الترويح عن النفس في الإسلام
منذ 2004-04-14
يعتبر الترويح عن النفس من الأمور المهمة التي يحتاجها المرء في حياته، ولكن كثيراً من الناس يقع في هذا الموضوع إما في إفراط بحيث يغلو فيه ويجعل همه هو الترويح عن نفسه ..
الحمد لله وكفى، وصلاة وسلاماً على نبيه الذي اصطفى، وعلى آله وصحبه
ومن اقتفى.
يعتبر الترويح عن النفس من الأمور المهمة التي يحتاجها المرء في حياته، ولكن كثيراً من الناس يقع في هذا الموضوع إما في إفراط بحيث يغلو فيه ويجعل همه هو الترويح عن نفسه والترفيه عنها، ومن الناس من يفرط فيه ويرى أنه لا فائدة منه ولا داعي له، بل هو مضيعة للوقت مفسدة للعمر..
ونحن هنا نحاول تبيان مفهوم الترويح في ضوء القيم والمبادىء الإسلامية، مع بيان أهميته، ونقدم شيئاً من أدلته وخصائصه، ونبرز ما يوفق الله له من ضوابط وقواعد شرعية علّ ذلك أن يدفع إلى استخدام صحيح للترويح، وممارسة له منضبطة بالشرع الحنيف.
تعريف الترويح:
تدور مادة (روح) في اللغة حول معاني: السعة، الفسحة، الانبساط، إزالة التعب والمشقة، إدخال السرور على النفس، الانتقال من حال إلى حال آخر أكثر تشويقاً منه ونحو ذلك.
أما تعريفه في الاصطلاح:
فهو أوجه النشاط غير الضارة التي يمكن أن يقوم بها الفرد أو الجماعة في أوقات الفراغ بغرض تحقيق التوازن، أو الاسترخاء وإدخال السرور والتنفيس عن النفس الإنسانية وتجديد همتها ونشاطها في ضوء القيم والمبادىء الإسلامية.
أهمية الترويح:
تبرز أهمية الترويح عن النفس في جوانب كثيرة منها:
تحقيق التوازن بين متطلبات الكائن البشري (روحية- عقلية- بدنية) ففي الوقت الذي تكون فيه الغلبة لجانب من جوانب الإنسان، يأتي الترويح ليحقق التوازن بين ذلك الجانب الغالب وبقية الجوانب الأخرى المتغلب عليها.
يساهم النشاط الترويحي في إكساب الفرد خبرات ومهارات وأنماط معرفية، كما يساهم في تنمية التذوق والموهبة ويهيء للإبداع والإبتكار.
يساعد الاشتغال بالأنشطة الترويحية في إبعاد أفراد المجتمع عن التفكير أو الوقوع في الجريمة، وبخاصة في عصرنا الذي ظهرت فيه البطالة حتى أصبحت مشكلة، وقَلّت فيه ساعات العمل والدراسة بشكل ملحوظ وأصبح وقت الفراغ أحد سمات هذا العصر.
الترويح ينقذ الإنسان من الملل والضجر وضيق الصدر، وما إلى ذلك من الإحساسات الأليمة التي يسببها في العادة عند بعض الناس خلوهم من الأعمال الجدية.
ينسي الإنسان ما لديه من آلام نفسية أو حسية، أو يخفف من وطأتها.
من أدلة جواز الترويح:
1- ما روي في صحيح مسلم من حديث حنظلة- رضي الله عنه- وفيه قلت: نافق حنظلة يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « وما ذالك؟ » قلت: يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي العين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا- (اشتغلنا بها، عالجنا معايشنا وحظوظنا)- الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيراً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « والذي نفسي بيده إنْ لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة » ، ثلاث مرات
2- وفي الصحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما-: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: « صم وأفطر، وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقاً، وإن لعينك عليك حقاً، وإن لزوجك عليك حقاً، وإن لزورك عليك حقاً » ، وفي رواية مسلم: « يا عبد الله بن عمرو: إنك لتصوم الدهر وتقوم الليل، وإنك إذا فعلت ذلك هجمت له العين ونهكت، لا صام من صام الأبد » .
3- وما روي عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- عند أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: « يا ذا الأذنين » ، يعني يمازحه.
4- ما في الصحيح عن محمود بن الربيع- رضي الله عنه- أنه قال: إني لأعقل مجة مجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهي وأنا ابن خمس سنين من دلو.
5- ما روي عن عائشة- رضي الله عنها- أنها كانت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر قالت: فسابقته فسبقته على رجلي، فلما حملت اللحم، سابقته فسبقني فقال: « هذه بتلك » [رواه أبو داود]
6- وما عند مسلم عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: "والله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقوم على باب حجرتي والحبشة يلعبون بحرابهم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، سترني بردائه لكي أنظر إلى لعبهم، ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا التي أنصرف، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن حريصة على اللهو".
خصائص الترويح عن النفس في الإسلام:
الإسلام نظام متكامل- عقيدة وشريعة- لا بُدّ أن تنبثق عنه جميع تصورات ومبادىء وقيم وسلوكيات المسلم، فموضوع الترويح لا بُدّ أن ننظر إليه من خلال الخصائص التي أعطاها له الإسلام، ومنها أنه:
1- عبودية لله: كما قال تعالى: { قُلْ إِنّ صَلاتِي وَنُسُكي وَمَحْيايَ وَمَماتي للهِ رَبّ العَالمين . لا شَرِيك لَهُ } [الأنعام: 162]
والترويح هو جانب من جوانب المحيا في حياة المسلم، فهو لله في حال إصلاح العبد لنيته وممارسته بشروط حلّه، واتخاذه وسيلة لا غاية، وغير ذلك من الضوابط التي سنذكرها بإذن الله، وقد رُوي عن أبي الدرداء أنه قال: إني لأستجم قلبي بالشيء من اللهو ليكون أقوى لي على الحق.
2- ثابت المعالم متجدد الوسائل: فلا بد فيه من عدم تجاوز جوانب يوجب الإسلام تركها-لحرمتها أو ضررها- فينضبط بضوابط الإسلام ويحتكم بأحكامه، وما سوى ذلك فللإنسان أن يبدع ويجدد فيه ما شاء من كيفيات ووسائل.
3- يراعي طبيعة الفطرة الإنسانية: فنجد أنواع الترويح المشروع شاملة لجميع حاجات ودوافع الإنسان التي تتطلبها جوانبه المختلفة (الروح، العقل، الجسد) مما يدل على أن من خصائصه العموم والشمول ومراعاة الفطرة.
ضوابط الترويح عن النفس في الإسلام:
1- الأصل في الترويح الإباحة: لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو الدرداء- رضي الله عنه- "ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرّم، فهو حرام، وما سكت عنه فهو عافية، فاقبلوا من الله العافية، فإن الله لم يكن نسياً، ثم قرأ هذه الآية { وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا } ". ومن قواعد الشريعة أن الأصل في الأشياء الإباحة حتى يدل الدليل على التحريم.
2- الترويح وسيلة لا غاية: فهو وسيلة لتحقيق التوازن بين جوانب الإنسان المختلفة، في حالة وجود اختلاف بالإفراط في جانب على حساب الجوانب الأخرى، وإذا تجاوز النشاط الترويحي هذا الحد وأصبح هدفاً في ذاته، فإنه يخرج من المستحب أو المباح إلى الكراهية أو الحرمة، فيخرج مثلاً احتراف بعض الأنشطة الترويحية عن دائرة المباح أو المشروع، لن في ذلك إلهاءً عن الواجبات الأساسية.
فالإسلام قد رفض الإفراط في كمية العبادات الشرعية، مثال قوله صلى الله عليه وسلم: « إذا قام أحدكم من الليل فاستعجم القرآن على لسانه فلم يدر ما يقول، فليضطجع » [رواه مسلم].
