أهمية علو الهمّة في حياة المسلم - (1) معنى الهمّة وأهميتها
همتك فاحفظها، فإن الهمّة مقدمة الأشياء، فمن صلحت له همته وصدق فيها صلح له ما وراء ذلك من الأعمال
قول ممشاد الدينوريّ:
(همتك فاحفظها، فإن الهمّة مقدمة الأشياء، فمن صلحت له همته وصدق فيها صلح له ما وراء ذلك من الأعمال).
ويقول ابن القيم رحمه الله:
(لابد للسالك من همة تسيِّره وترقيه، وعلم يبصِّره ويهديه).
وقال الشيخ أحمد بن إبراهيم الدرعيّ:
(كن رجلاً رجله في الثرى وهمه في الثريا، وما افترقت الناس إلا في الهمم، من علت همته علت رتبته، ولا يكون أحدٌ إلا فيما رضيت له همته).
وقد أسلفتُ بأنها عمود أمر الإنسان والأمر المهم في دنياه، ولكن سأفصّل ما أجملت
بما يلي:
جاء في القاموس: (هـ م م): ((ما هُمَّ به من أمر ليُفعل)).
فالهمّة هي الباعث على الفعل، وتوصف بعلو أو سفول، فمن الناس من تكون همته عالية علو السماء، ومنهم من تكون همته قاصرة دنيئة سافلة تهبط به إلى أسوأ الدرجات.
وعرّف بعضهم علو الهمّة فقال:
(هو استصغار ما دون النهاية من معالي الأمور)
قال ابن القيمرحمه الله تعالى، واصفاً الهمّة العالية:
(علو الهمّة ألا تقف (أي النفس) دون الله، ولا تتعوض عنه بشيء سواه، ولاترضى بغيره بدلاً منه، ولا تبيع حظها من الله وقربه والأنس به والفرح والسرور والابتهاج به بشيء من الحظوظ الخسيسة الفانية.
فالهمّة العالية على الهمم كالطائر العالي على الطيور، لا يرضى بمساقطهم، ولا تصل
إليه الآفات التي تصل إليهم، فإن الهمّة كلما علت بعدت عن وصول الآفات إليها، وكلما نزلت قصدتها الآفات من كل مكان)
وقد حذر السلف كثيراً من سقوط الهمّة وقصورها، فقد قال الفاروق عمر رضي الله عنه:
(لاتُصُغِّرَنّ همتك ، فإني لم أرَ أقْعَدَ بالرجل من سقوط همته).
وقال ابن نُباتة رحمه الله تعالى:
حاول جَسيمات الأمور ولا تَقُل ... إن المـحامأد والـعُلــى أرزاقُ
وارغب بنفسك أن تكون مقصراً ... عن غاية فيها الطِّلابُ سِباقُ
وقد قيل:
(المرء حيث يجعل نفسه، إن رفعها ارتفعت، وإن قصر بها اتّضعت)
وقال شاعرُ بني عامر:
إذا لــم يكن للفتـى هـمـة ... تبوئه في العلا مصعدا
ونفس يعودها المكرمات ... والـمرء يـلزم مـا عُـوِّدا
ولم تَعْـدُ هـمـتـه نـفـسـه ... فليس ينال بها السـؤدُدا
وقد ذمّ أعرابيٌّ رجلاً فقال:
(هو عبد البدن، حُرُّ الثياب، عظيم الرُّواق، صغير الأخلاق، الدهر يرفعه وهمته تضعه).
وقال أبو دُلف:
وليس فراغ القلب مجداً ورفعة ... ولكنّ شغلَ القلب للهمِّ رافعُ
وذو المجد محمول على كل آلة ... وكل قصير الهمِّ في الحيّ وادعُ
والهمّة قسمان: وهيبة، وكسبية:
فالوهبيّة هي ما وهبه الله تعالى للعبد من علو الهمّة أو سفولها، ويمكن أن تنمى
وتُرعى أو تهمل وتترك، فإن نماها صاحبها وعلا بها صارت كسبية، أي أن
صاحب الهمّة كسب درجات عالية لهمته، وزاد من أصل مقدارها الذي
وهبه الله تعالى إياه، وإن تركها وأهملها ولم يلتفت إليها خَبَتْ وتضاءلت.
والهمّة في هذا تشترك مع باقي الصفات العقلية والخلقية كالذكاء وقوة الذاكرة وحسن الخلق وغير ذلك مما هو معلوم بَدَهِيّ.
وقال ابن الجوزي
رحمه الله تعالى:
(وقد عرفت بالدليل أن الهمّة مولودة مع الآدميّ، وإنما تقصر بعض الهمم في بعض الأوقات، فإذا حُثَّت سارت، ومتى رأيت في نفسك عجزاً فَسَلِ المنعم، أو كسلاً فالجأ إلى الموفِّق، فلن تنال خيراً إلا بطاعته، ولا يفوتك خيرٌ إلا بمعصيته)
محمد بن موسى الشريف
دكتوراه في علوم القرآن الكريم ويعمل قائد طائرة في الخطوط الجوية السعودية سابقا
- التصنيف:
- المصدر: