خط القلم في إثبات أنَّ تفجير كنيسة (القِدِّيْسَيْنِ) مُحَرَّم (3)

منذ 2011-01-20

يقول رسول الهدى والسلام، والمرحمة والملحمة، محمد صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «إن الله رفيق يحب الرفق. ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف» (أخرجه مسلم)..


فقه الموازنات القائم على قاعدة المصالح والمفاسد:
يقول رسول الهدى والسلام، والمرحمة والملحمة، محمد صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «إن الله رفيق يحب الرفق. ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف» (أخرجه مسلم).
ويقول الصحابي الجليل ابن مسعود رضي الله عنه: "أنتم في زمان خيركم فيه المسارع فى الأمر، وسيأتي بعدكم زمان خيركم فيه المتثبت المتوقف؛ لكثرة الشبهات".
ومِمَّا قيل في القواعد الأصولية: (من استعجل شيئاُ قبل أوانه عوقب بحرمانه).
وقيل: (في العجلة الندامة وفي التأني السلامة).
وقال الشاعر:


قد يهدم السد المشيَّد فأرة *** ولقد يحطِّم أمَّة متهور


والشاعر المسلم يقول:


قدر لرجلك قبل الخطو موضعها *** فمن علا زلقاً عن غرَّة زلجا



للعلماء تفصيلات رائعة، وتدقيقات متحريَّة، لفقه المصالح والمفاسد، وبما أنَّ مجال حديثنا عن حكم تفجير الكنائس، فإنَّ من المهم النظر لما تحققه هذه التفجيرات من المصالح والمفاسد، ومن ثمَّ نخرج بفائدة الحكم الشرعي، هذا إن كانت في أصلها جائزة شرعاً ويبقى الأمر مترتب ومتوقف على الدخول في مصالحها ومفاسدها مع أنَّها ليست كذلك.
إنَّ تحصيل المصالح ودفع المفاسد هو كما يقول الإمام الشاطبي رحمه الله: "أصل أصول الشريعة إذ إن الشريعة إنما جاءت لتحصيل مصالح العباد الدينية والدنيوية ودفع المفاسد عنهم وقد ثبت هذا المعنى يقينًا من مقاصد الشارع الحكيم في تنزيله وتضافرت عليه الأدلة العقلية والنقلية".

وقاعدة فقه الموازنات بين المصالح والمفاسد وما ينجم عنها من خير أو شر مشتبكة بانسجام مع قاعدة فقه المآلات واعتبارها، ويبين الإمام ابن تيمية رحمه الله شيئاً مِمَّا يوضح ذلك فيقول: "مررت أنا وبعض أصحابي في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر فأنكر عليهم من كان معي فأنكرت عليه وقلت له: إنما حرم الله الخمر لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفوس وسبي الذرية وأخذ الأموال فدعهم".

وإذ نتأمَّل في فقه شيخنا الإمام ابن تيمية فنجده في هذا المقطع الذي يذكر فيه قصَّة حصلت له هو وبعض طلابه، وينبه على ضرورة اعتبار المآلات من جهة، ومقارنة المصالح والمفسد من جهة وتغليب أيهما أكثر وأوضح، كما يبين رحمه الله أنَّ الغاية من إنكار المنكر وجود المعروف، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه فإنه لا يسوغ إنكاره، وفي مثل هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللّه: "وليس لأحد أن يزيل المنكر بما هو أنكر منه، مثل أن يقوم واحد من الناس يريد أن يقطع يد السارق أو يجلد الشارب ويقيم الحدود؛ لأنه لو فعل ذلك لأفضى إلى الهرج والفساد؛ لأن كل واحد يضرب غيره يدعي أنه يستحق ذلك، فهذا ينبغي أن يقتصر فيه على ولي الأمر".

وهنا يتبين فقه الفقيه وهو أن يدرك حقيقة إنكاره لهذا المنكر بيده أو حتَّى لسانه، فإن كان إنكاره سيخرج منه مفاسد أكثر وأربى من المصالح، فإنَّ السكوت عنها أولى وأحرى وإن كان في السكوت عنها مفسدة، ولكن كما هو معروف في القواعد الأصولية يرتكب أدنى المفسدتين لعدم وقوع أكبرها مفسدة، وكذلك ينظر لهذه المفسدة وتلك المصلحة فإن كان بينهما تساوٍ فإنَّه لا يتقدم على فعل تلك المصلحة لأنَّ درء المفسدة أولى من جلب المصالح، وحتَّى لو كان هنالك خير وشر وصلاح وفساد، فالعاقل كما يقول الإمام ابن تيمية: ليس العاقل الذي يعرف الخير من الشر ولكنَّ العاقل الذي يعرف خير الخيرين وشر الشرين.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "والمؤمن ينبغي له أن يَعْرف الشرور الواقعة ومراتبها في الكتاب والسنة، كما يَعْرف الخيرات الواقعة، ومراتبها في الكتاب والسنة، فيُفَرِّق (بين) أحكام الأمور الواقعة الكائنة، والتي يُراد إيقاعها في الكتاب والسنة، ليقدِّم ما هو أكثر خيراً وأقل شراً على ما هو دونه، ويَدْفع أعظم الشرين باحتمال أدناهما، ويَجْتلب أعظم الخيرين بفوات أدناهما، فإنّ من لم يَعْرف الواقع في الخلق، والواجب في الدين: لم يَعْرف أحكام الله في عباده، وإذا لم يَعْرف ذلك كان قوله وعمله بجهل، ومن عبد الله بغير علم كان ما يُفْسِد أكثر مما يُصْلِح".

وقال العز بن عبد السلام رحمه الله: "إذا اجتمعت مصالح ومفاسد فإن أمكن تحصيل المصالح ودرء المفاسد فعلنا ذلك امتثالاً لأمر الله تعالى لقوله سبحانه وتعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16]، وإن تعذر الدرء والتحصيل، فإن كانت المفسدة أعظم من المصلحة درأنا المفسدة ولا نبالي بفوات المصلحة قال الله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة:219]، حرمهما لأن مفسدتهما أكبر من منفعتهما، وإن كانت المصلحة أعظم من المفسدة حصلنا المصلحة مع التزام المفسدة، وإن استويت المصالحة والمفاسد فقد يتخير بينهما وقد يتوقف فيهما".

ولو أردنا أن ننظر لحجم المصالح وحجم المفاسد التي تنتج من خلف هذه التفجيرات إن صحَّت نسبة القيام بها من المسلمين، ولا أظن أنَّ هنالك مصلحة ممكن أن تقال في هذا السياق إلاَّ أنَّ مثل هذه التفجيرات عامل إزعاج وإشارة تنبيه للنصارى الأقباط بالقدرة على الوصول إليهم وإيذائهم بسبب ما يقترفونه في حق أخواتنا المسلمات الأسيرات أو بعض المنكرات التي يقومون بها.

ولكنَّ المفاسد الناجمة عن ذلك أضعاف أضعاف المصالح، وقد ذكرت سابقاً في مجال اعتبار فقه المآلات عن المفاسد المترتبة عن هذه التفجيرات بشكل لا يجعل مجالاً للشك أنَّ مفاسدها أكثر من مصالحها الموهومة والمزعومة.

والأمر في الجملة كما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال: "وجماع ذلك داخل في القاعدة فيما إذا ازدحمت المصالح والمفاسد، وتعارضت المصالح والمفاسد، فإن الأمر والنهي -وإن كان متضمناً لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة- فينظر في المعارض له، فإن كان الذي يفوت من المصالح أو يحصل من المفاسد أكثر لم يكن مأموراً به، بل يكون محرماً إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته" (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لشيخ الإسلام ابن تيمية ص11-19).

بل إنَّ القتال في سبيل الله الشرعي والمأمور به لمقاتلة الكفَّار، لابد وأن يخضع للمصلحة في تحقيقه، ولهذا قال الإمام العز بن عبدالسلام رحمه الله: "إن أي قتال للكفار لا تتحقق به نكاية للعدو فانه يجب تركه؛ لأن المخاطرة بالنفوس إنما جازت لما فيها من مصلحة إعزاز الدين، والنكاية بالمشركين، فإذا لم يحصل ذلك وجب ترك القتال لما فيه من موات النفوس، وشفاء صدور الكفار وإرغام أهل الإسلام، وبذا مفسدة محضة وليس في طيها مصلحة".

مع أنَّ ما قاله الإمام العز بن عبد السلام، عن قتال في سبيل الله ومعركة مفتوحة مع العدو، ويبين أنَّ هذا القتال إنَّ لم يحقق المصلحة المرادة، فإنَّه يجب ترك هذا القتال، لئلا يفرح به أعداء الإسلام، ولا يكون هذا القتال مكمن فرحة لقلوبهم حينما يرون انهزام جيوش الإسلام أمامهم، وهذا القتال يكون تحت قيادة واحدة وجيش جهادي منظَّم، فما بالنا إن كنا نتحدث في أمور غامضة فلا يوجد الحاكم الذي يقسم شرع الله تعالى، ولا يوجد في مصر تلك المعركة الواضحة الصريحة، وحتَّى لو وقعت فهي من إحداث الكفَّار ومحبتهم لزعزعة استقرارها، ولأجل ذلك فإنَّ وضوح المفسدة من مثل هذه التفجيرات والأعمال أمر لائح وعمل جرمه واضح.

ومن الغريب العجيب أن أجد بعض من يؤصِّل لمثل هذه العملية المحرَّمة، يقول أنَّ المصالح والمفاسد يختلف أهل العلم في تحقيقها وبيان الأغلب منهما، ويستدل بكلام الإمام العز بن عبد السلام: "إذا تعارضت المصلحتان وتعذر جمعهما فإن علم رجحان إحداهما قدمت، وإن لم يعلم رجحان، فإن غلب التساوي فقد يظهر لبعض العلماء رجحان إحداهما فيقدمها ويظن آخر رجحان مقابلها فيقدمه، فإن صوبنا المجتهدين فقد حصل لكل واحد منهما مصلحة لم يحصلها الآخر، وإن حصرنا الصواب في أحدهما فالذي صار إلى المصلحة الراجحة مصيب للحق والذي صار إلى المصلحة المرجوحة مخطئ معفو عنه، إذا بذل جهده في اجتهاده، وكذلك إذا تعارضت المفسدة والمصلحة" (قواعد الأحكام 1/ 83).

والسؤال الوارد الآن: من هم العلماء المعتبرون الذين قالوا بجواز هذه العمليَّة التفجيريَّة؟
وهل وضَّحوا المصالح الكثيرة التي تربو على مفاسدها؟
وهل نظروا لجوانب التحريم الأخرى المذكورة في هذا البحث؟

مخالفة هذه الأعمال التفجيريَّة لنصح وفتاوى علماء الإسلام:
من مصائب هذا الزمان تسلط الجهَّال على علماء الإسلام الربَّانيين، وتضليلهم وتفسيقهم فضلاً عن تكفيرهم وإعلان ردَّتهم، واتَّهامهم بالركون إلى الدنيا، وملء البطون بالمطاعم والمشارب، والمصيبة الكبرى أنَّ مثل هؤلاء إمَّا أن يتحدثوا بمثل هذا الحديث في مجالسهم المغلقة أو في معرفاتهم الالكترونية ويظهر الرجل فيهم وكأنَّه أمير المؤمنين، أو خليفة على الإسلام والمسلمين، وهو يُجَرِّح بذلك العالم وذلك القائم بدين الله، ولربما يقول قائلهم:


زَماني لا أرى فيه اجتهادا *** سوى ما كانَ سيفاً أو زنادا
فلا تسمع فتاوىً من أناسِ *** طغوا بالعلم وازداودا فسادا


وبالفعل فإنَّ من أكبر المشكلات التي يواجهها العلماء المسلمون الآن ترشيد الشباب تربوياً وفكرياً، بل لربما يجبن بعض العلماء الأكابر عن قول كلمة الحق أمام هؤلاء الشباب، خشية منهم ومن سوء أخلاقهم معهم، وبالمقابل ترى أولئك العلماء قد جهروا بكلمة الحق أمام الحكَّام ونالهم ما نالهم من سجن وتضييق وأذى، ولكنَّهم حينما يتحدثون للشباب يحسبون لهم ألف حساب، فالتهمة جاهزة ومعلبَّة (عملاء لا علماء، علماء سلاطين، علماء لا يفقهون الواقع) إلى غير ذلك من أوصاف السوء وقالة الإثم والبهتان.

صحيح أنَّ هنالك علماء سوء وفقهاء سلاطين، اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً، وضلوا وأضلوا، وغرَّتهم الحياة الدنيا، ولكن أن يكون هذا الكلام مندرجاً في الكثير من علماء الإسلام الذين ثبت علو كعبهم في العلم، وصمودهم في الحق، ووقوفهم في وجه الباطل، فيلحق هؤلاء الفضلاء بأولئك العلماء الضالين، تلك إذاً قسمة ضيزى.

إنَّ التحدث في مسائل فقه الجهاد في سبيل الله بحاجة لمنَّ منَّ الله عليه بعلم في الدين الإسلامي وفقه وبصيرة، ونظر في الدنيا وإدراك للواقع.
قال تعالى {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83].
ويقول الإمام ابن تيمية رحمه الله: "الواجب أن يعتبر في أمور الجهاد برأي أهل الدين الصحيح الذين لهم خبرة بما عليه أهل الدنيا، دون أهل الدنيا الذين يغلب عليهم النظر في ظاهر الدين فلا يُؤخذ برأيهم، ولا برأي أهل الدين الذين لا خبرة لهم في الدنيا".

وإنَّ حادثة كهذه (تفجير كنيسة القديس في الاسكندرية) لم أر إلاَّ إطباق وإجماع علماء الإسلام الربانيين على تحريمها وإدانتها، فمشايخ الدعوة السلفية في الاسكندرية، قد أصدروا بياناً خاصاً بهم في تحريم هذه العملية التفجيريَّة، وقد بدأت بهم أصالة لأنَّهم يعيشون في الاسكندرية محل الحدث الذي وقعت به هذه التفجيرات الآثمة، وصدرت كذلك الفتاوى من علماء الإسلام في مصر وفي غيرها، والبيانات الحزبيَّة للكثير من الحركات والجماعات والأحزاب الإسلامية.
فإن كان هؤلاء الشباب المتحمسون لا يقتنعون بفتاوى هؤلاء العلماء، ولا يملؤون عينهم، فلقد وجدت في الشبكة العنكبوتيَّة فتاوى لبعض علماء ودعاة التيار الجهادي يعلنون تحريمهم لمثل هذه التفجيرات واستنكارهم لمهاجمتها، فلا أدري هل ستكون مقنعة لهم أم أنَّهم كذلك مداهنين للأنظمة؟!!

فهذه جريدة السبيل الأردنية في لقاء لها مع منظِّر التيار الجهادي في الأردن الشيخ أبو محمد المقدسي حيث أجاب عن سؤال يطلب رأيه في التفجيرات بالكنائس فقال: "لا أؤيد مثل هذه الأعمال وأنكرها؛ لأن الكنائس ليست ساحات معارك".
وقال أيضاً في لقائه الشهير مع قناة الجزيرة: "... بل والكنائس أنا حذرت حتى من تفجير الكنائس، وقلت: لا مصلحة للإسلام والمسلمين في هذا الأمر كان ثمة مكان عبادة إيش مصلحة الإسلام من تفجير كنيسة؟ إيش مصلحته الكنيسة يدخلها الصبي والطفل والإنسان المسالم؟ إيش تريد في تفجير الكنيسة؟ ماذا يستفيد الإسلام من تفجير الكنائس؟!".

وكذلك القائد الراحل في تنظيم القاعدة في العراق أبو مصعب الزرقاوي حيث علَّق على ما يقوله بعضهم عن رأيه باستهداف النصارى وغيرهم حيث قال: "وفي أَرض الرَّافدين طوائفُ عدة، كالصَّابئة، واليزيدييِّن عبدة الشَّيطان، والكَلْدانيين، والآشوريين، ما مددنا أَيدينا بسوء إليهم، ولا صوبنا سهامنا نحوهم، مع أنَّها طوائف لا تَمُتُّ إلى الإسلام بصلة، ولكن لَمْ يظهر لنا أَنَّها شاركت الصَّليبيين في قتالهم للمجاهدين، ولَمْ تلعب الدَّور الخَسيس الذي لعبه الرَّافضة".

كيف تعامل كثير من المسلمين وغيرهم مع هذه الأزمة والفتنة؟
بعد وقوع هذه العمليَّة التفجيريَّة المحرَّمة، اختلفت طرائق تعامل المسلمين وغيرهم، ولي مع ذلك عدَّة وقفات:

1) أنَّ أغلب المسلمين يقولون بتحريم القيام بهذه العمليَّة التفجيريَّة، لكنَّ هنالك قلَّة قليلة منهم يقولون بجوازها وتأييدها ويذكرون الأدلَّة على ذلك، وهم لم يعرفوا بعد من يقف خلفها، ومن يخالفهم ويناقشهم في وقوع ذلك من المسلمين، فبدلاً من أن يتوقفوا عن كلامهم يزيدون الوضع سوءاً ويقولون: بل هي من فعل المسلمين لأنَّ جماعة كذا وكذا أعلنت أنَّها ستستهدف النصارى، ثمَّ يخوضون في نقاشات كثيرة وكبيرة، والسؤال هنا: لو أنَّه ظهر بعد التحري الكامل بأنَّ من كان خلف هذه العمليَّة أصابع خارجيَّة سواء من أقباط المهجر أو الموساد، فماذا سيقول هؤلاء المتحمِّسون لجواز هذه العمليَّة، إن ثبت لهم أنَّ من قام بها غير مسلم.
ولأجل ذلك كان من الجدير بالذكر أن يتريَّث المتحمِّس، ويعلم طبيعة من قام بمثل هذه العمليات، حتَّى لا يقع في الفتنة، ولا يصب الزيت على النار، بدون فائدة مرجوَّة من تلك النقاشات العدميَّة.

2) مع أنَّ هذه العملية التفجيريَّة ستتسبب بشرخ واضح وواسع بين المسلمين والنصارى في مصر، إلاَّ أنَّها وللأسف نجد أنَّها ألقت بظلال سيئة في طريقة تعامل المسلمين مع بعضهم بعضاً، فنجد الخلافات الكثيرة ولربما الخصومات، في طبيعة من فعلها وهل هو مسلم أم غير مسلم، ولربما نجد احتدام النقاشات فيما بينهم، فيقعون في مصائب أخرى من الفرقة والتنازع والخلاف والشجار، وكأنَّ الوضع يحتمل فرقة وسوءاً على ما هو عليه من فتن ومحن وبلاءات، فنجد من يرى جواز تلك الأعمال المحرَّمة، حينما يسوق لهم بعض المناقشين لهم فتاوى بعض العلماء والمشايخ الثقات الأثبات في تحريمها، فيبدأ بعض الشباب هداهم الله بالسب والقذع بهم ووصفهم بأوصاف السوء، ويكاد يأخذني العجب وأنا أقرأ هذه الشتائم على مرأى ومسمع في بعض المواقع أو المنتديات وإدارة المنتديات تقف موقف المتفرج، وكأنَّها مستمتعة بمثل هذه الحوارات اللاإنسانيَّة، والتي يتَّسم بها كل طرف مع الآخر، باستخراج الألفاظ المشينة من (قاموس الشتائم) وهو قاموس يحمل في طيَّاته الكثير من العبارات السيئة والمشينة.

3)وفي المقابل فيبدو أنَّ عقيدة (الولاء والبراء) نسيت عند الطرف الآخر من بعض المسلمين، وصارت نسياً منسياً أو في خبر كان، فنرى أقوالاً غريبة، وهتافات جماهيريَّة مزعجة حينما يخرج بعض المسلمين الجهَّال قائلين وهم يصدحون بأعلى أصواتهم وملء أفواههم: (بالروح بالدم نفديك يا صليب)، أو قولهم: (نحن والنصارى كلنا مؤمنون فهم مؤمنون من وجه ونحن مؤمنون بوجه آخر) ويستدلون على ذلك بقوله تعالى: {إنَّما المؤمنون إخوة} مع أنَّ هذه الآية تدلُّ على الأخُوَّة بين المسلمين فقط بدلالة سبب النزول فيها، ولأنَّها حدث عن المسلمين بدليل سياق الآية وسباقها ولحاقها، كما نرى لدى بعض المسلمين كانوا يقولون في هتافاتهم: (بمعانقة الهلال مع الصليب) ويفعلون ذلك، بحجَّة استنكار هذه العمليَّة التفجيريَّة المحرَّمة، فيخرجون بأشكال تُصوِّر مثل هذه المعتقدات، وكأنَّ الهلال المعبِّر عن الرمز والشعار الإسلامي مع الصليب المعبِّر عن شعار النصارى، يُرمز بهما عن الوحدة الوطنيَّة، ومواجهة الفتنة الحاصلة بين النصارى والمسلمين (بزعمهم)، وما هكذا تُورد الإبل.
لقد روى البخاري (5952) عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَتْرُكُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا فِيهِ تَصَالِيبُ إِلَّا نَقَضَهُ.

ومن الغرائب العجائب ما نادى به كذلك عدد من ممثلي القوى السياسية على تبنى المبادرة التى أطلقها الشاعر القومي العربي أحمد فؤاد نجم بضرورة بدء حملة جمع مليون توقيع على الخطاب الذى أرسله إلى الرئيس مبارك، وطالب فيه بإلغاء خانة الديانة من البطاقة الشخصية، مع ضرورة تلبية النظام للمبادرة باعتبارها بداية لحل مشكلة الاحتقان الطائفى وظهور المتطرفين والقضاء على التمييز الدينى، فيما تبنت حركة 6 أبريل حملة جمع التوقيعات.

وأظنُّ أنَّ الأمر لا يحتاج لمزيد تعليق، تحصل جريمة على كنيسة، فيُطالب أولئك السُّذَّج بإلغاء خانة الديانة من الهوية، وذلك لكي لا تحصل مشكلة الاحتقان الطائفي كما يزعمون، وكأنَّ أولئك يظنُّون أنَّ هذا الشيء سيوافق عليه الشعب المصري المعتز بإسلامه والرافض كذلك لأعمال العنف، ولكن أن يًصادر الدين كرمالاً لما حصل في كنيسة النصارى، فتلك عجيبة بعد هذه المصيبة.

وكذلك سعي بعضهم للمناداة بأداء شعائر العبادة مع النصارى في كنائسهم ومشاركتهم في ذلك بحجة إظهار التضامن والوحدة الوطنية، ومشاركتهم قدَّاس الاحتفال بعيد الميلاد فإنَّ هذا لا يجوز شرعاً، ولا أدرى من أين ينطلق هؤلاء في تقريراتهم التي يزعمونها، ولو قرؤوا آراء الصحابة والتابعين، وما يكتبه أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية في مثل أقوالهم وأفعالهم لعلموا انحراف فعلهم عن الهدى القويم، والبر بالنصارى والذود عن أعراضهم وعيالهم وأموالهم لا يعني إقرارهم على ضلال عقائدهم ومشاركتهم في الاحتفال بأعيادهم.

والواجب أن يرجع عموم الشعب المسلم المصري لأهل العلم الثقات، ويسألونهم عن مدى جواز هذه الأقوال والأفعال، وينتبهوا لخطورة اختلال القاعدة الإسلاميَّة العقائديَّة الكبيرة: (الولاء والبراء) بسبب ما جرى من تفجير للكنيسة، راح ضحيَّته قتلى وجرحى كان أكثرهم من النصارى ونال من المسلمين منهم حظَّاً قليلا، وسؤالهم عن وسائل التعبير الجائزة شرعاً عن منع الفتنة بمصر بين المسلمين والنصارى وهذا هدف منشود ومطلوب، لكي لا تكون مصر مسرحاً للفتنة فيها وقاها الله شرَّ ذلك.

4) بعد حادثة مقتل الشاب المسلم (سيد بلال) رحمه الله رحمة واسعة، رأينا النظام الرسمي وللأسف يفتعل هذه الفعلة تجاه هذا الشاب المسلم والذي قتل تحت التعذيب في أقل من يومين، وذكر مركز (ضحايا) لحقوق الإنسان في بيان له أنَّ "الأجهزة الأمنية دفنت الجثة ليلاً "رغمًا عن أهله" الذين رفضوا دفنه وطالب المركز بسرعة الكشف عن وقائع هذه الحادث المروع واستخراج الجثة وإعادة تشريحها لمعرفة السبب الرئيسى للوفاة".

وهذا بالتأكيد يُسبِّب احتقاناً كبيراً بين الشباب المسلم والأجهزة الأمنيَّة التي تتعامل مع الشعب المصري المسلم بعجرفة وبلطجة غريبة، وفي المقابل يختلف تعاملهم مع النصارى حتَّى أنَّ بعض النصارى كانوا يرشقون الضبَّاط المصريين والجنود بالحجارة وغيرها، مِمَّا سبب جرح أكثر من 20 ضابطاً وشرطياً كما ذكرت وسائل الإعلام، فما سرُّ هذا الذل أمام النصارى، والاستئساد على المسلمين؟! أليس الكل واحد أمام القانون المصري كما يقولون؟! فاللهم رحماك.

5) مسارعة أهل العلم لاستنكار الحدث المحرَّم في تفجير (كنيسة القديسين) محمودة لهم ولا ريب في ذلك، وقطع لطريق من يصطاد في الماء العكر ويخلط الأوراق من (بني علمان وأصحاب الأقلام المسمومة والتي تنزف حقداً على أهل العلم) ويتَّهمونهم وخصوصاً السلفيين منهم في السكوت عن مثل هذه التفجيرات، فكانت مبادرتهم لاستنكار وتحريم هذه العمليَّة من الحق الذي أوجبه الله تعالى على أهل العلم أن يقولوه ولا يكتموا منه شيئاً، ولكن نتمنَّى منهم وهم السد المنيع للفتن في مصر وغيرها، أن يكونوا مستذكرين كذلك لحالة اعتقال الأخوات الأسيرات المسلمات ويُذَكِّروا بها في المجامع والإعلام فتلك جريمة لا تغتفر كذلك، واستنكار ما جرى من التعذيب حتَّى القتل للأخ المسلم (سيد بلال) الذي قضى نحبه على أيادي مجرمة خالفت الشريعة الإسلاميَّة والقانون المصري الذي يُحَرِّم التعذيب للسجين والضغط عليه لانتزاع اعتراف بهذه الطرق المجرمة

6) اتهام بعض المسلمين المستسلمين لمن كانوا وراء التذكير باعتقال الاخوات المسلمات الأسيرات، أنَّ ذلك يفتح باب فتنة طائفيَّة في البلد، اتهام لا محلَّ له من الصحَّة، وذلك لأنَّ من بدأ بمثل تلك الجرائم هم النصارى من اعتداء على الأخوات الأسيرات وسب للقرآن وتهريب أسلحة في الأديرة والأقبية النصرانيَّة، والحق الذي لا يُنازع فيه اثنان ولا تنتطح فيه عنزان أنَّ العلماء المسلمين كانوا سداً منيعاً في الوقوف ضدَّ الفتنة بين المسلمين والنصارى، فأي مشكلة لدى هؤلاء الذين يقولون: إنَّ بعض المسلمين كان لهم الدور في فتح باب الأزمة والفتنة مع النصارى، والعكس هو الصحيح.

لعلَّ متذكراً يتذكَّر أنَّه في نهاية شهر ديسمبر سنة 1979م التقى بعض المطارنة بدير الأنبا بيشوى بوادي النطرون ودار بينهم حديث حول تعديل المادة الثانية من الدستور وعلق بيشوي بأنه ينتظر نتيجة لقاءاته مع المسئولين بشأن الضمانات التى طلب إدخالها على تعديل المادة الثانية من الدستور لحماية الأقباط، وأنه فى حال عدم تلبيتها ردد عبارة: "حخليها دم للركب من الإسكندرية إلى أسوان".

ويعيد التاريخ القديم نفس أحداث أمسه، ويُعلن "بيشوي" للمرَّة الثانية في حواره الشهير مع جريدة (المصري اليوم) 25/ 9/2010م، أن تطبيق القانون على الكنيسة والطائفة يعني الشهادة أي الدم والقتل؟!
فهذه ثقافة الدم التي يُتقنها أولئك النصارى في مصر، وهو يشرح أبعاد منهج التمرد النصراني ضدَّ المسلمين.
فهل هذا حديث من يريد الوحدة الوطنيَّة لبلده مصر؟
وهل هو كلام الشخص الحكيم الذي يحرص على نزع الفتنة الطائفيَّة؟
ولماذا إذا قمنا بتذكير الناس بهذه الحقائق التي يتحدَّثون بها سابقاً وحالياً وكذلك لاحقاً يتَّهمنا أولئك بأنَّ دعاة الإسلام يثيرون الفتن الطائفيَّة؟
أم أنَّه حلال لهم أن يقولون ما يشاؤون حرام على دعاة الإسلام أن ينبِّهوا المسلمين من خطرهم، ويرفعوا أصابعهم كعلامة تشير لأولئك النصارى بأنَّهم منتبهون لما يقولونه؟

وكيف ينسى أهل الإسلام روح التمرُّد التي نراها ظاهرة لدى قيادة الكنائس بمصر، عندما يقومون بالتدخل في شؤون الدولة وبكل فجاجة، وينادون بإلغاء النص في البند الثاني من الدستور علي الشريعة الاسلامية، إذ سبق للأنبا مرقص المتحدث الرسمي باسم الكنيسة أن أثارت تصريحات غير مسبوقة في حوار صوتي مع "الهيئة القبطية الأمريكية" ودعا فيها بتعديل المادة الثانية من الدستور بحذف الألف واللام من كلمتي (المصدر الرئيسي للتشريع) لتصبح (مصدر رئيس)، ودعوته بموجب ذلك لإيجاد مصادر أخرى للتشريع منها الشرائع المسيحية.

كما دعا الأنبا مرقص لـ "تطبيق بعض شرائعنا فيما يتعلق بالمسيحيين" مثلما يطبق المسلمون شريعتهم، وهو ما طبقه البابا شنوده عمليا عندما رفض العام الماضي 2010 تنفيذ أحكام محكمة القضاء الاداري فيما يخص الزواج الثاني للمسيحيين وتعلل بمخالفته للأنجيل.

إنَّ ذلك ما يجعلنا نتحدث وبكل ألم شديد، للحديث لأولئك المنخدعين من المسلمين الداعين للخنوع والركوع وعدم الدفاع عن حقوق المسلمين في مصر، وكأنَّ المسلمين في مصر باتوا أقليَّة لا يحق لهم الحديث والدفاع عن أنفسهم، وإن دافعوا عن أنفسهم فيفتح أمامهم ذلك الصوت القائل: (انتبهوا كلامكم يثير الفتنة الطائفيَّة ويُفسد الوحدة الوطنيَّة) فيا سبحان الله!
لماذا لا يوجهون هذا الكلام لقيادات الكنائس المصريَّة ويقولون لهم هذا الكلام؟!

لقد كان الشيخ الراحل محمد الغزالي رحمه الله بصيراُ في هذا الصدد، وكتب كتاباً صدر قديماً أسماه: (قذائف الحق) وذكر فيه منذ زمن بعيد من الذي يفتح أبواب الفتنة الطائفيَّة؟!
حيث قام بعرض تقرير سري يصف لقاء شنوده مع رجال دين وأثريـاء من النصارى المصريين، في أوائل السبعينات في اجتـماع خاص بينهم على مستوى رفيع وذكر الشيخ الغزالي أنَّ (البابا شنودة) جلس أمام النصارى وتحدث إليهم طويلاً عن معاناتهم المزعومة في ظل عيشهم في مصر (ثـم ختم حديثه بأن بشّـر الحاضرين، وطلب إليهم نقل هذه البشرى لشعب الكنيسة، بأنَّ أملهم الأكبـر في عودة البلاد، والأراضي إلى أصحابها من "الغزاة المسلمين" -!!- قـد بات وشيكاً، وليس فـي ذلك أدنـى غرابـة -فـي زعمه- وضرب لهم مثلاً بأسبانيا النصرانية التي ظلت بأيدي "المستعمرين المسلمين" قرابة ثمانية قرون (800 سنة)، ثم استردها أصحابهـا النصارى، ثم قال: وفي التاريخ المعاصر عادت أكثر من بلد إلى أهلها بعد أنْ طُردوا منها منذ قرون طويلة جداً -واضح أنَّ شنودة يقصد الكيان الصهيوني- وفي ختام الاجتماع أنهى حديثه ببعض الأدعية الدينية للمسيح الربّ الذي يحميهم و يبارك خطواتهـم).

كان ذلك منذ زمن بعيد لكي يدرك بعض المسلمين الذين يقولون أنَّ من يتحدث عن نصارى مصر وجرائم كثير منهم ضدَّ الشعب المسلم المصري، بأنَّه يفتح فتنة طائفيَّة؛ سقت ذلك لكي يُعلم أنَّ من ابتدأها هم النصارى وليسوا المسلمين.
إنَّ أحداث إرادة النصارى بالشعب المصري المُسالم الشر، وإغاظتهم وترويعهم، لن ينساها الشعب المصري لهم، فلقد خرج النصارى خروجاً مستفزاً بعدد لا يقل عن ثلاثة آلاف شخص يقودهم ستمائة مسلح بالمولوتوف والسلاح الأبيض ليهاجموا مبني محافظة الجيزة وحي العمرانية واحتجاز الرهائن، بعد قطع الطريق الدائري من ناحية المنيب، وتكسير عشرات السيارات يملكها بعض المسلمين، وأسفر الهجوم الدموي عن إصابة مجموعة من لواءات الداخلية والضباط والجنود الذي أصيبوا إصابات بالغة وتم نقلهم إلى المستشفى.

أليس هذا كذلك حادث إرهابي من النصارى، وأين دعاوى الوحدة الوطنيَّة، ومحاربة الفتنة الطائفيَّة، وخصوصاً من أبناء الديانة النصرانية، ولكن يبدو أنَّهم يسيرون على مبدأ: (تكلَّم بلطف واحمل عصا غليظة) وليتهم كذلك يتكلَّمون بطلف فلقد صاروا يتحدَّثون في مصر، وكأنَّهم هم الحاكم الرسمي فيه، وللأسف لا نجد من يردعهم، وتلك مشكلة كبيرة كذلك!

وفي الوقت الحالي فها نحن نُشاهد هجوماً سيئاً من بعض القنوات التي تبث على (النايل سات) مثل قناة (الكرمة) وهي تؤجِّج في برامجها نيرات الفتنة وتسكب الزيت على النار، وقد خصصت القناة برنامجا يبث على مدار ساعات بعنوان "ما وراء الأحداث" للهجوم العنيف على الإسلام وسب الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والتهكم على شرائع الإسلام واستقبال مكالمات من أقباط يقومون بسب الرئيس مبارك علنا بألفاظ يعاقب عليها القانون واتهامه أنه وراء أحداث الإسكندرية وأنه يقيم هولوكست للأقباط.
فأين إدارة النايل سات من مثل هذه القنوات التي تؤجِّج الفتنة، وتصيب الجميع بالاحتقان الداخلي، ولماذا لا يكون لها دور في تحذيرها من مثل ذلك، كما قامت إدارة النايل سات بتحذيرات متتابعة لقنوات إسلاميَّة تدافع عن حقوق المسلمين بحجَّة زرع الفتنة الطائفيَّة.

7) مسارعة المفتي وشيخ الأزهر لعزاء النصارى في ضحاياهم، لا إشكال فيه، ولكنَّ ذهابهم لمقر الكاتدرائية المرقصية لتعزية (البابا شنودة) فى مقره بالعباسية وسط الغوغاء الذين كانوا يرددون هتافات عدائية للمسلمين، في الحقيقة لم يكن أمراً محموداً، وذلك لأنَّ أولئك لم يحترموا رجال العلم المسلمين، بل آذوهم بألسنتهم وجوارحهم، فما كان ينبغي الذهاب إليهم، وكأنَّ المسلمين هم من كانوا خلف ذلك الحدث المشكوك بمن يقف خلفه.
لم يصدر البابا بيانا أو كلمة يستنكر فيها هذه الجرائم التي ارتكبها متطرفون أقباط، لقد استنكر ملايين المصريين ونخبتهم على الفور الجريمة التي وقعت أمام كنيسة القديسين من باب الالتزام بالمسؤولية أمام الوطن، أيا كان مرتكب الجريمة، فلماذا لم يبادر البابا شنودة بإدانة فورية للاعتداء على ضيفه شيخ الأزهر ومفتي الجمهورية من باب المسؤولية الأخلاقية أمام الوطن أيضا.

وأخيراً:
قال الله تعالى: {أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُواْ أَن يَقُولُواْ ءامَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ} [العنكبوت:2]، إنَّ هذه الفتن التي كتبها الله عز وجل على عباده لحكم عظيمة، ومنها تمحيص الصف المسلم، ورؤية الصابر المتأني من المتسارع المتهالك عليها، لأجل ذلك فإنَّ الفتن تحتاج لرجال رجال، وأبطال لا تهُزُّهم الرياح العاصفات كالراسيات الجبال، وفي الفتن المدلهمة، نحتاج: (لأحلم الناس عند فتنة)، و(أهل التأني في الحُكْمِ وتحليل الأحداث)، وفقه أصول العبادة في الفتنة فالرسول الهادي أخبرنا في الحديث الصحيح: «العبادة في الهرج كهجرة إلي» والصبر الصبر: {اسْتَعِينُوا بِاللَّـهِ وَاصْبِرُوا} {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ} والصمت نجاة، وربَّ قول يسيل له الدم، ولا نجاة لذلك إلاَّ بالاعتصام بالكتاب والسنَّة فمن اعتصم بهما فلن يضلَّ، ثمَّ اللجوء لأهل العلم الربَّانيين فقد أخبرنا بذلك الحسن البصري وقال: "الفتنة إذا أقبلت عرفها كل عالم، وإذا أدبرت عرفها كل جاهل" فنور الفطنة يُبدِّدُ ظُلُمات الفتنة، والسعادة الأكيدة للمؤمن في اجتناب الفتن هكذا أخبرنا صلَّى الله عليه وسلَّم فقال في الحديث الصحيح: «إنَّ السعيد لمن جُنِّب الفتن»، فالحذر من العجلة والتَّسرع فالعجلة أم الندامات، وكم من أناس رفعوا رؤوسهم لرؤية الفتنة فعصفت بهم الفتنة، وسقطوا: {أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} عافانا الله تعالى وثبَّتنا.

فاللهم إنَّا نسألك الثبات على الأمر والعزيمة على الرشد، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين.
وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام