الأخوة لماذا؟ - ثالثا: معالجة الفتور الذي يفت في عضد التزامنا
وليست الفروض هي الصلوات فحسب، فأين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أين صلة الأرحام، أين حفظ القرآن الذي هو من فروض الكفايات وأهل الالتزام هم أولى الناس بالقيام بهذا الحق؟ ... ؟ أين وأين ... ؟
إخوتاه ..
…قضية الفتور هي قضية الساعة في عالم الملتزمين بشرع رب العالمين، فبعد الصحوة المباركة وانتفاضة أهل الإيمان من سبات عميق ظلوا فيه سنين طوال، وبعد الجهود العظيمة التي قام بها رواد الدعوة الإسلامية في عصرنا الحالي محاولين معالجة واقع المسلمين، بعد كل هذا قامت هذه القلوب النابضة بالإيمان، المتشوقة لشرع الرحمن، المتعلقة بالآمال العريضة في شيوع الهدى وزهوق الباطل، فما لبثت أن واجهها إعصار الظلم والقهر، وبدأ اليأس يدب في القلوب الضعيفة، وبدأ بعضهم يميل نحو أي سانحة يحاول من خلالها التنفس فوقع في شبهات كثيرة، وبدا لهم الحل في أسلمة كل شيء فوقعوا في تنازلات خطيرة، والهزيمة النفسية تفتك بأفئدة المسلمين، فكان الفتور يفت من عضد الملتزمين، حتى ظلوا فيه مُبلسين.
إخوتاه ..
…إن افتقاد الحدب الأخوي من أخطر الأسباب لهذه الظاهرة، فإنَّ وجود المعين على الطاعة صار من النّدرة بحيث عَزَّ التماسه، وما ذاك إلا لغياب الأخوة الإيمانية التي في ظلها تتلاقى القلوب على طاعة الله، يعين الأخ أخاه، يأخذ بيده إذا تعثر، إذا غاب عن المسجد مرة هبَّ إليه، وَجلاً عليه، ملتمسًا له الأعذار، له من باب "لعل" عذار، لا يهدأ له بالٌ لا يعرف القَرار، ولا تعطله "سوف" ولا يوقفه انتظار، يحدوه نحوه سابق العهد والجوار، فما تراه إلا جنب صاحبه لا يشعر بتباعد الديار، فكل مكان لا أخ لك فيه بوار، وكل نعيم تألفه وحيداً فهو نار، فالحذار الحذار.
إخوتاه ..
…قلنا في غير هذا الموضع أنَّ في أحايين كثيرة يكفي لحل مشكلة قائمة زيارة من أخ أو اعتذار، لقاء، أو ابتسامة، أو كلمة طيبة، أو مكاشفة صادقة، هدية بسيطة، مجاملة لطيفة، ثناء عاطر عابر، والله ما أقلها من تكاليف يسيرة، لو تأملت خطورة افتقاد الأخ في خضم الدنيا، ليصير هذا الأخ بعد ذلك أكبر وصمة تلحق بجبين الالتزام، ويُصد به عن سبيل الله.
إخوتاه ..
…إنَّ المعالجة السريعة وفض المشكلات بأساليب يسيرة ما أحوجنا إليها في وقت تصاعدت فيه الهزات الداخلية، وهذا التساقط يفت منك قبل أن يفت من أخيك، فما تجدك إلا فردًا، والوِحدة غربة، والغربة وحشة، والوحشة نفرة، والنفرة ضلال، ثم لا تجد على الخير قائمًا فهل تعقلون؟!!
…إنها ليست مبالغات، إي والله وإلا فتأملوا الواقع، ارجع بذهنك إلى أيام الصفا، تذكر إخوانك ثم سَلْ نفسك، أين صار هؤلاء؟ كيف كنتَ يوم كانوا معك؟ وكيف صارت الأحوال الآن؟
إخوتاه ..
…من أجل هذا أقول: نحن في حاجة ماسة إلى الأخوة الصادقة، التي نجني من جناتها نعيم القرب من الله بلزوم الطاعة وهجر المعصية، وطريق الاستقامة شاق لكن
يخففه الرفاق، فعُد إليه ليعود، واطرق بابه الموصود، وتذكر أيام طول الصيام وطول السجود، عسى أن تصفو لكم العهود، في التزام شرع الله والقيام بالحدود.
إخوتاه ..
…بقى أن تعلموا أنَّ لكلٍ منا شرة وفترة، وأنَّ الفتور حاصل لا محالة، لكن مفهوم "الفتور" عند المفتونين من المسلمين صار ترك الواجبات والوقوع في المحرمات، أو قل: ترك المندوبات التي كان يحافظ عليها العبد يصيب بها سنة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - والوقوع في المنكرات والمكروهات التي كان يُكبر أن تزل قدمه فيها، وهذا لعمرُ الله هو "الفتنة".
…وإنَّما الفتور يقع في الانشغال بأجناس المباحات، وفي هذا جاء حديث " ساعة وساعة "
فساعة النشاط لأداء فروض الله والقيام بحقوقه جل وعلا، وساعة الفتور لأداء حقوق الدنيا من معالجة الضيعات وملاعبة الأولاد ومعافسة الزوجات، وكان الصحابة يعدون ذلك نفاقًا، فبماذا نسمي ما نحن فيه الآن من التذبذب والتوانى والكسل عن أداء الفروض؟ وليست الفروض هي الصلوات فحسب، فأين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أين صلة الأرحام، أين حفظ القرآن الذي هو من فروض الكفايات وأهل الالتزام هم أولى الناس بالقيام بهذا الحق؟ ... ؟ أين وأين ... ؟
إخوتاه ..
…من أجل ذلك حين نقول بمعالجة الفتور نريد بالمقام الأول معالجة آثار الفتنة التي ذاقها كثير منّا لنعود مرة أخرى إلى ما كنا نعتاده ونألفه من القيام بحقوق الله في أداء الفروض وحفظها بالمندوبات، وترك المحرمات وصيانة ذلك بهجر المكروهات، ولا سبيل لذلك إلا بالتعاون على البر والتقوى بين خلان الإيمان، وصولاً لهذه الدرجة العالية من الشفافية بالندم على ضياع الأوقات في المباحات، فتكسوها النيات الصالحات فتغدو من الطاعات لا العادات.
…لمثل ذلك استثيروا باعث الشوق للنجاة، أم أنكم مازلتم لا ترون طريق الهلكة الذي تسلكونه اللهمَّ رحماك بنا!!
الأخوة لماذا؟
محمد حسين يعقوب
داعية إسلامي مصري، حاصل على إجازتين في الكتب الستة وله العديد من المؤلفات
- التصنيف:
- المصدر: