عجائب الهندسة الميكانيكية في الحضارة الإسلامية

منذ 2018-04-23

عرف علماء المسلمين علم الحيل النافعة بأنه "الحصول على الفعل الكبير من الجهد اليسير"، ومن هذا المنطلق أبدعوا ابتكارات مختلفة دلت على تطور حضارتهم.

على مر التاريخ سجلت الحضارة الإسلامية أروع صفحات التقدم العلمي في مختلف العلوم والفنون، ذلك التقدم العلمي الذي استفادت منه أوربا ونهلت منه خلال عصر النهضة، ومن أبرز ما قدمته الحضارة الإسلامية للبشرية هو "علم الحيل النافعة" أو ما يسمى في العصر الحاضر بــ"علم الهندسة الميكانيكية"، والذي لا يعرفه المتخصصون في العلوم الهندسية أن الحضارة الإسلامية سجلت أرقى درجات التقدم التكنولوجي في ذلك العلم، لدرجة أن أول إنسان آلي في التاريخ كان صناعة إسلامية!!.

فقد عرف علماء المسلمين علم الحيل النافعة بأنه "الحصول على الفعل الكبير من الجهد اليسير"، ومن هذا المنطلق أبدعوا ابتكارات مختلفة دلت على تطور حضارتهم، و الآن دعونا نستعرض أهم المحطات التاريخية التي قطعها علماء المسلمون في ذلك العلم:

بنو موسى بن شاكر: الإخوة العباقرة: 

وهم ثلاثة إخوة (الحسن ومحمد وأحمد) عاشوا في القرن الثالث الهجري، وبرزوا في عدة مجالات إلى جانب علم الحيل، وقد أشتهروا في مجال علم الحيل بكتابهم الفريد "حيل بني موسى"، ويحتوي هذا السفر العلمي الرائع على مائة ابتكار ميكانيكي مع شروح تفصيلية لكل منها ومن تلك الابتكارات:

  • دورق يحتوي على أنبوبين يُصب في كل أنبوب ماء ملون، فإذا حان الوقت لصب الماء يخرج كل لون من الأنبوب المخالف له!
  • مجسمات على شكل حيوانات يصدر منها أصوات مصطنعة، فعلى سبيل المثال جهاز على شكل ثور يخرج صوتاً يدل على ارتوائه بعدما ينتهي من الشراب!
  • سراج لا ينطفئ إذا وُضع في الريح العاصف!
  • سراج يُخرج الفتيلة لنفسه، ويصبُّ الزيت لنفسه!
  • قنينة يمكن أن تصب كمية معينة من السائل الذي بداخلها في كل مرة تميل فيها!
  • حوض يزود نفسه دائماً عندما يسحب منه الناس الماء أو يشرب منه حيوان!
  • ساعة نحاسية هائلة أقيمت بمرصد "سر من رأى" تحتوي على دمى تصدر في مواعيد محددة بعض الأصوات أو الأنغام، ومن الدمى ما كان على شكل طير يغرد في مواقيت محددة!

وهكذا سجل الإخوة بنو موسى بن شاكر أروع الصفحات في تاريخ الهندسة الميكانيكية.

ابن خلف المرادي..روعة الإبداع الأندلسي: 
وهو مهندس مسلم عاش في القرن الخامس الهجري في الأندلس، وألف كتاب قيم في علم  الحيل أطلق عليه أسم (الأسرار فى نتائج الأفكار) وقد تم اكتشاف هذا الكتاب في مكتبة لورنسيين بفلورنسا عام 1975، ويشرح هذا الكتاب أكثر من ثلاثين نوعا من الأجهزة الميكانيكية، ومن نماذج ابتكارات المرادي التالي:

  • حامل المصحف الموجود بجامع قرطبة، والذي يسمح بتناول نسخة نادرة من القرآن الكريم، وقرائتها دون أن تمسها الأيدي، حيث ينفتح الحامل بطريقة آلية ليخرج منه المصحف!!
  • تقنية  تحريك جُدران مقصورة الخليفة آليًّا عن طريق تجهيز قاعة محركات إلى جانبها!!


الجزري..مبتكر الروبوت:  
وقبل أقل من قرن من إبداع ابن خلف المرادي ظهر عبقري جديد يدعى بديع الزمان أبو العز بن إسماعيل الجزري، وهو مهندس مسلم ظهر بين القرنين السادس والسابع الهجريين، وقد ألف كتابه الشهير "الجامع بين العلم والعمل النافع في صناعة الحيل" وفيه يشرح الكثير من الابتكارات الميكانيكية ومن تلك الابتكارات:

  • ساعة الفيل: وهي ساعة معقدة تخبر بالوقت، وهي مصممة على شكل فيل وقد أعتمدت على تقنيات العمل بالمياة، حيث تعوم طاسة مثقوبة في حاوية مليئة بالمياة في بطن الفيل، ولدى امتلائها تميل الطاسة وتغوص ساحبة معها ثلاثة أحبال  مربوطة بها، لتحدث بعد ذلك سلسلة من الأحداث المثيرة التي تخبر بالوقت، فتخرج من أعلى القبة المركبة على ظهر الفيل كرة  فيدور طائر العنقاء المركب في أعلى جسم الفيل، ثم تخرج الكرة من منقار الصقر المركب أعلى جسم الفيل ليلقفها فم أحد التنانين في الأسفل، ويضع هذا التنين الكرة بفمه داخل جسم الفيل مرة أخرى، ويتحرك الشخص الراكب فوق ظهر الفيل معلنا بذلك مرور نصف ساعة، هذا وقد أظهر الجزري تضافر الحضارات وتكاملها معاً من خلال تلك الساعة، فقد رمز بالفيل لحضارة الهند، ورمز بالتنانين لحضارة الصين، ورمز بطائر العنقاء لحضارة مصر القديمة، بالإضافة إلى السجادة الفارسية.
  • الروبوت: حيث طلب أحد الحكام من الجزري أن يبتكر له آلة تغنيه عن مساعدة الخدم له عند الوضوء للصلاة، فصمم له الجزري آلة على شكل غلام منتصب القامة، وفي إحدى يديه إبريق للماء، وفي اليد الأخرى منشفة، وعلى رأسه طائر،  فإذا حان وقت الصلاة يغرد الطائر، وينطلق الغلام نحو سيده ليصب له الماء ليتوضأ ثم يقدم له المنشفة فور إنهاء وضوئه!!


وهكذا سطرت الحضارة الإسلامية أروع الصفحات وأرقاها في تاريخ علم الهندسة الميكانيكية.

المراجع:

  • ألف اختراع واختراع – سليم الحسني.
  • العلوم والهندسة في الحضارة الإسلامية – تاليف: دونالد ر. هيل- ترجمة د. أحمد فؤاد باشا.
  • مقال بعنوان " العرب ودماهم المتحركة" –  منى سنجقدار شعراني- مجلة العربي.
  • مقال بعنوان "المسلمون وعلوم الهندسة الميكانيكية" – د. راغب السرجاني – موقع طريق الإسلام.

أحمد السعيد

كاتب إسلامي متخصص في التاريخ