عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان - (21) الوضوء الشرعي وإسباغه
اعلم يا بنَ الإسلام أنَّك إذا توضأتَ فإنَّك تستعد وتتهيَّأ للدُّخول على الله -تعالى- فعليك أن تتوبَ إليه؛ لأنَّه جعل الغسل بالماء مقدمةً للغسل مِن الذنوب، فإذا تمضمضت فطهر لسانك مِن الغِيبة والنميمة؛ فإنَّما خُلق اللسان لذِكْر الله -تعالى- وتلاوة القُرآن والتسبيح والتهليل والتحميد، وإذا استنشقتَ فطهِّر أنفك أن تشمَّ محرَّمًا
الوسيلة التاسعة: الوضوء الشرعي وإسباغه:
الوضوء مِفتاح الصلاة، بل لا يَقبل الله تعالى صلاةَ مَن أحدث حتى يتوضَّأ، والوضوء طهور، وهو عبادةٌ بها يغفر الله ذنوبَ المسلِم، فالطهور شطرُ الإيمان.
واعلم يا بنَ الإسلام أنَّك إذا توضأتَ فإنَّك تستعد وتتهيَّأ للدُّخول على الله -تعالى- فعليك أن تتوبَ إليه؛ لأنَّه جعل الغسل بالماء مقدمةً للغسل مِن الذنوب، فإذا تمضمضت فطهر لسانك مِن الغِيبة والنميمة؛ فإنَّما خُلق اللسان لذِكْر الله -تعالى- وتلاوة القُرآن والتسبيح والتهليل والتحميد، وإذا استنشقتَ فطهِّر أنفك أن تشمَّ محرَّمًا، وإذا طهرت وجهك فطهِّر نظرَك مِن ثلاث: من أن تنظر إلى محرَّم، أو إلى مسلِم بعين الاحتقار، أو إلى عيْب أحد، فكلُّك عيوب، وقد خُلِقت العينان لتهتدي بهما إلى الحقِّ وإلى الطريق المستقيم، ولتستعين بهما في الحاجات، وإذا غسلت يديك وطهرتهما بالماء فطهرهما مِن أن تؤذي مسلمًا، أو تتناول بهما محرَّمًا، أو تكتب بهما ما يُؤذي مسلمًا؛ فالمسلم من سَلِم المسلمون من لسانه ويده، وإذا مسحتَ رأسك فاعلم أنَّ مسحَه امتثالٌ لأمر الله وخضوع لجلاله، وتذلُّل بين يديه، وإظهار الافتقار إليه، وإذا غسلتَ رِجليك وطهرتهما فطهرهما مِن المشي إلى ما حرَّم الله، فما مِن عبد يخطو خطوةً إلا سُئل عنها: ماذا أراد بها؟
قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه أحمد وصحَّحه الألباني: «أيما رجلٍ قام إلى وَضوئه يُريد الصلاة، ثم غسَل كفَّيه نزلتْ خطيئته مِن كفيه مع أوَّل قطرة، فإذا مضمض واستنشق واستنثر نزلتْ خطيئته مِن لسانه وشفتَيه مع أوَّل قطرة، فإذا غسل وجهَه نزلتْ خطيئته مِن سمعه وبصره مع أوَّل قَطْرة، فإذا غسل يديه إلى المرفقين ورِجليه إلى الكعْبَين سلِم مِن كل ذنب هو له، ومِن كل خطيئة كهيئته يوم ولدتْه أمُّه، فإذا قام إلى الصلاة رفَع الله بها درجتَه، وإنْ قعَد قَعد سالِمًا».
وفي صحيح مسلِم عن عثمانَ أنَّه توضأ، ثم قال: رأيتُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- توضَّأ مِثل وضوئي هذا، ثم قال: «مَن توضَّأ هكذا، غُفِر له ما تَقدَّم مِن ذنبه، وكانتْ صلاتُه ومشيه إلى المسجد نافلةً».
ومِن المُشاهَد مِن أحوال الناس أنَّ منهم من لا يُتقن الوضوء ولا يحسنه، وأنَّه ربما خرَج من وضوئه مأزورًا لا مأجورًا! إما بترْك واجب، أو بفِعل محرَّم منهيٍّ عنه في الوضوء، فوجَب تعلُّم أحكام الوضوء؛ لأهميةِ ثوابه وفضْله، ولتصحَّ به الصلاة، خاصَّة والعبدُ يُكرِّر هذا الوضوء في اليوم والليلة عدةَ مرَّات؛ ففي الصحيحين من حديث ابنِ عمر - رضي الله عنهما - قال -صلى الله عليه وسلم-: «ويلٌ للأعقابِ مِن النار» مرَّتين أو ثلاثة، وهذا تحذيرٌ مِن عدم غسْل العقبين مع الرِّجلين في الوضوء.
ومِن الأدب في الوضوء:
1- التسمية؛ فقلْ عند غسل يديك: بسم الله.
2- استعمال السواك؛ لأنَّ السواك - كما في الحديث الصحيح في المسند – «مَطْهرةٌ للفم، مرضاةٌ للربّ»، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «لولا أن أشُقَّ على أمَّتي، لأمرتُهم بالسواك معَ كلِّ وضوء»، وهو صحيح، وفي المسند.
3- الاقتصاد في الماء، وتجنُّب لطم الوجه بالماء.
4- ترْك الكلام والضحِك أثناء الوضوء؛ والكلام أثناء الوضوء غيرُ مستحبٍّ إلا لحاجة تفوتك؛ كأمْر بمعروف، ونهي عن منكر، وإرْشاد ضال، وردّ سلام.
5- الحِرْص على إسباغ الوضوء، خاصَّة في أوقات البَرْد.
6- الدُّعاء بعده، وذِكر ما ورد عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه النَّسائي والترمذي وابن ماجه وصحَّحه الألباني: «مَن توضَّأ فأحسن الوضوء، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وحْدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسوله، اللهم اجعلني من التوَّابين واجعلني مِن المتطهِّرين؛ فُتحِت له ثمانية أبواب الجنة يدخُل مِن أيها شاء».
7- صَلاة ركعَتين بعدَه بخشوع وكثرة ذِكْر لله، ولا يُحدِّث فيهما نفسه؛ ففي الصحيحين عن عثمانَ أنَّه توضَّأ، ثم قال: رأيتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- توضَّأ نحو وضوئي هذا، ثم قال: «مَن توضَّأ نحو وضوئي هذا، ثم صلَّى رَكعتَين لا يحدِّث فيهما نفْسه، غُفِر له ما تقدَّم مِن ذنْبه».
وروى مسلِم في حديثٍ طويل عن عمرو بن عَبَسةَ في ثواب الوضوء وفضْله بزيادة في آخِره: «فإنْ هو قام فصلَّى فحمِد الله وأثْنى عليه ومجَّده بالذي هو له أهل، وفرَّغ قلبه لله، إلا انصرَف من خطيئته كهيئته يوم ولدتْه أمُّه»، وعند أحمد وحسَّنه الألباني: «مَن توضَّأ فأحسن وضوءَه، ثم قام فصلَّى ركعتين أو أربعًا - شكَّ سهل - يُحسن فيهما الذِّكر والخشوع، ثم استغفَر الله - عزَّ وجلَّ - غُفر له»، وعند أحمد وأبي داود، وقال الألباني: حسنٌ صحيح، قال -صلى الله عليه وسلم-: مَ «ن توضَّأ فأحسن وضوءَه، ثم صلَّى ركعَتَين لا يسهو فيهما، غُفِر له ما تقدَّم مِن ذنبه»، وعند أبي داود والنَّسائي وأحمد وصححه الألباني: «ما مِن أحد يتوضَّأ فيُحسن الوضوء ويُصلِّي ركعتين يُقبِل بقلبه ووجهه عليهما، إلا وجَبَتْ له الجنة».
تنبيه في غاية الأهمية:
كثيرٌ مِن الناس لا يُحسنون صلاتهم، بل قد يصلُّون صلاةً لا خشوع فيها ولا طمأنينة، بل قد لا يُتمُّون ركوعَها وسجودها، فتكون صلاتُهم بذلك باطلة، وهم يظنُّون أنفسهم من المصلِّين، فينبغي تعلُّم أحكام الدِّين، ومعرفة واجباتِ الصلاة وأركانها وشروطها وإتمامها، ومعرفة مبطلاتِ الصلاة والمحرَّم فيها واجتنابها؛ حتى يُعدَّ المرءُ مصليًا حقًّا، وينال ثواب وأجْر المصلِّين، وما أعظمَه!
قال -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه أبو داود والنَّسائي والترمذي وابن ماجه وأحمد وصحَّحه الألباني: «لا تُجزِئ صلاة الرجل حتى يُقيمَ ظهرَه في الركوع والسجود»، وعند أحمد وصحَّحه الألباني: «لا يَنظُر الله إلى صلاة رَجلٍ لا يُقيم صُلبَه بين ركوعه وسجوده»، وعند أحمد أيضًا وصحَّحه الألباني كذلك، قال -صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ أسوءَ الناس سرقةً الذي يسرِق صلاته»، قالوا: يا رسولَ الله، وكيف يسرقها؟ قال: «لا يُتمُّ رُكوعها ولا سُجودها»، وقد رَوى الطبراني وحسَّنه الألباني أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلاً لا يُتمُّ ركوعه، وينقر في سجوده وهو يصلِّي، فقال: «لو مات هذا على حاله هذه، مات على غير مِلَّة محمَّد -صلى الله عليه وسلم»، ولما سُئل عن تسويةِ التراب في السجود، قال -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين: « لا تَمْسَحْ وأنت تصلِّي، فإن كنتَ لا بدَّ فاعلاً فواحدة تسوية الحَصَى».
فكيف بالعابثين في صلواتهم بغير حاجة؛ كالذين يقِفون أمامَ الله وأحدهم ينظر في ساعته، أو يُعدِّل ثوبه، أو يضَع أصابعه في أنْفه، أو يرمي ببصره يمينًا وشمالاً وإلى السماء، ولا يَخشى أن يُخطف بصرُه، والله - عزَّ وجلَّ - يقول: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 1 - 2]؟!
8- المحافظة على الوضوءِ بعدَ كلِّ حدَث؛ لما في صحيح سنن ابن ماجه: «ولا يُحافِظ على الوضوء إلا مؤمِن».
9- الحِرْص على الوضوء قبلَ النوم، فحافظ - يا بن الإسلام - على أذْكار النوم وآدابه، والذِّكر والدعاء عندَ الاستيقاظ، فقد رَوَى البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: قال لي رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا أتيتَ مضجعَك فتوضَّأ وضوءَك للصلاة، ثم اضطجع على شِقِّك الأيمن، ثم قُل: اللهمَّ أسلمت وجهي إليك، وفوَّضتُ أمري إليك، وألجأتُ ظهري إليك؛ رغبةً ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجَى منك إلا إليك، اللهم آمنتَ بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلتَ.. فإن متَّ مِن ليلتك فأنت على الفِطرة، واجعلهنَّ آخِر ما تتكلَّم به»، قال: فرددتها على النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما بلغتُ: اللهمَّ آمنت بكتابك الذي أنزلت، وقلت: ورسولِك، قال: «لا، ونبيِّك الذي أرسلت»، وفي الصحيحين عن أبي هريرة أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «يَعقِد الشيطان على قافية رأس أحدِكم ثلاثَ عُقد إذا نام، بكلِّ عقدة يضرِب: عليك ليلاً طويلاً، فإذا استيقظ فذكَر الله انحلَّتْ عقدة، وإذا توضَّأ انحلت عقدتان، فإذا صلَّى انحلت العقد، فأصبح نشيطًا طيِّب النفس، وإلا أصبح خبيثَ النفْس كسلان».
10- أن يكونَ الوضوء في مكانٍ طاهر؛ لأنَّ المتوضئ يبدأ باسمِ الله تعالى ثم يدْعو بعدَ الوضوء مباشرةً، فلا ينبغي أن يكونَ المكان غير طاهر.
11- استحباب الوضوء لذِكْر الله تعالى.
محمود العشري
كاتب له عدد من الكتابات في المواقع الإسلامية
- التصنيف:
- المصدر: