ابحثوا وخبروني
ابحثوا -يا أيها القراء- في أحوال المسلمين وانظروا أين نحن اليوم من دين الإسلام؟
(1) روى ابن كثير في تفسيره أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: هل يسرق المؤمن؟ فأجاب بأنه ربما وقع منه ذلك ولكنه يتوب ويندم، فسألوه: هل يزني المؤمن؟ فأجاب بمثل ذلك، فقالوا: هل يكذب المؤمن، قال: لا.
فانظروا إلى المؤمنين هذه الأيام، هل يكذبون؟
(2) وفى الحديث الصحيح أن علامات النفاق ثلاث: منها إخلاف الوعد، والذي يخلف الوعد هو في رأي الإسلام ثلث منافق!
فهل في المسلمين من يخلف وعداً؟ هل فيهم أحد يعدك الساعة الثانية ويجيء الثالثة؟ هل تدعى إلى وليمة ثم يؤخرون تقديم المائدة انتظاراً لغليظ (ثلث منافق) فيعاقبون من حضر على الموعد بذنب من تأخر؟ هل تكون لك دعوى في المحكمة الساعة التاسعة ثم لا يراها الحاكم إلا في الحادية عشرة؟ هل يعدك الخياط بإرسال البدلة الجديدة إلى دارك نصف رمضان لتلبسها بالعيد، ولا تصل إلا ثالث أيام العيد؟
ابحثوا أنتم وخبروني.
(3) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (في الحديث الصحيح): «من غشنا» وفى رواية: «من غش» «فليس منّا».
وهذا الحديث -بلسان أهل العصر- مرسوم اشتراعي بطرد من يغش المسلمين (أو يغش إطلاقاً) من الجنسية الإسلامية، وحرمانه من حقوقها.
فهل في المسلمين أحد يغش؟ هل يخلط البائعُ الحليبَ بالماء ويدّعي أنه حليب صاف؟ هل ينقص المتعهد الإسمنت من البناء ويغش الدولة؟ هل يشتغل العامل عندك ست ساعات ويتكاسل ساعتين ويأخذ أجرة اليوم كاملاً؟ هل ... وهل ... وهل في المسلمين (اليوم!) أثر للغش؟ إن وجدتم هذا الأثر عند أحد من المسلمين فأبلغوه أنه مطرود من الجنسية الإسلامية بلسان الرسول صلى الله عليه وسلم.
(4) وفي الحديث الصحيح أن أعرابياً كان له دين على النبي صلى الله عليه وسلم فجاء يطالبه بشدة وغلظة، فانتهره الصحابة وقالوا: ويحك تدري من تكلم؟ قال: إني أطلب حقي.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هلا مع صاحب الحق كنتم» ؟ هلا مع صاحب الحق كنتم؟ ثم أرسل فاستدان مالاً فوفى الأعرابي دينه، وزاده شيئاً كثيراً. فقال الأعرابي: أوفيت أوفى الله لك. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: لا قدست أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتع.
سمعتم؟ لا قدست أمة لا يأخذ الضعيف حقه فيها، فهل يأخذ الضعيف حقه فينا كاملاً؟ وإذا دخل دائرة من الدوائر، هل يعامل معاملة القوي الغني صاحب النفوذ؟ وإذا طالبك الضعيف المسكين بحق له، هل تسرع إلى أدائه حقه كما تسرع إلى أداء القوى الغنى؟
فكروا في الجواب الصحيح، فإذا كان الجواب «نعم»؛ فأنتم أمة مقدسة، وإن كان الجواب «لا» فـ ... فأنتم أدرى؟
(5) وفي الحديث الصحيح: «لم تظهر الفاحشة» (أي الزنا واللواط ومقدماتهما) «في قوم إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع، ولم ينقصوا الكيل والميزان إلا أخذوا بالسنين والشدة وجور السلطان».
من صفات المجتمع الإسلامي أن الفاحشة لا تظهر فيه ولا يجد الداخل عليه عورات بادية ولا فجوراً معلناً، وأن الأمانة منتشرة فيه فلا يغشك أحد ولا يزن لك وزناً ناقصاً، ولا يضع لك بائع الحلويات صحن الكرتون في الميزان فيبيعك إياه بسعر الحلو (أي الكيلو بخمس ليرات) وتستحي أنت أن تنهاه أو تصرخ في وجهه: إن هذه سرقة!
فهل مجتمعنا الحاضر مجتمع إسلامي خالٍ من هاتين الرذيلتين؟
(6) وفى الحديث الصحيح: «من احتكر طعاماً فهو خاطئ» (أي مذنب؛ من الخِطْء بكسر الخاء لا من الخَطَأ بالفتح).
فهل فينا أحد يحتكر طعاماً؟ هل هنالك جماعة تآمروا على خبز المسلمين فأغلقوا المطاحن لحسابهم ودفعوا لأصحابها المال ليغلوا الخبز؟ هل في المسلمين من يحتكر هذا الاحتكار الشيطاني؟
(7) وفي الحديث الصحيح: «من باع بضاعة فيها عيب ولم ينبه إليه، لم يزل في مقت الله ولم تزل الملائكة تلعنه».
فهل في المسلمين من يرتضي لنفسه أن يكون في مقت الله ولعنة الملائكة من أجل قروش يربحها من حرام؟
ابحثوا -يا أيها القراء- في أحوال المسلمين وانظروا أين نحن اليوم من دين الإسلام؟
علي الطنطاوي
الأديب المشهور المعروف رحمه الله تعالى
- التصنيف:
- المصدر: