أهمية علو الهمّة في حياة المسلم - (6) الوصول إلى مراتب عليا في العبادة والزهد

منذ 2019-08-05

إذا أردت التوسع في أمثلة عبادة السلف وزهدهم فسيطول بي الأمر، وحسبي ما أوردته دليلاً على علو هممهم.

وهذا مَعْلَم بارز في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة ومن تبعهم بإحسان، يقول حذيفة رضي الله عنه:
(صليت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى، فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترسلاً، إذا مرّ بآية فيها تسبيح سبّح، وإذا مّر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ، ثم ركع فجعل يقول: سبحان ربي العظيم، فكان ركوعه نحواً من قيامه، ثم قال: سمع الله لمن حمده، ثم قام طويلاً قريباً مما ركع، ثم سجد فقال: سبحان ربي الأعلى، فكان سجوده قريباً من قيامه).


وقال ابن مسعود رضي الله عنه:
(صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأطال حتى هممت بأمر سوء، قيل: وما هممت به؟ قال: هممت أن أجلس وأدعه).


وهذا معاذ بن جبل رضي الله عنه على فراش الموت يذكر أموراً تدل على همّته في العبادة والزهد، فروي عنه أنه قال:
(اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب البقاء في الدنيا ولا طول المكث فيها لجري الأنهار، ولا لغرس الأشجار، ولكن كنت أحب البقاء لمكابدة الليل الطويل، وظمأ الهواجر في الحر الشديد، ولمزاحمة العلماء بالركب في حلَق الذكر).
هذا وقد كان يعيش في دمشق ولكنه علا بهمته عما فيها من مغريات وجمال.


وهذا الإمام مالك بن أنس رحمه الله إمام دار الهجرة قد روى عنه الإمام ابن القاسم 
هذه الحادثة:
(كنت آتي مالكاً غلساً فأسأله عن مسألتين، ثلاثة، أربعة، وكنت أجد منه انشراح الصدر، فكنت آتي كلّ سحر، فتوسدت مرة في عتبته، فغلبتني عيني فنمت، وخرج مالك إلى المسجد فلم أشعر به، فركضتني سوداء له برجلها وقالت لي: إن مولاك لا يغفل كما تغفل أنت، اليوم له تسع وأربعون سنة ما صلى الصبح إلا بوضوء العَتَمَة، ظنت السوداء أنه مولاه من كثرة اختلافه إليه).
وإذا أردت التوسع في أمثلة عبادة السلف وزهدهم فسيطول بي الأمر، وحسبي ما أوردته دليلاً على علو هممهم.


 

محمد بن موسى الشريف

دكتوراه في علوم القرآن الكريم ويعمل قائد طائرة في الخطوط الجوية السعودية سابقا

المقال السابق
(5) أهمية علو الهمّة في حياة المسلم
المقال التالي
(7) البعد عن سفاسف الأمور ودناياها