توحيد الألوهية - (11) شهادة أن محمدًا رسول الله

منذ 2017-12-24

نعم، إنه شرْط الإسلام وحدُّ الإيمان، والعودة إليه - أي: إلى حكم رسول الله وطاعته - ليستْ نافلة ولا تطوُّعًا، ولكنه الإيمان أو عدم الإيمان!

لَمَّا كانت كلمة التوحيد عَلَمًا على الشهادتين معًا؛ أي: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله؛ إذ لا تنفكُّ إحداهما عن الأخرى، كان لزامًا على المتكلم عن الشهادة الأولى أن يتحدَّث عن الثانية.

 

وإن كان الكلام عن الشهادة الثانية يتَّصل بمسألة الإيمان بالرسل في البحث السابع - إن شاء الله - لكن ليس ثَمَّةَ ما يمنع من كلمة موجزة، أُبيِّن بها أنَّ الشهادة الثانية - كالأولى - ليست مجرَّد كلمة تُقال باللسان فحسب! ولن تزول قدما عبدٍ من العباد بين يدي الله تعالى حتى يُسأل عن هاتين المسألتين: ماذا كنتم تعملون؟! ماذا أجبتُم المرسلين؟!

 

وجواب الأولى بتحقيق الشهادة الأولى - لا إله إلا الله - معرفةً، وإقرارًا، وعملاً، وجواب الثانية بتحقيق الشهادة الثانية - محمد رسول الله - معرفةً، وإقرارًا، وعملاً.

 

وهذا هو أوَّل رُكنٍ من أركان الإسلام، وهو الركن الأساسي الأعظم، والصراط المستقيم الأقوم، مَن سلكه أوصَله إلى جنات النعيم، ومَن انحرَف عنه، هوى إلى قعْر الجحيم، ومَن لَم يَثبُت عليه في الدنيا، لَم يَثبُت على جسْر جهنَّم يوم القيامة، وهذا الركن الأعظم لا يدخل العبدُ في الإسلام إلاَّ به، ويخرج من الإسلام بجحوده وإنكاره والاستكبار عليه، فبشقِّه الأول يُعرَف المعبود - عزَّ وجلَّ - وبشقِّه الثاني يُعرَف كيف يُعبد - عزَّ وجلَّ - ودينُ الإسلام - كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - مبنيٌّ على هذين الأصلين، والله الموفق إلى سواء السبيل.

 

وهذا الأصل الثاني - وهو شهادة أن محمدًا رسول الله - أصلٌ عظيم، وشهادة جليلة كريمة، فهي ليستْ مجرَّد كلمات نُردِّدها، ونتغنَّى بها، ونَنسج حولها القصائد والمدائح والأشعار، ونَعقِد لها الندوات والمحاضرات، ونُقيم لها الحفلات في المناسبات والأعياد، ثم لا تتحوَّل مقتضيات هذه الشهادة العظيمة في حياتنا إلى منهج حياة، وإلى واقعٍ وسلوك.

 

ووالله ما ذلَّت الأمة وضَعُفت إلى هذا الحد، إلا يوم أن غاب هذا المفهوم وهذا الأصل عن واقعها وحياتها، وصار حبيسَ الأوراق والصُّحف، بل وتَبجَّح البعض وتجرَّأ، وتطاوَل على سُنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقالوا: لا نأخذ بها، لماذا يا عباقرة العصر؟! قالوا: فيها الموضوع والضعيف، وهذا والله ضرْبٌ دقيق وخبيث من الزندقة؛ لأنه إذا سقَط الحديث وضاعت السُّنة، ضاع القرآن وضاع الدين كلُّه!

 

وصِنفٌ آخر من الناس ابتُلي بالحماقة وضيق الأُفق وقلَّة الإيمان، فقالوا: هذا الحديث لا يُعقل ولا يَقبله العقل، وغير المعقول لا نقبله، ونَسُوا أن الفساد في عقولهم! وهذه الدندنة قديمة حديثة.

 

فضياع السُّنة - يا أبناء الإسلام، ويا أهل التوحيد - ضياعٌ للدين، وهذه حقيقة لها وزنها، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- ليس مجرَّد واعظٍ يُلقي كلمة ويمضي، بل ما أرسَله الله تعالى إلا ليُحقِّق منهج الله في الأرض، وإلا ليُحوِّل دين الله إلى واقعٍ في حياة الناس، ولن يتمَّ الإيمان إلا بذلك؛ {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65].

 

نعم، إنه شرْط الإسلام وحدُّ الإيمان، والعودة إليه - أي: إلى حكم رسول الله وطاعته - ليستْ نافلة ولا تطوُّعًا، ولكنه الإيمان أو عدم الإيمان!

 

وفى وسط هذا الشَّتات وهذا الضياع - الذي تترنَّح فيه الأمة - تَصرخ وتتعالَى بعض الصيحات المخلصة الصادقة بالعودة إلى هدْي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإلى الوقوف أمام مُقتضيات هذه الشهادة العظيمة الجليلة: أشهد أن محمدًا رسول الله، فما أحوجَ الأمة واللهِ إلى أن تَعرف وتعيَ هذه المقتضيات وتلك التكاليف؛ لتكون محبَّتها لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- محبَّة صادقة تُرضي الله ورسوله! فعارٌ على الأمة التي تَمَثَّلَ دستورها في القرآن، وتتمثَّل قيادتها في شخصِ أعظم رسولٍ عرَفته الدنيا - أن يكون هذا حالها، ولن تتغيَّر حتى تعلم يقينًا أن هذه الشهادة الكريمة تقتضي ما يلي:

أولاً: الإيمان برسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.

ثانيًا: تصديق النبي -صلى الله عليه وسلم- في كل ما أخبَر.

ثالثًا: طاعته -صلى الله عليه وسلم- في كلِّ ما أمَر.

رابعًا: الانتهاء عن كلِّ ما نهى عنه -صلى الله عليه وسلم- وزجَر.

خامسًا: محبَّته -صلى الله عليه وسلم- دون غُلوٍّ أو إطراءٍ.

 

وهذا هو الموجز، وتفصيله - إن شاء الله تعالى - في البحث السابع - الإيمان بالرسل - عند الكلام عن الإيمان برسول الله محمدٍ - صلى الله عليه وعلى إخوانه من الأنبياء والمرسلين وسلَّم تسليمًا كثيرًا

محمود العشري

كاتب له عدد من الكتابات في المواقع الإسلامية

المقال السابق
(10) نواقض لا إله إلا الله
المقال التالي
(12) احتياط الشرع لتوحيد الألوهية