحتاج مزيدًا من الوقود للقيام بهذه التحركات).

6- أظهر روميل وعيًا بأهمية وخطورة إستراتيجية القصف الجوي وأهمية احتلال القواعد اللازمة لتوفير السيطرة الجوية على مناطق المعارك وتوفير كميات كثيفة من الطائرات القاذفة وتوفير البترول اللازم لحركتها.

7- أكد على أهمية حسم معركة الأطلنطي عبر الغواصات ليتمكن الألمان من منع الإمدادات الضخمة الآتية للحلفاء من أمريكا واعتبر أن هذا هو ما سيحدد نتيجة الحرب كلها.

8- ظهر تقدير رومل البالغ لأهمية الموارد الاقتصادية وكونها حاسمة فى تحديد نتيجة الحرب عندما اعتبر أن فرصة ألمانيا في الفوز بالنصر في الحرب العالمية الثانية أصبحت ضئيلة بعد دخول الولايات المتحدة للحرب بسبب الموارد الاقتصادية الضخمة لأمريكا خاصةً في الصناعة.

9- أوضح رومل تحليله للطبيعة الشخصية للتفكير العسكري عند "مونتجمري" وسلوكه بالحرب فقال: "ومن مبادئه ألا يدخل معركة ما لم يتأكد من انتصاره فيها وبالطبع هذا أسلوب لا ينجح إلا إذا صحبه التفوق المادي مع إحرازه لهذا التفوق بالفعل.

وكان حذرًا للغاية بل إني أعتقد أنه كان مبالغًا في حذره ولكنه استطاع استخدام هذه الصفة لمصلحته وقد كان يتمتع بصفات استراتيجية أكثر منها تكتيكية، إلا أنه لم يكن ممتازًا في قيادة القوات في المعارك الميكانيكية بالرغم من معرفته لأهمية تطبيق هذه المبادئ، اما فى مجال التخطيط الاستراتيجي فقد كان رائعًا وخاصةً في معارك الغزو التي قادها، ومن الصعب أن نجد له خطأً إستراتيجيا واحدًا.

وفي الحقيقة كانت القاعدة العامة بالنسبة للقادة البريطانيين الكبار أن أغلبهم كانوا يفكرون بأسلوب استراتيجي أكثر منه تكتيكيًا، وعند وضعهم للخطط وقعوا فى خطأ وهو أنهم كانوا يهدفون للحصول على ما يمكنهم القيام به تكتيكيا."أ.هـ. باتحليل تكتيك استراتيجية لنص كلام رومل.

10- من تحليل رومل السابق لمونتجمري والقادة البريطانيين يظهر أن رومل يتبنى رؤية استراتيجية تجيز التحرك بامكانات قليلة لتحقيق أهداف كبرى والانتصار بمعارك كبرى اعتمادًا على المناورة والإبداع الاستراتيجي والتكتيكي كي تعوض كل من المناورة والإبداع نقص الإمكانات المادية، فهل هذه رؤية صحيحة؟؟

 

Editorial notes: إقرأ الحلقة الأولى من هذا الموضوع هنا.. http://ar.islamway.net/search?type%5B%5D=&query=%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%B7%D9%82%D8%A9+%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9+%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A8+%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%A9+%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9+%D9%81%D9%8A+%D9%85%D8%B0%D9%83%D8%B1%D8%A7%D8%AA+%D8%AB%D8%B9%D9%84%D8%A8
المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

عبد المنعم منيب

صحفي و كاتب إسلامي مصري