رؤية في مساواة الرجل بالمرأة في الميراث

منذ 2017-08-22

بَنى بعضُ المثقفين الغربيين من وُجود بعضِ صوَر الإرث التي يكونُ للأنثى منها نصفُ نصيب الذكَر تصوُّراً بأنّ القاعدةَ العامة في الميراث في النظام الإسلاميّ أنّ الذكَر والأنثى حينما يكونانِ في درجةٍ واحدة من القرابة للمورِّث فإنّ نصيبَ الأنثى يكونُ دائماً نصفَ نصيب الذكر، بَنَوْا على ذلك أنّ هذا الوضعَ يمثِّل انتهاكًا للمساواة بين الرجل والمرأة.

دعاوى ومزاعم بعض أعداء الدين وخصوم تشريعاته حول بخس الإسلام المرأة في الميراث، وأنها ترث نصف الرجل دون نظر في حالات كثيرة يثبت العكس فيها تماماً، ففي إرث المرأة مقارنة بالرجل  الحقيقة تقول: (30) حالة متساوون فيها الرجل بالمرأة!!!! و (١٠) حالات المرأة ترث أكثر من الرجل!!! و (٤) حالات الرجل أكثر من المرأة!!!!!! فتأملوا رعاكم الله إنصاف تشريعات الإسلام  والحمد لله، وللشيخ صالح الحصين وقفات ورؤية في تفنيد هذه الشبهة، وكان مما قال -رحمه الله-:

بَنى بعضُ المثقفين الغربيين من وُجود بعضِ صوَر الإرث التي يكونُ للأنثى منها نصفُ نصيب الذكَر تصوُّراً بأنّ القاعدةَ العامة في الميراث في النظام الإسلاميّ أنّ الذكَر والأنثى حينما يكونانِ في درجةٍ واحدة من القرابة للمورِّث فإنّ نصيبَ الأنثى يكونُ دائماً نصفَ نصيب الذكر، بَنَوْا على ذلك أنّ هذا الوضعَ يمثِّل انتهاكًا للمساواة بين الرجل والمرأة، واستَنتَجوا من هذا التصوُّر أنّ الدافعَ إليه تميِيزُ الإسلام ضدّ المرآة ونظرتُه الدُّونية لها، وصادَق كثيرٌ من المثقَّفين المسلمين على هذا التصوُّر، وشَغَلوا أنفُسَهم بعِراكٍ فكريّ [هل من الممكن أن نتحرر من هذا الرق الثقافي؟].

هذه الشبهةُ مبنيّة على وهْمِ أنّ المرأةَ حينما تكونُ مع الرجل في مستوًى واحدٍ من القرابة من المورّث من ناحيةِ درجة القرابة وقوّتها (إخوة أشقاء أو لأب أو لأم) يكونُ دائماً للمرأة نصفُ نصيبِ الرجل في الميراث.

والحقُّ أنّ هذا ليس صحيحا؛ فالقرآنُ تضمَّن سبعَ حالاتٍ تكونُ فيها المرأةُ مع الرجل في مستوى واحدٍ من القرابة, من هذه الحالاتِ ثلاثٌ يكونُ للمرأة نصفُ الرجل:

1- الأولادُ حينما يكونون في مستوًى واحد من القرابة {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} .

2 – الإخوَةُ الأشقّاء أو لأب حينما يكونون في مستوًى واحد من قوّة القرابة {وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} .
3 – الأبُ والأمُّ حينما ينفردان بالميراث فيكونُ للأمِّ الثلث, وللأب الباقي (الثلثان) {فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} .

وثلاثُ حالاتٍ يكون فيها للمرآة مثلُ نصيبِ الرجل:

أ – حالات الأب والأم مع وُجود الأولاد. {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ} .

ب – الأخ والأخت للأم {وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ} .

ج - مجموعةُ الإخوة والأخوات للأم يُقسم بينهم الثلث بالسوية {فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ} .

والحالةُ السابعة عندما يكون مع الأب والأم زوج, فهذه الحالةُ يختلف فيها الفقهاء, فمنهم من يَرى أنّ للمرأة (الأم) نصفَ نصيب الرجل (الأب), ومنهم من يَرى أنّ للرجل (الأب) نصفَ نصيب المرأة (الأم).

أمّا عندما يختلِف مستوَى القرابة من المورِّث - سواءٌ من ناحيةِ درجة القرابة أو من ناحيةِ قوَّتها - فإنه توجَد حالاتٌ كثيرة تستأثِرُ فيها المرأةُ بالميراث دون الرجل، أو يكون نصيبُها أكبر.

إنّ انخرامَ الاطراد - بالنسبة لتنصيف نصيب المرأة في الميراث ولو في حالةٍ واحدة - يدُلُّ على أنّ الأنوثة بمجرَّدها ليست هي العاملَ في الحكم بأنّ للمرأة نصفَ نصيب الرجل في بعض الحالات، فكيف إذا انـخرم الاطرادُ في ثــلاث حــــالاتٍ من سبـــع، وإنما هناك عواملُ أخرى هي العواملُ التي تؤثر في اختلاف أنصبة الوارثين حتى لو كانوا كلُّهم ذكوراً أو كلُّهم إناثا, أي أنّ إعطاء المرأة نصفَ نصيب الرجل في الميراث في بعض الحالاتِ لا يَعني التمييزَ ضدَّ المرأة, أو الإخلالَ بمبدأ المساواة في الحقوق بينها وبين الرجل [مقال انتقادات موجهة للإسلام].

وقد يكون من المناسب أن نقتبس في هذا السياق نصاً من غوستاف لوبون في كتابه حضارة العرب في ص 389 حيث يقول: (مبادئ المواريث التي نص عليها القرآن بالغة العدل والإنصاف.. ويظهر من مقابلتي بينها وبين الحقوق (القوانين) الفرنسية والإنكليزية أن الشريعة الإسلامية منحت الزوجات التي يزعم أن المسلمين لا يعاشرونهن بالمعروف حقوقاً لا نجد مثلها في قوانيننا .

ويقول في ص 390 في الهامش: (لا يرث الأزواج والزوجات في فرنسا إلا عند عدم وجود من لهم الحق في الميراث وفي انكلترا على العكس يأخذ الزوج جميع التركه، أما الزوجة  فتأخذ فقط النصف إذا لم يوجد أولاد، وتأخذ الحكومة الباقي، أما إذا وجد أولاد فتأخذ الزوجة الثلث ويأخذ الأولاد أو أولادهم الباقي) [مقال انتقادات موجهة للإسلام].

والنظام الشائع خارجَ العالم الإسلاميّ يُعطي المورِّثَ الحقَّ في توزيع ترِكتِه بين من يَخلُفه من أولادِه وغيرهم وَفْق رأيه ورغبته، وفي الغالب - والأحكامُ تبنى على الغالب لا على النادر - أنّ المورِّث يفضِّل إيثارَ الذكور من أولاده بالميراث، إمّا بقصْد عدم خروج المال عن العائلة, أو بقصد آخَر، وهذا أمرٌ يُظهِره الواقع.

فالنظامُ الإسلاميّ يَحمي المساواةَ بين الذكر والأنثى, بأن يكون لكلٍّ منهما نصيبٌ من الإرث - يقدِّرُه العليم الحكيم - لعواملَ مختلفة, ويحصِّنُها من أهواءِ أو رغَبات المورِّثين, ويستجيبُ بذلك لمقتضَيات المنطق والعدل، فالنظامُ الإسلاميّ كما هو ظاهرٌ يَحمي المساواة بين الذكر والأنثى ولا يَنتهكُها، وإذًا فما بُني على الفرضية الزائفة عن انتهاك النظام الإسلاميّ للمساواة بين الذكر والأنثى هو بالتالي زائفٌ وغيرُ صحيح.

وفي هذا المثال نَرى كيف أنّ الرق الثقافيّ حمَل المثقفَ المسلم على العمى - حتى عن نصوصِ القرآن وعن ظواهر الواقع - أنْ تصوَّرَ أنّ القاعدة العامةَ في الميراث في الإسلام أن يكون للمرأة نصفُ نصيب الرجل عندما يتساويان في درجة القرابة وقوّتها، وأنّ هذا الحكم يَنتهك مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، وأنّ هذا الانتهاكَ نتيجةُ التسليم بنقص قيمة المرأة في المجتمع عن قيمة الرجل, هذا التصوُّر فرعٌ عن التصوُّر العام للثقافة الغربية عن المساواة بين الرجل والمرأة، وهو أنها مساواةُ تماثُلٍ لا مساواةُ تكامل [هل من الممكن أن نتحرر من هذا الرق الثقافي؟].

ويمكن قراءة المزيد عن هذا الموضوع في مقال بعنوان: (عقدة النساء في فهم الآية للذكر مثل حظ الأنثيين.. أيهما يرث أكثر المرأة أم الرجل؟) للدكتور عمر فضل الله.


د.محمد السلومي