السيرة النبوية - (4) عبادته قبل البعثة

منذ 2019-08-26

كان النبي نافراً من عبادة قومه، وكان ينهي غلامه "زيد بن حارثه" أن يتمسح بالأصنام أو يعظمها، وحتى خشيت عماته أن يناله أّذى قريش.

كان النبي نافراً من عبادة قومه، وكان ينهي غلامه "زيد بن حارثه" أن يتمسح بالأصنام أو يعظمها، وحتى خشيت عماته أن يناله أّذى قريش.


وكانت قريش تعرف التحنث والتعبد، وبخاصة في شهر رمضان، فيعتكف بعضهم في أحد الغيران الموجودة في جبال مكة، ولعلهم عرفوا هذا النسك من لدن إبراهيم عليه السلام، وقيل ان التحنث هو التحنف، والعرب يبدلون الفاء ثاء في بعض الأحيان، ومعنى هذا أن المتعبدين كانوا يصعدون جبل حراء، ويهبطون منه.


وقيل: أن بعض اجداد النبي كانوا يتحنثون، ومنهم جده عبد المطلب، وحبب الى الرسول الخلاء والأنفراد عن قومه، لما يراهم عليه من الضلال المبين، من العبادة للأصنام، والسجود للأوثان، وقويت محبته للخلوه عند مقاربة سن الأربعينن فكان يخرج إلى غار حراء شهراً في كل سنه يتنسك فيه، ويتفكر ويتأمل.
وحراء جبل على بعد ثلاثة أميال من مكة المكرمة، في طريق منى، وفي مقابلته جبل أخر يدعى ثبيراً وليس بهما نبات ولا ماء، ولذلك كان النبي يتزود ويحمل معه ما يكفي حاجته من طعام وشراب. 


وقد أختار النبي غاراً في جبل حراء، مطلاً على الكعبة المشرفة ليكون وجه ناحيتها، وكان أثناء أعتكافه يطعم من يمر به من المساكين، فإذا انتهى من مجاورته وتحنثه عاد الى مكة المكرمه فطاف بالكعبة المكرمة سبعة أشواط قبل أن يدخل بيته.

وكانت حياة الرسول الأسرية تساعده على هذا الأنقطاع في الغار، لأنه كان يحيا حياة زوجية مستقره وادعة، ولم يكن واقعا تحت تأثير مطالب الحياة الملحة، بعد أن اغناه الله بتجارته، وبزواجه من خديجة رضي الله عنها، فكان يجد فسحة من الوقت تسمح له بالأعتكاف وكان يترك أولاده مطمئناً عليهم في يد زوجة راعية أمينة. 

ولم يكن رسول الله يتعلق بالبشارات التي سمعها والتي أنتشرت في عصره، ولم يخطر بباله أن يكون نبيا، قبل أن ينزل عليه الوحي، فلم يكن تنسكه وأنقطاعه في الغار ابتغاء أن تصدق النبوءة، أو طنعا في أن تنزل عليه الرساله، وتختاره السماء، كما فعل غيره ممن سمعو بالبشارات مثل: أميه بن الصلت، والأربعة من العرب الذين تسموا بمحمد.


وكان الوحي مفاجأة تامة للرسول، وعاد الي زوجة فزعاً، وتخوف أن يكون قد اصابه من الجن ويؤكد ذلك قوله تعالى وَمَا {كُنتَ تَرْجُو أَن يُلْقَىٰ إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۖ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِّلْكَافِرِي} [القصص:86].
والأقرب الى فهمنا -والله ورسوله أعلم بالصواب- أنه صلى الله عليه وسلم كان يتبع ما تهديه اليه الفطرة السليمة الصحيحة الخالية من الأدران، وما ألهمه الله به، وهداه اليه وملأ به نفسه وقلبه، فكانت عبادته تفكرا وتأملاً وتدبر في دلائل قدرة الله وبديع صنعه، واستنكارا ورفضا لما عليه الناس من وثنيه وشرك وضلالات،

الفطرة السليمه المتجرده من الهوى والتقليد إلى الإيمان بإله واحد لا شريك له، ليس له مثيل ولا شبيه ولا شريك ولا تقف قدرته عند حد، كما أهتدي قبله أبو الأنبياء، إبراهيم عليه السلام، والأنبياء أولو العلم، فالتقت الفطره السليمه بالمبادىْ الصحيحة التي ألتقت عليه الديانات السماوية كلها من توحيد وإسلام الوجه والقلب لله رب العالمين مصداقاً لقوله: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30].

Editorial notes: يراهمر
المقال السابق
(3) زواجة من خديجة
المقال التالي
(5) نزول الوحي