فهذا نهي عن زيادة كمية عبادة، فما بالنا بأمر مباح لم يأمرنا الشارع به، حتى نزيده على المأمورات!!
3- الجد هو الأصل والترويح فرع: سبق أن ذكرنا أن الترويح إنما هو حالة علاجية لحصول اختلال في إعطاء كل جانب من جوانب الكائن البشري ما يستحق من نشاط وقوة، ليعود الإنسان بكافة جوانبه مواصلاً سيره إلى الله بجد ونشاط، ويظهر ذلك جلياً في أقواله صلى الله عليه وسلم وأفعاله، حيث قال كما عند ابن ماجة: « ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب » .
وما رُوي في صحيح مسلم عن سماك قال: "قلت لجابر بن سمرة أكنت تجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم كثيراً، كان لا يقوم من مصلاه الذي يصلي فيه الصبح حتى تطلع الشمس فإذا طلعت قام، فكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية فيضحكون ويتبسم صلى الله عليه وسلم". فكان مُقدماً للجد على الترويح كما ظهر.
4- ألاّ يكون في النشاط الترويحي مخالفة شرعية:
وهذا هو الضابط الأهم من ضوابط النشاط الترفيهي ولتطبيقه صور مختلفة منها:
ألا يكون في النشاط الترويحي أذية للآخرين من سخرية، أو لمز ونبز، وغيبة، فقد قال تعالى: { يا أَيُّها الذين آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مّنْهُمْ وَلانِساءٌ مِن نِساءٍ عَسَى أَن يَكُنّ خَيْراً مّنْهُنّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُم وَلا تَنابَزُوا بالألْقابِ بِئْسَ الاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُون . يا أيها الذينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثيراً مِن الظّنِّ إِنّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجسّسُوا ولا يَغْتب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُم أَنْ يأْكُلَ لَحْمَ أخِيهِ مَيْتاً فكرِهْتُمُوهُ واتَّقُوا اللهَ إنّ اللهَ توّابٌ رَّحِيمٌ } [الحجرات:12،11]، أو أذى بترويع لقوله صلى الله عليه وسلم: « لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً » [رواه احمد وأبو داود]، ولا بأخذ متاعه واعتداء على ممتلكاته، لقوله صلى الله عليه وسلم عند أبي داود: « لا يأخذ أحدكم متاع أخيه لاعباً ولا جاداً » .
ألا يكون في النشاط الترويحي كذب وافتراء، فقد قال صلى الله عليه وسلم: « ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم، ويل له! ويل له! » ، [رواه احمد وأبو داود وصححه الحاكم ووافقه الذهبي].
ألا يكون فيه تبذير للمال واستهلاك باذخ، قال تعالى: { وآتِ ذا القُرْبى حّقّهُ وَالمِسكينَ وابْنَ السّبيلِ وَلا تُبذّرْ تَبْذيراً . إنّ المُبذرينَ كانُوا إخْوانَ الشّياطِينِ وكان الشّيطانُ لِربّهِ كَفُوراً } [الإسراء، 26، 27]، وهذا في أمر واجب وهو الإنفاق على ذي القربى والمسكين وابن السبيل فكيف الحال في الترويح؟!!
ألا يكون في النشاط الترويحي اختلاط لما يفض إليه ذلك من النظر المحرم، والخلوة المحرمة، بالإضافة إلى أنه قد يكون ذريعة لمخالفات شرعية أكبر، والله تعالى قد نهى عن مجرد قربان الزنا ولم يقتصر على تحريم الزنا، بل القربان فقد قال تعالى: { وَلا تَقْربُوا الزّنى إِنّهُ كان فَاحِشَةً وساءَ سبيلاً } [الإسراء:32]
ألا يكون فيه معازف لقوله صلى الله عليه وسلم: « ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف » [رواه البخاري].
ألا يكون من نرد لقوله صلى الله عليه وسلم: « من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله » [رواه أحمد وأبو داود] وقوله: « من لعب بالنردشير فكأنما غمس يده في لحم الخنزير » [مسلم]
ألا يكون من ميسر، قال تعالى: { يا أيُّها الذينَ آمنُوا إنّما الخمْرُ والمَيْسِرُ والأَنْصابُ والأزلامُ رِجْسٌ من عَمَلِ الشيطانِ فاجْتَنبُوهُ لعلّكُمْ تُفْلِحُون } [المائدة: 90]
ألا يكون فيه تحريش بين البهائم فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التحريش بين البهائم. [رواه الترمذي]
ألا يتخذ ماله روح هدفاً، قال صلى الله عليه وسلم: « لا تتخذوا شيئاً فيه الروح غرضاً » [رواه مسلم]
تصوير ماله روح، قال صلى الله عليه وسلم: « من صور صورة في الدنيا كلف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ » [رواه البخاري]
النظر إلى ما حرم الله لقوله تعالى: { قُل للمؤمنين يَغُضوا من أبصارهِم وَيحْفظُوا فُرُوجَهُم ذلك أزكى لهُم إنّ اللهَ خبيرٌ بِما يَصْنَعُون . وَقُل لِلمُؤمناتِ يَغْضُضنَ من أبْصارِهِنّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنّ.. } [النور: 30، 31]
5- ألا يكون فيه ضرر على ممارسه:
لقوله صلى الله عليه وسلم: « لا ضرر ولا ضرار » [رواه أحمد]، وللقاعدة الشرعية: إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام.
ومما سبق يتضح لنا الرؤى حول كثير من أساليب الترويح والترفيه المستحدثة، وبناءاً على الضوابط السابقة نستطيع قياس أي أمر وارد جديد..
هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمّد وعلى آله وصحبه وسلم.
المراجع:
[انظر مجلة البيان 90/16، الترويح عن النفس في الإسلام/ فيصل العبداني. وكتاب قضايا اللهو والترفيه بين الحاجة النفسية والضوابط الشرعية/ مروان رشيد، دار طبية، الطبعة الأولى 1419هـ، الرياض]
دار القاسم: المملكة العربية السعودية_ص ب 6373 الرياض 11442
هاتف: 4092000/ فاكس: 4033150
البريد الالكتروني: sales@dar-alqassem.com
الموقع على الانترنت: www.dar-alqassem.com
يعتبر الترويح عن النفس من الأمور المهمة التي يحتاجها المرء في حياته، ولكن كثيراً من الناس يقع في هذا الموضوع إما في إفراط بحيث يغلو فيه ويجعل همه هو الترويح عن نفسه والترفيه عنها، ومن الناس من يفرط فيه ويرى أنه لا فائدة منه ولا داعي له، بل هو مضيعة للوقت مفسدة للعمر..
ونحن هنا نحاول تبيان مفهوم الترويح في ضوء القيم والمبادىء الإسلامية، مع بيان أهميته، ونقدم شيئاً من أدلته وخصائصه، ونبرز ما يوفق الله له من ضوابط وقواعد شرعية علّ ذلك أن يدفع إلى استخدام صحيح للترويح، وممارسة له منضبطة بالشرع الحنيف.
تعريف الترويح:
تدور مادة (روح) في اللغة حول معاني: السعة، الفسحة، الانبساط، إزالة التعب والمشقة، إدخال السرور على النفس، الانتقال من حال إلى حال آخر أكثر تشويقاً منه ونحو ذلك.
أما تعريفه في الاصطلاح:
فهو أوجه النشاط غير الضارة التي يمكن أن يقوم بها الفرد أو الجماعة في أوقات الفراغ بغرض تحقيق التوازن، أو الاسترخاء وإدخال السرور والتنفيس عن النفس الإنسانية وتجديد همتها ونشاطها في ضوء القيم والمبادىء الإسلامية.
أهمية الترويح:
تبرز أهمية الترويح عن النفس في جوانب كثيرة منها:
تحقيق التوازن بين متطلبات الكائن البشري (روحية- عقلية- بدنية) ففي الوقت الذي تكون فيه الغلبة لجانب من جوانب الإنسان، يأتي الترويح ليحقق التوازن بين ذلك الجانب الغالب وبقية الجوانب الأخرى المتغلب عليها.
يساهم النشاط الترويحي في إكساب الفرد خبرات ومهارات وأنماط معرفية، كما يساهم في تنمية التذوق والموهبة ويهيء للإبداع والإبتكار.
يساعد الاشتغال بالأنشطة الترويحية في إبعاد أفراد المجتمع عن التفكير أو الوقوع في الجريمة، وبخاصة في عصرنا الذي ظهرت فيه البطالة حتى أصبحت مشكلة، وقَلّت فيه ساعات العمل والدراسة بشكل ملحوظ وأصبح وقت الفراغ أحد سمات هذا العصر.
الترويح ينقذ الإنسان من الملل والضجر وضيق الصدر، وما إلى ذلك من الإحساسات الأليمة التي يسببها في العادة عند بعض الناس خلوهم من الأعمال الجدية.
ينسي الإنسان ما لديه من آلام نفسية أو حسية، أو يخفف من وطأتها.
من أدلة جواز الترويح:
1- ما روي في صحيح مسلم من حديث حنظلة- رضي الله عنه- وفيه قلت: نافق حنظلة يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « وما ذالك؟ » قلت: يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي العين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا- (اشتغلنا بها، عالجنا معايشنا وحظوظنا)- الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيراً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « والذي نفسي بيده إنْ لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة » ، ثلاث مرات
2- وفي الصحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما-: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: « صم وأفطر، وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقاً، وإن لعينك عليك حقاً، وإن لزوجك عليك حقاً، وإن لزورك عليك حقاً » ، وفي رواية مسلم: « يا عبد الله بن عمرو: إنك لتصوم الدهر وتقوم الليل، وإنك إذا فعلت ذلك هجمت له العين ونهكت، لا صام من صام الأبد » .
3- وما روي عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- عند أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: « يا ذا الأذنين » ، يعني يمازحه.
4- ما في الصحيح عن محمود بن الربيع- رضي الله عنه- أنه قال: إني لأعقل مجة مجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهي وأنا ابن خمس سنين من دلو.
5- ما روي عن عائشة- رضي الله عنها- أنها كانت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر قالت: فسابقته فسبقته على رجلي، فلما حملت اللحم، سابقته فسبقني فقال: « هذه بتلك » [رواه أبو داود]
6- وما عند مسلم عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: "والله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقوم على باب حجرتي والحبشة يلعبون بحرابهم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، سترني بردائه لكي أنظر إلى لعبهم، ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا التي أنصرف، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن حريصة على اللهو".
خصائص الترويح عن النفس في الإسلام:
الإسلام نظام متكامل- عقيدة وشريعة- لا بُدّ أن تنبثق عنه جميع تصورات ومبادىء وقيم وسلوكيات المسلم، فموضوع الترويح لا بُدّ أن ننظر إليه من خلال الخصائص التي أعطاها له الإسلام، ومنها أنه:
1- عبودية لله: كما قال تعالى: { قُلْ إِنّ صَلاتِي وَنُسُكي وَمَحْيايَ وَمَماتي للهِ رَبّ العَالمين . لا شَرِيك لَهُ } [الأنعام: 162]
والترويح هو جانب من جوانب المحيا في حياة المسلم، فهو لله في حال إصلاح العبد لنيته وممارسته بشروط حلّه، واتخاذه وسيلة لا غاية، وغير ذلك من الضوابط التي سنذكرها بإذن الله، وقد رُوي عن أبي الدرداء أنه قال: إني لأستجم قلبي بالشيء من اللهو ليكون أقوى لي على الحق.
2- ثابت المعالم متجدد الوسائل: فلا بد فيه من عدم تجاوز جوانب يوجب الإسلام تركها-لحرمتها أو ضررها- فينضبط بضوابط الإسلام ويحتكم بأحكامه، وما سوى ذلك فللإنسان أن يبدع ويجدد فيه ما شاء من كيفيات ووسائل.
3- يراعي طبيعة الفطرة الإنسانية: فنجد أنواع الترويح المشروع شاملة لجميع حاجات ودوافع الإنسان التي تتطلبها جوانبه المختلفة (الروح، العقل، الجسد) مما يدل على أن من خصائصه العموم والشمول ومراعاة الفطرة.
ضوابط الترويح عن النفس في الإسلام:
1- الأصل في الترويح الإباحة: لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو الدرداء- رضي الله عنه- "ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرّم، فهو حرام، وما سكت عنه فهو عافية، فاقبلوا من الله العافية، فإن الله لم يكن نسياً، ثم قرأ هذه الآية { وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا } ". ومن قواعد الشريعة أن الأصل في الأشياء الإباحة حتى يدل الدليل على التحريم.
2- الترويح وسيلة لا غاية: فهو وسيلة لتحقيق التوازن بين جوانب الإنسان المختلفة، في حالة وجود اختلاف بالإفراط في جانب على حساب الجوانب الأخرى، وإذا تجاوز النشاط الترويحي هذا الحد وأصبح هدفاً في ذاته، فإنه يخرج من المستحب أو المباح إلى الكراهية أو الحرمة، فيخرج مثلاً احتراف بعض الأنشطة الترويحية عن دائرة المباح أو المشروع، لن في ذلك إلهاءً عن الواجبات الأساسية.
فالإسلام قد رفض الإفراط في كمية العبادات الشرعية، مثال قوله صلى الله عليه وسلم: « إذا قام أحدكم من الليل فاستعجم القرآن على لسانه فلم يدر ما يقول، فليضطجع » [رواه مسلم].
فهذا نهي عن زيادة كمية عبادة، فما بالنا بأمر مباح لم يأمرنا الشارع به، حتى نزيده على المأمورات!!
3- الجد هو الأصل والترويح فرع: سبق أن ذكرنا أن الترويح إنما هو حالة علاجية لحصول اختلال في إعطاء كل جانب من جوانب الكائن البشري ما يستحق من نشاط وقوة، ليعود الإنسان بكافة جوانبه مواصلاً سيره إلى الله بجد ونشاط، ويظهر ذلك جلياً في أقواله صلى الله عليه وسلم وأفعاله، حيث قال كما عند ابن ماجة: « ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب » .
وما رُوي في صحيح مسلم عن سماك قال: "قلت لجابر بن سمرة أكنت تجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم كثيراً، كان لا يقوم من مصلاه الذي يصلي فيه الصبح حتى تطلع الشمس فإذا طلعت قام، فكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية فيضحكون ويتبسم صلى الله عليه وسلم". فكان مُقدماً للجد على الترويح كما ظهر.
4- ألاّ يكون في النشاط الترويحي مخالفة شرعية:
وهذا هو الضابط الأهم من ضوابط النشاط الترفيهي ولتطبيقه صور مختلفة منها:
ألا يكون في النشاط الترويحي أذية للآخرين من سخرية، أو لمز ونبز، وغيبة، فقد قال تعالى: { يا أَيُّها الذين آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مّنْهُمْ وَلانِساءٌ مِن نِساءٍ عَسَى أَن يَكُنّ خَيْراً مّنْهُنّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُم وَلا تَنابَزُوا بالألْقابِ بِئْسَ الاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُون . يا أيها الذينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثيراً مِن الظّنِّ إِنّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجسّسُوا ولا يَغْتب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُم أَنْ يأْكُلَ لَحْمَ أخِيهِ مَيْتاً فكرِهْتُمُوهُ واتَّقُوا اللهَ إنّ اللهَ توّابٌ رَّحِيمٌ } [الحجرات:12،11]، أو أذى بترويع لقوله صلى الله عليه وسلم: « لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً » [رواه احمد وأبو داود]، ولا بأخذ متاعه واعتداء على ممتلكاته، لقوله صلى الله عليه وسلم عند أبي داود: « لا يأخذ أحدكم متاع أخيه لاعباً ولا جاداً » .
ألا يكون في النشاط الترويحي كذب وافتراء، فقد قال صلى الله عليه وسلم: « ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم، ويل له! ويل له! » ، [رواه احمد وأبو داود وصححه الحاكم ووافقه الذهبي].
ألا يكون فيه تبذير للمال واستهلاك باذخ، قال تعالى: { وآتِ ذا القُرْبى حّقّهُ وَالمِسكينَ وابْنَ السّبيلِ وَلا تُبذّرْ تَبْذيراً . إنّ المُبذرينَ كانُوا إخْوانَ الشّياطِينِ وكان الشّيطانُ لِربّهِ كَفُوراً } [الإسراء، 26، 27]، وهذا في أمر واجب وهو الإنفاق على ذي القربى والمسكين وابن السبيل فكيف الحال في الترويح؟!!
ألا يكون في النشاط الترويحي اختلاط لما يفض إليه ذلك من النظر المحرم، والخلوة المحرمة، بالإضافة إلى أنه قد يكون ذريعة لمخالفات شرعية أكبر، والله تعالى قد نهى عن مجرد قربان الزنا ولم يقتصر على تحريم الزنا، بل القربان فقد قال تعالى: { وَلا تَقْربُوا الزّنى إِنّهُ كان فَاحِشَةً وساءَ سبيلاً } [الإسراء:32]
ألا يكون فيه معازف لقوله صلى الله عليه وسلم: « ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف » [رواه البخاري].
ألا يكون من نرد لقوله صلى الله عليه وسلم: « من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله » [رواه أحمد وأبو داود] وقوله: « من لعب بالنردشير فكأنما غمس يده في لحم الخنزير » [مسلم]
ألا يكون من ميسر، قال تعالى: { يا أيُّها الذينَ آمنُوا إنّما الخمْرُ والمَيْسِرُ والأَنْصابُ والأزلامُ رِجْسٌ من عَمَلِ الشيطانِ فاجْتَنبُوهُ لعلّكُمْ تُفْلِحُون } [المائدة: 90]
ألا يكون فيه تحريش بين البهائم فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التحريش بين البهائم. [رواه الترمذي]
ألا يتخذ ماله روح هدفاً، قال صلى الله عليه وسلم: « لا تتخذوا شيئاً فيه الروح غرضاً » [رواه مسلم]
تصوير ماله روح، قال صلى الله عليه وسلم: « من صور صورة في الدنيا كلف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ » [رواه البخاري]
النظر إلى ما حرم الله لقوله تعالى: { قُل للمؤمنين يَغُضوا من أبصارهِم وَيحْفظُوا فُرُوجَهُم ذلك أزكى لهُم إنّ اللهَ خبيرٌ بِما يَصْنَعُون . وَقُل لِلمُؤمناتِ يَغْضُضنَ من أبْصارِهِنّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنّ.. } [النور: 30، 31]
5- ألا يكون فيه ضرر على ممارسه:
لقوله صلى الله عليه وسلم: « لا ضرر ولا ضرار » [رواه أحمد]، وللقاعدة الشرعية: إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام.
ومما سبق يتضح لنا الرؤى حول كثير من أساليب الترويح والترفيه المستحدثة، وبناءاً على الضوابط السابقة نستطيع قياس أي أمر وارد جديد..
هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمّد وعلى آله وصحبه وسلم.
المراجع:
[انظر مجلة البيان 90/16، الترويح عن النفس في الإسلام/ فيصل العبداني. وكتاب قضايا اللهو والترفيه بين الحاجة النفسية والضوابط الشرعية/ مروان رشيد، دار طبية، الطبعة الأولى 1419هـ، الرياض]
دار القاسم: المملكة العربية السعودية_ص ب 6373 الرياض 11442
هاتف: 4092000/ فاكس: 4033150
البريد الالكتروني: sales@dar-alqassem.com
الموقع على الانترنت: www.dar-alqassem.com
- التصنيف: