عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان - (20) الإحسان إلى الجيران

منذ 2018-05-05

اجتهد يا ابنَ الإسلام، أن تتحلَّى بالسماحة واللين، ولا سيَّما في رمضان؛ قال -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه الحاكم، وصحَّحه الألباني: «مَن كان سهلاً هينًا لينًا، حرَّمه الله على النار»

الوسيلة السابعة: الإحسان إلى الجيران:

 

والجار هو مَن يقرب مسكنه منك، والجوار هو الملاصَقة في المسكن ونحوها.

 

وحدّ الجار: أربعون دارًا مِن كل جانب؛ مِن اليمين والشمال، والأمام والخلف.

 

والوصية بالجار مندوبٌ إليها في القرآن؛ قال تعالى:  {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا}[النساء: 36]، وفي صحيح البخاري قال -صلى الله عليه وسلم-: «ما زال جبريل يُوصيني بالجار حتى ظننتُ أنه سيُورِّثه».

 

والجيران ثلاثة أنواع: جار له حقٌّ واحد؛ وهو الكافِر، وحقه حق الجوار، وجار له حقان؛ وهو الجار المسلِم، له حقُّ الجوار، وحق الإسلام، وجار له ثلاثةُ حقوق؛ وهو جار مسلم ذو قرابة، فله حق الجوار، وحق الإسلام، وحق القَرَابة.

 

ومن الأدب مع الجار:

 

1- أن تصِل الجار، وتُحسن إليه، ويكون ذلك بأمور، منها: إنِ افتقر أغنيتَه، إن استقرضَك أقرضته، إنْ أصابه خير هنأته، إنْ أصابه شرٌّ عزَّيتَه، إنْ مرِض عُدتَه، إنْ مات شيعت جنازته، وهذه كلها حقوق المسلِم على المسلم، ولكن الجار أحقُّ بها؛ لقُربه ومعرفة حاله في الأعمِّ الأغلب.

 

2- عدم إيذاء الجار؛ ففي صحيح البخاري: «لا واللهِ لا يؤمِن، لا والله لا يؤمن، لا والله لا يؤمن»، قالوا: ومَن ذاك يا رسولَ الله؟ قال: «جارٌ لا يَأمن جارُه بوائقَه»، قالوا: وما بوائقه؟ قال: «شرّه».

 

فيا له مِن أمان! ذلك الأمان أن يعيش الجيران في أمان؛ يأمَن بعضهم بعضًا، وهذا هو الإسلام.

 

3- أن تتحمَّل أذاه إنْ آذاك وتصبر؛ فإنَّ حق الجوار ليس كفَّ الأذى فقط، بل احتمال الأذى، ولا يَكفي احتمال الأذى، بل لا بدَّ مِن الرفق، وإسداء الخير والمعروف.

 

4- أنْ تعطيَه إن كان محتاجًا بغير مسألة منه ولا استشراف.

 

5- أن تُواسيه بما عندك؛ ففي صحيح مسلم أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لأبي ذر - رضي الله عنه -: «يا أبا ذرّ، إذا طبختَ مرقةً فأكْثِرْ ماءَها، وتعاهَدْ جيرانك».

 

6- إكرام الجار الأقرب فالأقرب؛ ففي صحيح البخاري: أنَّ أمَّ المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - سألت النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فقالت: إنَّ لي جارين، فإلى أيهما أُهْدي؟ قال: «أقربهما منك بابًا».

 

7- ألاَّ يحقِر الجار لجارِه ولو شيئًا يسيرًا؛ ففي صحيح البخاري قال -صلى الله عليه وسلم-: «يا نساء المسلمات، لا تَحْقرَنَّ جارة لجارتها ولو فِرْسِنَ شاة»، والفرسن: هو رِجل الشاة.

 

8- صيانة عِرْضه وماله.

 

9- نُصحه وتوجيهه؛ فحقُّ المسلم على المسلم ستّ: «إذا لقِيَه يسلِّم عليه، وإذا دعاه يُجيبه، وإذا استنصحه يَنصح له، وإذا عطس فحَمِد الله يُشمِّته، وإذا مرِض يَعوده، وإذا مات اتَّبعه»، كما في صحيح مسلم.

 

والمسلم غالبًا مطَّلع على أحوال جيرانه أكثر مِن غيره، فهو يعلم حاجته إلى ما ينصح فيه، فعَلَى المسلم أن يتعهَّد جيرانه بالنُّصح في السرّ، وبطريقة لطيفة تحبِّب تلك النصيحةَ إلى القلوب.

 

10- لا يجوز خِصامه أو هجره فوقَ ثلاث، كما في صحيح البخاري، وإذا كان هذا في حقِّ المسلم عمومًا، فهو في حقِّ الجار أوجب.

 

11- أن تحبَّ لجارك ما تحبه لنفسك؛ لما في صحيح مسلم: «لا يُؤمِن أحدُكم حتى يحبَّ لأخيه - أو قال: لجارِه - ما يحبه لنفسه»، وهذه أهمها وأطيبها أن يدومَ بينكما الحبُّ والسلام والوئام، وتظهر المودَّة في الهدية والمعامَلة الطيِّبة، والكلمة الجميلة، والاحترام المتبادل.

 

الوسيلة الثامنة: السماحة واللين:

 

اجتهد يا ابنَ الإسلام، أن تتحلَّى بالسماحة واللين، ولا سيَّما في رمضان؛ قال -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه الحاكم، وصحَّحه الألباني: «مَن كان سهلاً هينًا لينًا، حرَّمه الله على النار»، والأحاديث فيهما كثيرةٌ أيضًا، ومع السماحة واللين لا بدَّ مِن الرفق؛ فقدْ روى مسلم وغيره أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: «يا عائشة، إنَّ الله رفيقٌ يحبُّ الرفق، ويُعطي على الرِّفق ما لا يُعطي على العنف، وما لا يُعطي على سِواه»، وروى مسلم وأبو داود وأحمد: «إنَّ الرِّفق لا يكون في شيء إلا زانَه، ولا يُنزَع من شيء إلا شانه».

 

السماحة في البيع والشراء والتقاضي، وإنْ كانت داخلةً في عموم السماحة إلاَّ أنَّ لها مزيةً خاصَّة، وفضلاً عظيمًا؛ فقد قال -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه الترمذي وصحَّحه الألباني: «إنَّ الله يحب سَمْحَ البيع، سمْح الشراء، سمْح القضاء))، وعند أحمد وحسَّنه الألباني: ((دخَل رجلٌ الجنة بمسامحته قاضيًا ومتقاضيًا».

 

وروى البخاري أنَّه -صلى الله عليه وسلم- قال: «رحِم الله رجلاً سمحًا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتَضَى»، وقال: «أدْخَل الله رجلاً كان سهلاً مشتريًا وبائعًا وقاضيًا ومقتضيًا الجنةَ»؛ رواه النسائي وابن ماجه، وصحَّحه الألباني في "السلسلة الصحيحة"، وحسَّنه في "صحيح الترغيب والترهيب".

 

الكاتب: محمود العشري

محمود العشري

كاتب له عدد من الكتابات في المواقع الإسلامية

المقال السابق
(19) صلة الرحم
المقال التالي
(21) الوضوء الشرعي وإسباغه