عِظم كلمة الحق (المقال الثالث)

منذ 2018-04-21

الحق صريح مستقيم لا اعوجاج فيه كما ليس فيه تأويل باطل لم يعرفه السلف الصالح أو شبهات أو متشابهات أو تحريف.

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:  

فاعلم أن هناك معالم عامة يتميَّز به الحق عن الباطل كما سيأتي بيان ذلك قريباً إن شاء الله تعالى.    

لذلك أقول متسائلاً: بما يعرف الحق؟!                                 

والجواب: يعرف الحق بالآتي:-                                        

أولا: عدم التناقض وأن يصدق بعضه بعض الآخر كما قال تعالى
{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82].                                                  

ثانيا: يعرف الحق بالنصوص ولا يعرف الحق بالرجال ولا بالكثرة، ولو كان هؤلاء الرجال المشار إليهم آنفاً الصحابة رضي الله عنهم وهم من هم في الفضل والنبل بل هم أفضل خلق الله بعد الرسل       

ولما أخبر ابن عباس رضي الله عنه بالحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال بعض أصحابه له ولكن أبو بكر وعمر يقولون كذا وكذا فقال: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول لكم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون لي قال أبو بكر وعمر. انتهى.

وقد قال تعالى 
{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [ الفرقان: 63] والفتنة هو أن يزيغ قلب الرجل لما يزيغ عن الحق كما قال تعالى {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف: 5]  فقد يزيغ قلبه حتى يقع في الشرك المحذور والعياذ بالله.     

ثالثا: إن لم يكن هناك نصوص فيعرف الحق بفهم السلف الصالح أو ما عملوا به إذ هم  أحق بالفهم والعمل ولذلك قال تعالى
{فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا} وقال تعالى {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115] لذلك ينبغي الاهتمام والاعتناء بآثارهم وفتاويهم وفقههم وإجماعهم واختلافهم وغير ذلك من الأحوال للوقوف على علومهم وأعمالهم أو سيرهم.

رابعا: الحق صريح مستقيم لا اعوجاج فيه كما ليس فيه تأويل باطل لم يعرفه السلف الصالح أو شبهات أو متشابهات أو تحريف قال تعالى
{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 89 ]

خامسا: الحق يُعرف بإعماله في كل النصوص سواء كان ذلك في رجاء أو في خوف أوغيره إذ إن المحق لا يمكن أن يأخذ بعض النصوص ليترك بعض الآخر كما هو ديدن الفرق في كل العصور، وإنما أهل الحق متمسِّكون بكل ما أنزل الله لا يمكن أن يخرجوا عن شرع الله قيد شعرة أو يبعِّضوا دين الله أبعاضاً.                     

ولذلك قال تعالى: 
{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِأَمْثَالَهُمْ * فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا} [محمد:2- 5]                                                           

ففي خلال هذه الآيات تجد فيها تفسير للحق كالتالي:-.              

فقد فسَّر الله الحق الإيمان بالله والعمل الصالح، أما الإيمان فهو الإيمان بكل ما أنزل على محمد وهو محل الشاهد أما العمل به فهو العمل بهذا الإيمان والعلم فعُلم بذلك أن ذلك كله هو الحق من الرب تعالى وجلَّ جلاله

ومن كانوا كذلك أي  تمسَّكوا بالحق وثبتوا عليه فقد وعد الله لهم أن يُكفِّر الله عنهم سيئاتهم بل وسيمحوها عنهم كأن لم تكن وبالإضافة إلى ذلك سيصلح أحوالهم.                                               

ثم بيَّن الله سبحانه السبب لذلك في الآية الثالثة فقال
{ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ}.                                        

ثم صرَّح الله سبحانه ما يصلح الله به حال أهل الحق في الآية الرابعة التي بعدها، والتي تحدثت عن القتال في سبيل الله.          

كما صرَّح الله سبحانه في الآية الخامسة أن في ذلك الهداية وإصلاح الحال والدخول إلى الجنان التي عرَّفها لهم.

 وذلك لأن المؤمننين مولاهم الله سبحانه كما هو ناصرهم ومؤيِّدهم فنعم المولى ونعم النصير،أما الكافرون فلا مولى لهم،ولذلك جرت سنة الله في خلقه أن يُدمِّر الله عليهم كما يضل الله أعمالهم ويجعلها هباء منثورا والدليل على ذلك قوله تعالى {وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ * أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد: 9- 11]               

ولا يخفى ما في هذه السورة التي تحدَّثت كثيراً عن القتال في سبيل الله من التحريض والتشجيع لشجعان المسلمين بأن يمضوا قدماً في قتال أعداء الله ويرفعوا الحق الذي آتاهم الله ليصلح أحوالهم أحوال المدعوِّين في أصقاع  الدنيا كلها، أما الآخرة فسوف يُكفِّر الله عنهم سيئاتهم ويدخلهم الجنة.                                               

وأيضاً في السورة وعد أكيد من الله للمجاهدين في سبيل الله وهم في قيد الحياة بأن يدخلهم الجنة كما في بعض القراءة
{وَالَّذِينَ قَاْتَلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا}.  

  وبقية المعالم سأذكرها إن شاء الله تعالى في المقالات القادمة.              

والله لي التوفيق