نسمات إيمانية رمضانية (4)

منذ 2017-06-14

من فضائل هذا الدين ومن محاسن أخلاقه ومن أعظم مقاماته العفو عن الناس، العفو ممن أخطأ علينا هذه المرتبة وهذا الفضل أمرنا به، بل هو كرم من المكارم وخلق يجعل الإنسان يعيش عزيز بين الناس

عفو الرحمن في شهر رمضان

 

 في رمضان يتجلى عفو الرحمن:

العفو شيمة الاتقياء، وتاج الاصفياء، ورداء الرحماء، والعفو خلق يتألق في شهر رمضان الفضيل، حيث اوصي رسول الله صلي الله عليه وسلم ان الصائم إذا اراد صوما مقبولا واجرا موصولا «ان سبه أحد او شتمه فليقل إني امرؤ صائم»  (صحيح ابن حبان: 3416).. وإذا اراد العبد ان يكتسب عفو الخالق عليه ان يعفو عن الخلق، والعفو يتجلى في شهر رمضان ويبلغ ذروته في ليلة القدر كيف؟!! عن عائشة رضي الله عنها قالت: «يا رسول الله أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أدعو؟ قال: تقولين:: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني» ( سنن بن ماجه صححه الألباني).

 

والحكمة التي جعلت النبي صلى الله عليه وسلم يوصي عائشة رضي الله عنها إذا هي وافقت ليلة القدر أن تقول: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني؟

 

تخصيص اسم الله تعالى (العفو) تأكيد لمكانة هذه الليلة المباركة التي يعفو الله تعالى فيها عن العباد، وإحساس العبد بالذنب واعترافه بالخطأ والتقصير، يجعله يتضرع إلى الله تعالى بطلب العفو، ثم قوله (عفو تحب العفو) استشعار لحسن الظن بالله تعالى، فيعمر قلب المؤمن بالرجاء.

 

ويأتي إلحاح العبد بهذا الدعاء إظهار لافتقار العبد لربه وتذلـله بين يديه، وتعلقه بمرضاته سبحانه وتعالى طلبا لرضاه وشكرا لعطاه ورض بقضاة.. ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، وفي الحديث القدسي: «إذا أردتم رحمتي فارحموا خلقي » (الكامل في الضعفاء: 3/457) هذه تَوجيهات النبي، وكلٌّ مِنَّا يُدركُ بالفِطرة ماذا تعني كلمة الرحمة؟ أحيانًا تُطَمْئِن، أحيانًا تُمِدّ بالمال، أحيانًا تُزيل الخوف، أحيانا تُواسي، أحيانًا تزور، أحيانًا تعاوِن، أيُّ شيءٍ يُريحُ الإنسان هو رحمة، قد تواسيهِ بابْتِسامتك، قد تواسيهِ بلِسانِك، قد تواسيهِ بِمَالك، قد تواسيهِ بِشَخصك، وبزِيارتك، الراحمون يرحمهم الله، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.

 

وفي الحديث القدسي: وعن ابي بكر رضي الله   «إذا كنتم تحبون رحمتي فارحموا خلقي» (الكامل في الضعفاء: 3/457).

 

ومن فضائل هذا الدين ومن محاسن أخلاقه ومن أعظم مقاماته العفو عن الناس، العفو ممن أخطأ علينا هذه المرتبة وهذا الفضل أمرنا به، بل هو كرم من المكارم وخلق يجعل الإنسان يعيش عزيز بين الناس، لا ذليل كما يظن بعض الناس، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:" ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزّ" يعز الله عزّ وجل أولئك، الذين يعفون عمن أخطأ عليهم والله جلّ وعلا يقولون في القرآن: {وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [التغابن: 14].. إذا عفي الإنسان عن غيره من البشر عفا الله عز وجل عنه، إن صفح وغفر للناس أخطاءهم، غفر الله عزّ وجل له. {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ}[النور: 22].. من أراد أن يغفر الله له فليعف عن البشر.

 

يقول النبي صلى الله عليه وسلم:" «يأتي العبد يوم القيامة ليس لديه أعمال كثيرة أعماله بسيطة، فيسأله الله عزّ وجل وتسأله الملائكة، ماذا عملت، ما العمل الذي ترجو به رحمة الله عزّ وجل قال لا شيء. إلا أني كنت أتجاوز عن المعسر وأيسرر على الموسر، يعني إنسان أطالبه ما عنده أسامحه، إنسان حل الدين له لكن لا يستطيع أن يدفع أعفو عنه، هكذا كان يتعامل مع البشر، يقول الله عزّ وجل له يوم القيامة ويقول الله للملائكة أنا أحق بذلك من عبدي، قد عفوت عنه وأدخلته الجنة» {أَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}[البقرة: 237].

 

إذا أراد الإنسان أن يعفى عنه فليعفوا عن البشر، النبي صلى الله عليه وآلة وسلم كم حاربه قومه، كم آذوه كم طاردوه، بل أدموه ونزف الدم من وجهه، فمسح الدم وهو يقول «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون، اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون» (صحيح البخاري: 3477)  {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[آل عمران: 134].

 

في تفسير بن كثير: يأتي رجلان فيجثيان عن ربهما عزّ وجل، هذه من مشاهد يوم القيامة، يجثوا رجلان عند الله جل وعلا يوم القيامة، فيقول أحدهما يا ربي خذ لي بحقي منه، هذا المظلوم وذاك ظالم، يقول المظلوم يا ربي خذ لي بحقي منه، وكان قد أخذ من الحسنات حتى فنيت حسناته، لكن إلى الآن إلى الآن، ما استوفى حقه، فيقول هذا المظلوم يا رب، خذ من أوزاري وضعها علي، يهلك، انتهى الأمر، الأمر يوم القيامة حسنات وسيئات، يقول الله عزّ وجل لهذا المظلوم انظر إلى الجنة فنظر فإذا هي القصور والمدائن والأنهار والجنان يقول العبد يوم القيامة بعد ما يرى هذا النعيم، يأرب، لأي نبي هذا، لأي صديق هذا، لأي شهيد هذا، هذا ملك عظيم ونعيم كبير، فيقول الله عزّ وجل هذا لمن أعطى الثمن، قال ومن يملك الثمن يا رب، قال أنت تملكه، قال وأين أملك هذا الثمن يا رب وكيف قال بعفوك عن أخيك، إذا عفوت عنه دخلت الجنة، فيقول العبد مباشرة، يا ربي قد عفوت عنه، يعني يجوز أن يأخذ من الحسنات ويضع من السيئات عليه هذا من العدل، لكن أعظم منه تلك الجنان العظيمة، لمن عفى قال عفوت عنه يا رب، يقول الله عزّ وجل: «خذ بيد أخيك وادخل معه إلى الجنة».. {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}[الأعراف: 199].

 

كانت من عادة النبي صلى الله عليه وسلم، إذا أردت الدرجات العلى، إذا أردت تلك الكرامة عند الله، إذا اردت أن يعفوا الله عنك كما عفوت عن الناس {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}[الشورى: 40].

 

اللهم أنك عفو تحب العفو فاعف عنا..