آداب الهدية في الإسلام.. تهادوا تحابوا

منذ 2017-03-25

أهمية الهدية في تأليف القلوب، وتعميق أواصر المحبَّة، وفيها ترغيب غير المسلمين للإسلام، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع صفوان بن أمية رضي الله عنه قبل أن يُسْلم؛ حينما أعطاه واديَيْن من الإبل والغنم، فأسلَمَ وحسُن إسلامه.

وهذه القاعدة مأخوذة من حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «(تهادَوْا تحابُّوا»[1].

وأذكر موقفين وقعَا لي:

الموقف الأول:
كنا مجموعة من الإخوة ونجلس كل أربعاء في إحدى الاستراحات، ويكون فيها درس أو كلمة، ثم مسابقة، ثم وقت مفتوح للحديث مع الإخوة، يتخلَّل ذلك بعض الطرائف والقفشات ونحو ذلك، ومرة من المرات أفاجأ بأحد الإخوة وأنا على وشك الخروج إلى البيت يعطيني ورقة في ظرف، فأخذتها إلى جيبي مبتسمًا، ولما وصلت للبيت قرأتها، وتألمتُ مما كُتب فيها: بأنني مغرور، ومعجَب بنفسي، وأني أحتقر الآخرين، وأني أستهزئ به، ونحو هذا الكلام، وحقيقةً أقولها: اتهمتُ نفسي، وأن ذلك قد يكون فيَّ وأنا لا أعلم، فكتبتُ له اعتذارًا، وتأسفًا إن كنت أخطأتُ في حقِّه بقصد أو بدون قصد، وبيَّنتُ له أننا إخوة، والأخ مرآة لأخيه، ونحو هذا الكلام، واشتريتُ عطرًا، ووضعتُ الورقة داخله، وسلَّمتُه إياها عند خروجنا من الأربعاء الثاني، ولما جاء الأربعاء - الثالث - الذي بعده، ودخلت الاستراحة، استقبلني مبتسمًا، وقبَّل رأسي معتذرًا عما بدر منه، وقال: أنت شيخُنا، ومنكم نأخذ العلم، ونحو هذا الكلام الجميل.

الموقف الثاني:
صليتُ أنا وجار لي حبيب وقريب إلى نفسي، فلما خرجنا من المسجد، كلمته بأني أحبُّه، وأحبُّ كذلك ابنه، وإني أخاف عليه مثلما أخاف على نفسي؛ لذا احرِصْ عليه؛ فإني أراه يمشي مع أناس مدخِّنين، وأخشى عليه أن يكون مُدخِّنًا - وقد صار مدخِّنًا -، فشكرَني ومشى، هذا الكلام كان العصر على أغلب ظنِّي، وما أن صليتُ العشاء، إلا وباب البيت يُطرق، فخرجت وإذا بجاري ومعه ولده، فسلَّما عليَّ، فرددتُ عليهما، فخاطبني الابن قائلاً: "أنت قلتَ لأبي بأني أدَخِّن؟!"، وكان وجهه عبوسًا، وعيناه تقطر شررًا، فقلتُ: "أبدًا لم أقل ذلك؛ وإنما أنا خشيتُ عليك، فأخبرت والدك من حبِّي لك"، لكن هذا الكلام لم يعجبه، وكانت بيده سبحة وأخذ يديرها بشدة، وصار يدور معها أيضًا، فلما رأيت الموقف وأنه قد يسوء بيننا؛ أخذت أدعو له، وأنهيتُ اللقاء، ومن الغد ذهبتُ إلى السوق، وأخذت شماغًا، وعطرًا، وبعض الأشرطة المفيدة، وكتبتُ رسالة رقيقة، ذيَّلتُها باسمي ورقم جوَّالي، وأني أتشرَّف بخدمته، ووضعتُ ذلك في كيس فاخر، وحملته معي في السيارة حتى قابلتُ عمَّه، فأعطيتُه الكيسَ، وقلتُ: "يا أبا سلطان، هذه هدية لابن أخيك (فلان)، احرص على أن تصل إليه"، وبعد ثلاثة أيام، إذا بجوَّالي يرن، وإذا به صاحبي الشاب، وهو يعتذر عما بدر منه، ويقول لي: "لماذا كلَّفت على نفسك؟" ونحو هذا الكلام، ثم ألزمني بالحضور لشرب الشاي والقهوة في بيتهم، وصارت بيننا علاقة طيِّبة، حتى إنه إذا أُشكلت عليه بعض الأمور اتصل بي.

قال صلى الله عليه وسلم: «تهادوا؛ فإن الهدية تُذهِب وحر الصدر»[2]، وكان صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية، ويُثيب عليها، وكان أيضًا يحثُّ عليها، ويرغب فيها، فقال صلى الله عليه وسلم: «لو أُهدي إليَّ كُرَاع[3] لقَبْلتُ، ولو دُعيت إلى كُرَاعٍ لأجبتُ» (صحيح البخاري [2586]، [5178]).

وقبل النبي صلى الله عليه وسلم الهدية من الكفار، كهدية كسرى، وقيصر، والمقوقس، وأهدى هو صلى الله عليه وسلم للكفار.

أهمية الهدية في تأليف القلوب، وتعميق أواصر المحبَّة، وفيها ترغيب غير المسلمين للإسلام، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع صفوان بن أمية رضي الله عنه قبل أن يُسْلم؛ حينما أعطاه واديَيْن من الإبل والغنم، فأسلَمَ وحسُن إسلامه، بل وسخَّر كل ما يملك في خدمة الإسلام، يقول صفوان رضي الله عنه: "والله لقد أعطاني رسول الله ما أعطاني، وإنه لأبغضُ الناس إليَّ، فما برِح يعطيني حتى إنه لأحَبُّ الناس إليَّ" (صحيح مسلم [2313]).


التنبيه على نقاط مهمة في الهدية:

- أن تُخلص النيَّة لله في هديتك.

- أن تدعو ربَّك بأن يبارك فيها؛ حتى تكون مفتاحًا لقلب من أهديتَ إليه.

- أن تتناسب الهدية مع الشخص المُهدى إليه؛ فهدية الصغير تختلف عن هدية الكبير، وهدية الرئيس تختلف عن هدية المرؤوس، ونحو ذلك.

- عدم التكلُّف فيها، وكلٌّ على قدر استطاعته.

- ألا تكون رشوة؛ لنهي الشرع عن ذلك.

- اختيار الوقت المناسب؛ فلا تأتِ لمن تريد أن تهدي إليه في آخر الليل، وهو وقت نومه، فتُوقظه، وتخبره أن عندك هدية تريد أن تسلِّمه إياها.

- أن تقدِّمها ببشاشة، ونفس طيِّبة.

ولقد حصل لإنسان أن صار بينه وبين أمِّه نقاشٌ، فرفع صوته عليها، وأحب أن يُهدي لها هدية؛ لتصفح عنه، ويذهب ما في صدرها عليه، وفعلاً أتى بهديته، لكنه أتى بها ولم يسلِّمْها بيدها، ولم يكن مبتسمًا، فوضعها أمامها بشدة، وقال بصوت أجشَّ: هذه هدية، فلم تتقبَّلها بقبول حسن، بل وقالت: أنا لا أريد هديَّته.

- أن يكون منظر الهدية مقبولاً، ويُكتب عليها - إن تيسَّر - كلام جميل.

- الإثابة عليها، والإعطاء بدلاً منها.

- شكر المُهدي، والدعاء له.

- عدم ردِّ الهدية التي لا شبهة فيها؛ لأنَّ فيه كسرًا لقلب المُهدي، وإساءة له.

د. إبراهيم بن فهد بن إبراهيم الودعان

------

[1] (الأدب المفرد للبخاري [594]، السنن الكبرى للبيهقي [12297]، وحسّنه الألباني في صحيح الجامع [3004]).

[2] (سنن الترمذي [213]، وضعَّفه الألباني في ضعيف الجامع [2489]، وَحَر الصدر أيْ: غلُّه، وغشُّه، وحقده (التيسير بشرح الجامع الصغير [1/929]).

[3] (الكراع: يد الشاة، المرجع السابق).