إن العزة لله

منذ 2017-02-26

ولعلو المسلم بدينه عن غيره ناسب أن يكون عزيزاً على الكافر خافضاً جناحه ومتواضعاً لمن كان مثله ولهذا قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} [المائدة من الآية:54].

الحمد لله وبعد..
فإن العزة التي أتحدث عنها من عَزَّ: بفتح العين المهملة، من القوة و الرفعة والامتناع، وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: «وهلْ تدرينَ لِمَ كانَ قومُكِ رفَعُوا بَابَها؟» - أي باب الكعبة -  قالتْ: "قلتُ: لَاقال: «تَعَزُّزًا أنْ لَّا يَدخُلَها إلَّا مَنْ أرادوا» (صحيح مسلم [1333]).

والعزة التي لا ذل معها لله عزوجل (جميعاً) فمن طلب العزة من الله وصدقه في طلبها في افتقار وتذلل وسكون وخضوع وجدها عنده عز وجل، غير ممنوعة ولا محجوبة عنه.

ومن طلبها من غير الله وكله الله إلى من طلبها عنده، فقال عز وجل: {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا} [النساء:139]، فمن أراد العزة فعليه أن يطلبها ممن له العزة جميعاً، وقبل ذلك عليه معرفة صاحبها ومعطيها وواهبها وما هي شروط إعطائها، وقد جاءت الآيات تبين هذا: {أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا} [النساء من الآية:139]، {وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [يونس:65]، {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} [فاطر من الآية:10].

فالمسلم يستمد العزة من قوة ربه ودينه والحق الذي يحمله. وكل صاحب دين يعبد إلهه ليستمد منه العزة كما قال الله: {وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا} [مريم:81]، أي ليكونوا لهم أعوانًا أو ليكونوا لهم شفعاء في الآخرة، وهؤلاء أخبر الله أن عزتهم زائفة ثم يوم القيامة يكفر بعضهم ببعض ويلعن بعضهم بعضاً {كَلَّا ۚ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا} [مريم:82]، وقال: {وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ} [العنكبوت:25]، وقال عن بعض الظالمين: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ . مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ . وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ . مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ. بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُون} [الصافات:22-26]، مستسلمون مع أنهم كانوا بالأمس يعتزون بآلهتم سواءً أكانت أصناماً تعبد، أو آراء وأهواء تؤله سموها حريات وقوانين ونحو ذلك.
وأخبر عن شأن آخر أثيم فقال: {ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان:49].

أما المسلم فإنه يدين لله ومعه الله الذي {تُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران من الآية:26]، وكتابه القرآن الذي قال الله فيه: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} [الزخرف:44]، قال أهل التفسير ذكر لك: شرف لك، وأما نبيه فمحمد عليه الصلاة والسلام سيد ولد آدم وخير من تنشق عنه الأرض:


ومما زادني شرفاً وتيها *** دخولي تحت قولك يا عبادي
وكدت بأخمصي أطأ الثريا *** وأن صـيرت أحمد لي نبيًا


ولعلو المسلم بدينه عن غيره ناسب أن يكون عزيزاً على الكافر خافضاً جناحه ومتواضعاً لمن كان مثله ولهذا قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} [المائدة من الآية:54].

قد يغيب على الكافر هذا المفهوم فينظر إلى بعض الأسباب المادية ولكن لا ينبغي لأهل الإيمان أن يغيب عنهم مفهوم العزة الحقيقي بل عليهم أن يبينوا للناس معنى العزة الحقيقي وأين يجدونها، ولهذا لما تقرر مفهوم خاطئ عند قوم شعيب وهو أن العزة إنما تكون بما لدى الشخص أو قومه من قوة وأسباب دنيوية فقط، صحح لهم نبيهم عليه السلام هذا المفهوم وأرشدهم إلى مصدر العزة الحقيقي، قال الملأ كما أخبر الله عز وجل عنهم: {قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ} [هود:91]، فهم يرون أنه في نفسه غير عزيز، ويرون أن الذي يعززه ويمنعه هم قومه، فقال لهم: {يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ . وَيَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُواْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ} [هو:92-93].

ولهذا لما قال كبير المنافقين: {لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} [المنافقون من الآية:8]، قال الله معقباً: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [المنافقون من الآية:8]، فالعزة لله وبالله {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الصافات:180]، فمن أراد العزة فليلتمسها من ربها، قال تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} [فاطر من الآية:10]، وقد ذم الله من داهن أهل الكفر ومالأهم أو والاهم من أجل تحصيل العزة، فقال: {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا} [النساء:139].

Editorial notes: مستل من محاضرة للشيخ بعنوان (عزة المسلم) بتصرف يسير

ناصر بن سليمان العمر

أستاذ التفسير بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض سابقا