بركة القرآن
من بركات القرآن ونعمه أن الله سبحانه جعله مُخرِجاً من الظلمات إلى النور لمن اتبع رضوانه كما جعل متَّبعيه ثابتون على سبل السلام ومهتدون على الصراط المستقم قال تعالى {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسانٍ إلى يوم الدين :
أما بعد:
فاعلم أن كتاب الله المنزَّل هو المنهج الأقوم وخير ما يُغيَّر به واقع المسلمين نحو الأفضل وقد قال تعالى {إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} [الإسراء: 9] .
فعلينا أولا: أن ندرس توجيهاته المباركة القيِّمة لنستمدَّ من بركاته في حياتا اليوميَّة وقد قال تعالى {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [الأنعام: 92] .
وهذه الآية – كما ترى - دليل على أن كتاب الله المنزَّل مبارك لكونه مصدِّق للكتت السابقة بل ومهيمن عليهم.
بمعنى ذلك إنه حق ولا يستوي الحق بالباطل، إذ الحق مآله إلى الحقيقة وموافقة الواقع كما هو وعد صادق وخير وبركة والباطل مآله إلى السراب وخلاف الواقع كما هو وعد كاذب وغرور وهلاك.
فعلى سبيل المثال ادَّعى فرعون أنه سيهدي قومه إلى سبيل الرشاد وهو مغرور بجيوشه وأمواله وقواته الظاهرة لكن الله أخذه هو وجنوده فنبذه في اليم وهو قد كان في حالة يظن أنه منتصر وأنه سيهدي إلى سبيل الرخاء والرشاد ثم قال الله بعدها {وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى} [طه: 79].
إذاً علمت قول الله حقٌ ووعوده صادقة موافقة للواقع حيث جعل موسى وأخاه هارون وأتباعهم هم الغالبون المنتصرون بينما فرعون وقومه صاروا مهزومين كما أصبحت أقوال فرعون وفخره وجنوده في ضلال وسراب وباطل وخلاف الواقع وكذب.
لذلك جاء كتاب الله بالبشارة والنذارة بالبشارة لمن آمن وعد الله الصادق فيه، والنذارة وقطع الأعذار أو الحجة على الله لمن بلغه القرآن كما تعالى {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19 ].
ومن الحقائق الذي جاء به القرآن الإيمان باليوم الآخر وهو الذي بسببه يحافظ به المؤمنون صلاتهم ويحافظون به أيضا سائر العبادات وأيضا يراعون به الحقوق والأمانات والعهود والعقود كما قال تعالى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ}[البقرة: 228].
فقد وكَّل الله تعالى – كما ترى في هذه الآية – حفظ حقوق الأزواج للنساء لكونهن يؤمن بالله واليوم الآخر.
وهذه إذاً ميزة تميًّز به شرعنا المطهَّر بأن يحافظ المرء الحقوق الكثيرة المتنوِّعة لمجرد خوفه من مراقبة ربِّه سبحانه وخوفه من الحساب العسير للظالمين في اليوم الآخرة، بينما المخالفون لشرع الله بأمس الحاجة إلى المراقبة بالشرط والتحريات ومعامل جنائية وإقامة محاكم متنوعة وغير ذلك وإذا وجدوا فرصة ما نهبوا الأموال وأهلكوا الحرث والنسل واليابس والأخضر كما هو معلوم.
وبذلك تعلم – بحمد الله ومنته - نعم الله العظيمة والبركات الكبيرة التي رزقنا الله بها في كتابه المنزَّل الذي شرَّفنا الله به.
ولذلك وجب ان نعظِّم كتاب الله حق تعظيمه ونصدِّقه حق تصديقه ونتَّبعه حق اتَّباعه لنكون أحظى بهذه البركة ولكن - على الأسف - حصر كثير من المنتسبين إلى الإسلام في هذا العصر بركة القرآن بقراءته على المرضى والموتى وفي مناسبات المآتم والافتتاح به في المحافل ونحو ذلك فحسب، ولم يعلموا أن البركة كل البركة والتقدم كل التقدم للمسلمين إنما هو في أخذ كامل هذا القرآن المبارك وأن نغيره في حياتنا كلها وليس التكيف مع الركب المتحضر كما يزعمون والله المستعان.
قال تعالى:
{وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأنعام: 155].
وقال تعالى:
{الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [البقرة:121] أي يتبعونه حق اتباعه.
ومن بركات القرآن ونعمه أن الله سبحانه جعله مُخرِجاً من الظلمات إلى النور لمن اتبع رضوانه كما جعل متَّبعيه ثابتون على سبل السلام ومهتدون على الصراط المستقم قال تعالى {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة: 15- 16]
بل القرآن فرقان بين الحق والباطل وضياء ونور وبيان وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين فما يبتغي المسلمون إذاً بعد ذلك من نعم الدنيا والآخرة. وقد قال تعالى {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [ النحل: 89]
وقال تعالى:
{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (48) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49) وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (50) وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ} [الأنبياء:48-51] .
وقد أثنى الله في هذه الآيات المباركات – كما ترى - بموسى وهارون أن آتاهما كتاباً موصوفاً بأنه فرقان وضياء وذكرا وشرفا للمتقين ثم وصف الله الكتاب الكريم المنزَّل على محمد صلى الله عله وسلم بأنه مبارك أي تكاثر خيره بمعنى ذلك أن القرآن الكريم لا يُحد بأنه فرقان ولا أنه ضيئاء ولا أنه ذكر بل هو أكثر من ذلك وأوسع وأجل.
إذاً هذا هو السر اللطيف والنكتة البديعة التي سيقت هذه الآيات المباركات لأجله من ذكر فضائل كتب الأنبياء ليُعلم أن كتاب القرآن هو أفضل الكتب وأكثره بركة.
وهكذا في سورة الأنعام أثنى الله سبحانه ثناءا عظيما مفصَّلاً في كتاب التوراة ثم تجد أن الله سبحانه ما أثنى بكتابنا العظيم كذلك إلا بالبركة فحسب كما قال تعالى {ثُمَّ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأنعام: 155]
هذا فاعلم أن كتاب الله هو المنهج القويم الوحيد الذي يُقوِّم الله به عقائد الناس وعباداتهم ومعاملاتهم وسلوكهم كما هو الذي يُبقي أثراً عظيماً في النفوس ليتغيَّروا ويصحِّحوا مصيرهم في الجياة بل والمعاد أيضاً.
وذلك لمن يتدبَّر فيه ويتذَّكر فيه ويتعظ به ليأخذ درر علومه الموجودة فيه ولينتفع به في الدنيا والآخرة وقد قال تعالى {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]
وقد جاءت هذه الآية المباركة بعد ذكر خلق السموات والأرض بالحق، وأن خلق السموات والأرض بالباطل إنما هو ظن الذين كفروا، إذ إن ذلك يلزم منه أن يكون الصالحون المصلحون كالمفسدين والمتقين كالفجار.فأي بركة في هذا إذاً؟!
وإنما الذي يكفي لمعرفة بركة القرآن وشرفه هو أنه كلام الله وليس بمثابة آراء الناس المخلوقين التي تبدوا كسحابة تلوح في الأفق ثم تنقشع أو كنجم يتلألأ في ناحية من السماء ثم يأفل
بل جاء القرآن بنور أعظم من نور الشمس فبدَّد الله به ظلمات الجهالات وترك الناس على المحجَّة البيضاء ليحيى من حيى عن بينة وليهلك من هلك عن بينة فهو إذاً حجة ثابتة إلى يوم القيامة فنفعنا الله به.
بل المؤمنون حق الإيمان سواء كانوا أفراداً أو جماعات يبارك الله لهم في أعمارهم وأرزاقهم وأولادهم في الدنيا كما لا شك أن ما سوف يلقونه في حياتهم الأخروية هو أنفع لهم وأكثر خير وبركة والدليل على ذلك قوله تعالى {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [سورة الأعراف:96]
وقوله تعالى:
{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ} [المائدة: 65- 66]
وقوله تعالى:
{وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا } [الجن:16]
جعلنا الله من هؤلاء المرحومين بكتاب الله العزيز والمرتفعين به والمهتدين به والمتغيِّرين به والمتأثِّرين به المجاهدين به شياطين الإنس والجن ليكون لنا القرآن الكريم غداً حجةً لنا لا علينا كما نسأله سبحانه أن لا يجعلنا من جملة الذين يشتكي منه الرسول صلى الله عليه وسلم أنهم هجروا القرآن أو نبذوه وراء ظهورهم كأنهم لايعلمون وهي فعلة غير حميدة كفعلة اليهود عاقبتها وخيمة، والعياذ بالله..
والله هو المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
وكتبه: أبو عبد الله عبد الفتاح آدم المقديشي
- التصنيف: