أبو بكر الصديق - (20) هول الفاجعة وموقف أبي بكر منها

منذ 2019-08-12

قال ابن رجب: ولما توفي رسول الله اضطرب المسلمون؛ فمنهم من دهش فخولط، ومنهم من أقعد فلم يُطق القيام، ومنهم من اعتقل لسانه فلم يطق الكلام، ومنهم من أنكر موته بالكلية.

قال ابن رجب: ولما توفي رسول الله اضطرب المسلمون فمنهم من دهش فخولط، ومنهم من أقعد فلم يُطق القيام، ومنهم من اعتقل لسانه فلم يطق الكلام، ومنهم من أنكر موته بالكلية.

قال القرطبي مبيناً عظم هذه المصيبة وما ترتب عليها من أمور: من أعظم المصائب المصيبة في الدين.. قال رسول الله  «إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصابه بي فإنها أعظم المصائب». وصدق رسول الله لأن المصيبة به أعظم من كل مصيبة يصاب بها المسلم بعده إلى يوم القيامة انقطع الوحي، وماتت النبوة، وكان أول ظهور الشر بارتداد العرب وغير ذلك، وكان أول انقطاع الخير وأول نقصانه.

وقال ابن إسحاق: ولما توفي رسول الله عظمت به مصيبة المسلمين، فكانت عائشة فيما بلغني تقول: لما توفي النبي ارتدت العرب، واشرأبت اليهودية والنصرانية، ونجم النفاق، وصار المسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية لفقد نبيهم.

وقال القاضي أبو بكر بن العربي: ... واضطربت الحال، فكان موت النبي قاصمة الظهر ومصيبة العمر، فأما عليٌّ فاستخفى في بيت فاطمة، وأما عثمان فسكت، وأما عمر فأهجر وقال: ما مات رسول الله، وإنما واعده ربه كما واعد موسى، وليرجعن رسول الله، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم، ولما سمع أبو بكر الخبر أقبل على فرس من مسكنه بالسنح، حتى نزل، فدخل المسجد، فلم يكلم الناس، حتى دخل على عائشة فتيمم رسول الله وهو مغشَّى بثوب حبرة، فكشف عن وجهه، ثم أكب عليه فقبله وبكى، ثم قال: بأبي أنت وأمي، والله لا يجمع الله عليك موتتين أما الموتة التي كتبت عليك فقدمتها، وخرج أبو بكر وعمر يتكلم، فقال: اجلس يا عمر، وهو ماض في كلامه وفي ثورة غضبه، فقام أبو بكر في الناس خطيباً بعد أن حمد الله وأثنى عليه:

أما بعد: فإن من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، ثم تلا هذه الآية:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَّضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144] فنشج الناس يبكون.

قال عمر: فوالله ما سمعت أبا بكر تلاها، فهويت إلى الأرض ما تحملني قدماي، وعلمت أن رسول الله قد مات.

قال القرطبي: هذه الآية أدل دليل على شجاعة الصديق وجراءته فإن الشجاعة والجرأة حدهما ثبوت القلب عند حلول المصائب، ولا مصيبة أعظم من موت النبي، فظهرت شجاعته وعلمه، قال الناس: لم يمت رسول الله ، منهم عمر، وخرس عثمان، واستخفى علي، واضطرب الأمر، فكشفه الصديق بهذه الآية حين قدومه من مسكنه بالسنح.

وبهذه الكلمات القلائل، واستشهاد الصديق بالقرآن الكريم خرج الناس من ذهولهم وحيرتهم ورجعوا إلى الفهم الصحيح رجوعاً جميلاً، فالله هو الحي وحده الذي لا يموت، وأنه وحده الذي يستحق العبادة، وأن الإسلام باق بعد موت محمد، كما جاء في رواية من قول الصديق: إن دين الله قائم، وإن كلمة الله تامة، وإن الله ناصر من نصره، ومعز دينه، وإن كتاب الله بين أظهرنا، وهو النور والشفاء، وبه هدى الله محمدًا وفيه حلال الله وحرامه، والله لا نبالي من أجلب علينا من خلق الله. إن سيوف الله لمسلولة ما وضعناها بعد، ولنجاهدن من خالفنا كما جاهدنا مع رسول الله، فلا يبغين أحد إلا على نفسه.

كان موت محمد مصيبة عظيمة، وابتلاءً شديدًا، ومن خلالها وبعدها ظهرت شخصية الصديق كقائد للأمة، فذ لا نظير له ولا مثيل، فقد أشرق اليقين في قلبه وتجلى ذلك في رسوخ الحقائق فيه، فعرف حقيقة العبودية والنبوة والموت، وفي ذلك الموقف العصيب ظهرت حكمته، فانحاز بالناس إلى التوحيد «من كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت»، وما زال التوحيد في قلوبهم غضًّا طرياً، فما أن حي لا يموت، ثم تلا هذه الآية:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَّضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144] فنشج الناس يبكون.

 

 

 

تقول عائشة -رضي الله عنها-: فوالله لكأن الناس لم يكونوا يعلمون أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر، فتلقاها منه الناس، فما يسمع بشر إلا يتلوها.

ـــــــــــــــــــــــــــ

المقال السابق
(19) وفاة الرسول
المقال التالي
(21) سقيقة بني ساعدة