قصة موسى والحجر وما فيها من عبر

منذ 2019-10-02

اللهُ تعالى لم يأمُرْ موسى أن يَنْزِعَ ملابِسَه ويخرُجَ للناسِ ليبرِّئَ نفسَه؛ ولكنْ غيَّر سننَ الكونِ وجاذبيَّةَ الأرضِ، وأوجَدَ في الحجَرِ قوَّةً للسيرِ بثيابِه، لِيَتْبَعَها؛ ليكونَ ظهورُ جسَدِه وعوراتِه بلا اختيارٍ منه؛ فلا يكونُ هناكَ أدنى قناعةٍ للنفسِ بإمكانِ اختيارِ مثلِ هذا الفعلِ؛ لأنَّ خَرْقَ الفطرةِ إنْ بدأَ، اتَّسَعَ وتدَرَّجَ اتساعاً حتى لا يَنْتهِي.

وتغييرُ الفطرةِ أخطرُ مِن تغييرِ سُنَنِ الكَوْنِ، وأشدُّ أَثَراً على دِينِ الإنسانِ، وقد كان نبيُّ اللهِ موسى عليه السلام حَيِيّاً سَتِيراً، وكان يستَحْيِي أن يبدُوَ مِن جِلْدِه ما يتساهلُ بنو إسرائيلَ في إبدائِه، حتى آذَوْهُ وقالُوا: ما يستتِرُ هذا التستُّرَ إلا مِن عيبٍ بجِلْدِه؛ إمَّا بَرَصٍ، وإما أُدْرَةٍ، وأمَّا آفةٍ، فأرادَ اللهُ أن يبرِّئَه، ولا يبدِّلَ فطرتَه، فلما أراد أن يغتسِلَ، وضَعَ ثيابَهُ على حَجَرٍ، فلَمَّا قضَى غُسْلَه، وأراد أن يأخُذَ ثيابَه، عدا الحَجَرُ، وهرَبَ بثوبِه، وأخذَ موسى عصاهُ، وطلَبَ الحجَرَ، يقولُ: ثَوْبِي حَجَرُ! ثَوْبِي حَجَرُ! حتى خرَجَ لبني إسرائيلَ فرأوْهُ، وعلموا أنَّه مبرَّأٌ مما قالوا،

فأنزلَ اللهُ على نبيِّه محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مذكِّراً بتلك الحال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا} [الأحزاب: 69]، والحديثُ أخرَجَه البخاريُّ ومسلمٌ مِن حديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه.


واللهُ تعالى لم يأمُرْ موسى أن يَنْزِعَ ملابِسَه ويخرُجَ للناسِ ليبرِّئَ نفسَه؛ ولكنْ غيَّر سننَ الكونِ وجاذبيَّةَ الأرضِ، وأوجَدَ في الحجَرِ قوَّةً للسيرِ بثيابِه، لِيَتْبَعَها؛ ليكونَ ظهورُ جسَدِه وعوراتِه بلا اختيارٍ منه؛ فلا يكونُ هناكَ أدنى قناعةٍ للنفسِ بإمكانِ اختيارِ مثلِ هذا الفعلِ؛ لأنَّ خَرْقَ الفطرةِ إنْ بدأَ، اتَّسَعَ وتدَرَّجَ اتساعاً حتى لا يَنْتهِي.


لهذا فالعاقلُ العفيفُ حينَما يُصَابُ بمرضٍ في موضِعِ عورتِه، ويُضطرُّ لجراحةِ طبيبٍ يلزَمُ منها كَشْفُها، تجدُه يُحِبُّ أن يبنَّجَ ويخدَّرَ؛ لِيغيبَ وَعْيُه، وتُنْزعَ عنه عورتُه مِن غيرِه، بلا اختيارٍ منه، لا أن يقومَ هو بنفسِه باختيارِه،

مع أنَّ المؤدَّى واحدٌ؛ لكنَّ نَزْعَ الإنسانِ بنَفْسِه يُصاحِبُه نزعُ هيبةِ العفافِ مِن النفسِ والفطرةِ؛ فإنَّ كَسْرَ الحياءِ والعفافِ حينئذٍ يكونُ بالاختيارِ؛ ومَن جَرَّبَه مرةً، تساهَلَ به أخرَى في حالةٍ أقلَّ حاجةً.