التهيئة لرمضان - (11) - التهيئة بإعادة الوصال بين القلب والقرآن
فلنتصالح مع القرآن قبل أن يأتي رمضان ولنعطه أفضل أوقاتنا
إن من نعم الله عز وجلّ على عباده أن اصطفى لهم الدين وأنزل كتبه وأرسل رسله ليبلغوهم رسالة ربهم ويدعونهم إلى توحيد الله عز وجلّ وإلى دينه القويم. ومن نعمه سبحانه وتعالى أن ختم الرسالات السماوية بمحمد صلى الله عليه وسلم وختمها بالقرآن العظيم مصدقا لسائر الكتب السابقة ومهيمنا عليها، هو الهدى والشفاء والنور والرحمة والفرقان
الإيمان هو فصيلة دم أمة الإسلام ومتى ضعف الإيمان وتمكّن حب الدنيا والهوى في قلوب أبنائها ضعفت الأمة بأسرها وفقدت مصدر قوتها وتميّزها وخيريتها على سائر الأمم (كنتم خير أمة أخرجت للناس) فالإيمان هو الوقود الذي يولّد الطاقة التي تدفع الأمة للقيام بواجباتها في كل زمان ومكان وأيّ طاقة لا تتولد من الإيمان الحقّ فهي طاقة مهدورة!
وأمتنا في واقعها المعاصر تشكو من فقر الإيمان وأعظم ما يقوي الإيمان في عروقها هو القرآن فهو منبع الإيمان ومنهجه وهديه وصراط الله المستقيم الذي يوصل من اتبعه إلى جنات النعيم:{رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا}.
والقرآن حياة القلوب ونبضها فلا عجب أن سمّاه الله تعالى روحا {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا}[الشورى: 52]
والقرآن حبل الله المتين طرفه بيد الله جلّ جلاله وينبغي لنا نحن إن أردنا النجاة أن نتمسك بطرف الحبل الآخر فلا نفلته أبدًا لأننا إن أفلتناه ضللنا وهوينا إلى أسفل سافلين، وقد أوصانا نبينا صلى الله عليه وسلم: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا: كتاب الله وسنتي».
والعلاقة بين رمضان والقرآن علاقة لا تنفكّ ولا تنقطع كيف لا وقد اصطفى الله تعالى من الشهور رمضان ليكون إنزال القرآن فيه {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ} {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}اجتمع في رمضان شرف الزمان وشرف الرسالة وشرف الليلة نور على نور على نور فهنيئا لمن شرّع أبواب قلبه وروحه لهذه الأنوار فاستضاء بها فقادته إلى الصراط المستقيم حتى توصله إلى الجنة بإذن الله.
ولن نستشعر عظمة القرآن إلا إذا استشعرنا حاجتنا له، حاجتنا أن نهتدي بهداه ونتخذه منهجا ودليلا وقيّما وشفاء ورحمة {مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ} لكن متى شعرنا بالاستغناء عنه فإنا نكون ممن {اتَّخَذُوا هَـٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} لا نذكره إلا في مجالس العزاء وفي افتتاحيات المناسبات العامة ونضعه في السيارة ليحميها من الحوادث وتحت الوسادة ليحفظ به النائم وما كان القرآن تميمة تعلّق! القرآن يعيذ صاحبه إذا قرأه واستشعر فقره إلى ربه وحاجته للاستعانة به والاستعاذة به من سائر الشرور، القرآن يقي صاحِبه إذا صاحَبه في حياته وفي سائر أمره.
فلنهيئ قلوبنا قبل رمضان بعودة صادقة للقرآن وبعقد الصلح معه على عدم الافتراق وتحقيق الوصال بين قلوبنا وبين القرآن تستمد منه حياتها فتحيا بهديه وترى بنوره فتنطلق الجوارح عملا وسعيا إلى أن تكون قرآنا يمشي على الأرض كما كان قدوتنا صلى الله عليه وسلم.
فإذا حققنا هذه العودة الصادقة للقرآن استطعنا بتوفيق الله أن نصلح أنفسنا ونغير ما بها للأحسن وإذا غيّرنا ما بأنفسنا غيّر الله تعالى حالنا كما وعد جلّ جلاله {إِنَّ اللَّـهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} وإذا غيّرنا الله تعالى للأحسن تحول صلاحنا إلى إصلاح لمجتمعنا وأمتنا وارتقينا بها تحقيقا لمهمة العبادة والاستخلاف في الأرض وعمارتها.
فلنتصالح مع القرآن قبل أن يأتي رمضان ولنعطه أفضل أوقاتنا وليكن هو الأولوية في حياتنا وبقدر ما نتقرب منه يفتح الله عز وجلّ لنا من فهمه وتدبر آياته والعمل بها فاللهم ربنا ارزقنا صحبة القرآن وتعظيم القرآن وفهمه وتدبره واجعله نور قلوبنا ونور قبورنا ونورا نمشي به على الصراط يا ذا الجلال والإكرام.
سمر الأرناؤوط
كاتبة إسلامية فاضلة لها كتابات قيمة في عدد من المواقع والمدونات
- التصنيف:
- المصدر: