حرب المليارات الخاسرة والحسرة في أفغانستان

منذ 2011-01-01

في خبر لافت ومثير نشرت وسائل الإعلام أن الكونغرس الأميركي منح الرئيس باراك أوباما يوم الثلاثاء 27 يوليو 2010 التمويل الذي طالب به للزيادة التي أمر بها للقوات الأميركية المحتلة في أفغانستان، وقد أصدر مجلس النواب الأمريكي موافقته النهائية على زيادة


في خبر لافت ومثير نشرت وسائل الإعلام أن الكونغرس الأميركي منح الرئيس باراك أوباما يوم الثلاثاء 27 يوليو 2010 التمويل الذي طالب به للزيادة التي أمر بها للقوات الأميركية المحتلة في أفغانستان، وقد أصدر مجلس النواب الأمريكي موافقته النهائية على مشروع قانون لتوفير التمويل اللازم لزيادة القوات الأميركية في أفغانستان بأغلبية 308 أصوات مقابل اعتراض 114 صوتا.

وكان مجلس الشيوخ وافق بالفعل على مشروع القانون الذي سيحال الآن إلى الرئيس أوباما للتوقيع عليه ليصير قانونا. وهو يقضي بتوفير 33 مليار دولار معظمها لتمويل القوات الأميركية في أفغانستان.

وتأتي هذه الأموال إضافة إلى نحو 130 مليار دولار وافق عليها الكونغرس من قبل لأفغانستان والعراق لهذا العام. ومن المهم الإشارة إلى أن الكونغرس خصص أكثر من تريليون دولار للحربين منذ عام 2001.

القاعدة العسكرية والعقلية تقول لا حرب بدون أموال ولا عدوان بدون أموال لتجهيز الجنود والسلاح والمؤنة وكل أنواع الدعم لابد لها من أموال واللافت أن الإدارة الأمريكية لا تكف عن صب الأموال صباً نحو الجيش الأمريكي في أفغانستان لكن ماذا تعنى كل هذه الأموال؟!! مئات المليارات تنفق على الحرب في أفغانستان رغم عدم تحقق أي نصر استراتيجي حاسم للقوات الأمريكية منذ عدوانها على أفغانستان.


تسع سنوات مرت على العدوان الأمريكي على أفغانستان قتل فيها بحسب التقارير الأمريكية الرسمية ألف جندي أمريكي بخلاف غير المعلن والخسائر المادية التي لا تتوقف ومع ذلك الدعم المادي لا يتوقف.

الواقع يكشف أن العدوان على أفغانستان لم يكن حرباً كما قيل منذ تسع سنوات للرد على حادثة 11 سبتمبر التي ثبت أن الأفغان لا يد لهم فيها مطلقاً ولكنها كانت حرباً عقدية وإستراتيجية للغرب المسيحي ضد تلك الأرض والشعب المسلم، فهي حرب لتحقيق انتصار للمشروع الغربي العدواني المسلح بأحدث أنواع الأسلحة لإظهار التفوق الغربي على أي مشروع إسلامي وتركيع وإذلال أي محاولة للمسلمين للتحرر من التبعية الغربية.

وقد استمر عناد الغرب النصراني في أفغانستان رغم ما تكبده من المقاومة الأفغانية من خسائر على مدى تسع سنوات كي لا يظهر أمام العالم فاشلاً في تحقيق هدفه وأيضا كي لا يعطى للمسلمين أصحاب الحق أي فرصة للفرح بنصرهم والتقدم بمشروعهم الحضاري وإظهار تفوقهم على المشروع الغربي الهمجي وكلما كانت الحرب قائمة كلما كان الضجيج حول الحرب وما يحدث فيها فرصة لإخفاء الحقائق ولكن حتى متى؟


كل التقارير والتحليلات العسكرية الغربية تشير إلى هزيمة لا مفر منها في أفغانستان والواقع ينطق بسيطرة المقاومة الأفغانية (طالبان) على 70% من الأرض الأفغانية، وقد فشلت كل دول التحالف الغربي وعلى رأسهم أمريكا بكل ما يملكون من أسلحة فتاكة وحديثة ودعم في دحر المقاومة الأفغانية وإعلانها الاستسلام بل الواقع يؤكد أن الأمريكان والبريطانيون يجهزون خططهم للخروج الآمن من أفغانستان.

وقد حاول الجنرال الأميركي الذي عين قائدا للعمليات العسكرية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى أن يغطى على فشلهم قائلاً بعنجهية لا تخفى أن بدء انسحاب القوات الدولية من أفغانستان عام 2011 سيكون حسب الظروف وليس على حساب هذا البلد.

وقد حذر الجنرال جيمس ماتيس الذي خلف الجنرال بترايوس في قيادة القوات الأميركية في العراق وأفغانستان من أن قوات الحلف الأطلسي ستواجه (أشهراً من المعارك الصعبة).

واعترف الجنرال ماتيس بأن القوات الدولية فقدت المصداقية في المناطق الخاضعة لسيطرة طالبان في جنوب البلاد.


الحقيقة أن المسلم عندما يقف أمام إنفاق أمريكا الصليبية مئات المليارات في حربها ضد الأفغان الفقراء البسطاء الأغنياء الأقوياء بتمسكهم بدينهم ثم يرى الخسران والهزيمة للأمريكان والغرب الصليبي على أرض أفغانستان يقول أن آيات من القرآن تنطق في أفغانستان خاصة عندما يقف مع قول الحق سبحانه وتعالى في سورة الأنفال.

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّـهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ. لِيَمِيزَ اللَّـهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ ۚ أُولَـٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [الأنفال:36-37].

وقد قال الإمام ابن كثير في تفسيره العظيم لهذه الآية منذ قرون كلمات نراها الآن رأى العين قال رحمه الله: "على كل تقدير، الآية عامة، وإن كان سبب نزولها خاصا، فقد أخبر تعالى أن الكفار ينفقون أموالهم ليصدوا عن اتباع طريق الحق، فسيفعلون ذلك، ثم تذهب أموالهم، { ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً } أي: ندامة، حيث لم تجد شيئا، لأنهم أرادوا إطفاء نور الله وظهور كلمتهم على كلمة الحق، والله متم نوره ولو كره الكافرون، وناصر دينه، ومعلن كلمته، ومظهر دينه على كل دين. فهذا الخزي لهم في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب النار، فمن عاش منهم، رأى بعينه وسمع بأذنه ما يسوءه".

(قلت: وقد رأى وسمع بوش ورامسفيلد وتشينى وتونى بلير وغيرهم من قادة العدوان والطغيان ما يسوءهم من المقاومة الأفغانية والحمد لله).

ثم يكمل ابن كثير كلامه فيقول: "ومن قتل منهم أو مات، فإلى الخزي الأبدي والعذاب السرمدي، ولهذا قال: { فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ } وقوله تعالى: { لِيَمِيزَ اللَّـهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: { لِيَمِيزَ اللَّـهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} فيميز أهل السعادة من أهل الشقاء وقال السدي: يميز المؤمن من الكافر. وهذا يحتمل أن يكون هذا التمييز في الآخرة، كما قال تعالى: { ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ ۚ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ } [يونس: 28]، وقال تعالى: { وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ} [الروم:14]، وقال في الآية الأخرى: {يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ } [ الروم:43]، وقال تعالى: { وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} [ يس:59].


ويحتمل أن يكون هذا التمييز في الدنيا، بما يظهر من أعمالهم للمؤمنين، وتكون "اللام" معللة لما جعل الله للكفار من مال ينفقون في الصد عن سبيل الله، أي: إنما أقدرناهم على ذلك، { لِيَمِيزَ اللَّـهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} أي: من يطيعه بقتال أعدائه الكافرين، أو يعصيه بالنكول عن ذلك كما قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّـهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ . وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا ۚ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَوِ ادْفَعُوا ۖ قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَّاتَّبَعْنَاكُمْ } الآية [آل عمران: 166، 167]، وقال تعالى: { مَّا كَانَ اللَّـهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ۗ وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ } الآية [آل عمران: 179]، وقال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّـهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 142] ونظيرتها في براءة أيضا.

فمعنى الآية على هذا: إنما ابتليناكم بالكفار يقاتلونكم، وأقدرناهم على إنفاق الأموال وبذلها في ذلك، ليتميز الخبيث من الطيب، { وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ} [الأنفال:37] أي: يجمعه كله، وهو جمع الشيء بعضه على بعض، كما قال تعالى في السحاب: { ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا } [النور:43] أي: متراكما متراكبا، {فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ ۚ أُولَـٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [الأنفال:37] أي: هؤلاء هم الخاسرون في الدنيا والآخرة.

وأخيرا لا أملك غير أن أقول صدق الله العظيم ورحم الله ابن كثير كأننا نرى الآيات وتفسيرها رأى العين واقعاً أمامنا فهاهم الأمريكان بطغيانهم ينفقون أموالهم ويتحسرون عليها أمام أعينهم وبإذن الله وفضله سيغلبون ومن أفغانستان سيندحرون، ولقد نسى أو تناسى أولئك الحمقى المجرمين أن أفغانستان تعنى أرض الأفغان وليست أرض الأمريكان أو غيرهم من المحتلين المجرمين، وكانت وستبقى الأرض للأفغان ما بقى الأفغان متمسكين بحقهم ومقاومة المحتلين المجرمين مهما أنفق الأمريكان من مليارات الدولارات فستكون عليهم حسرة بإذن الله.

ممدوح إسماعيل
محامي وكاتب إسلامي مصري
elsharia5@hotmail.com
 

المصدر: موقع قاوم