مزالق المربين في المعايشة التربوية (1-2)

منذ 2019-10-17

وإن مما يظهر من بعض المربين رغبته في رفع مستوى تلك المعايشة, نتيجة لأثرها الحَسن على نفسه كقُرب الطلاب منه وحب الطلاب له أكثر من غيره

 

معاوية العايش


 بسم الله الرحمن الرحيم


إنّ المعايشة التربوية هي لُب التربية وأساسها, وإنّ الموازنة بين الجفاء في تلك المعايشة وبين التعلق المذموم لهو من الأسس المهمة التي تضبط تلك المعايشة وتجعلها ذات نتاج إيجابي لا سلبي, وإن الخطأ في تلك المعايشة لهو من الأخطاء ذات الأثر المتسلسل الطويل إذا لم يتم تداركه؛
فهذه الورقة المختصرة تعالج جزءاً من ذلك المقصد بعرض أبرز أخطاء المعايشة التربوية من المربين, مع ذكر بعض المحتَرَزات المهمة في المعايشة التربوية, فاللهَ أسألُ أن ينفع بها القارئ والكاتب.
إنّ للمعايشة التربوية محتَرزات مهمة يجب على المربي تجنبها والحذر منها, حتى لا تُصاب تربيته بنقيض قصده, وقد جَعلتُ تلك المحتَرَزات مُعَنونة بـ اللاءات الثمانية للمعايشة التربوية :

1. لاتبدأ بالمعايشة إلا بعد أن تعرف هدفك منها:
لا بد من تحديد الهدف التربوي قبل البدء بالمعايشة التربوية, فإن الدعوة لها هدف عام وهي الدعوة إلى الله, وتتفرع الأهداف الفرعية من ذلك الهدف الأكبر, فيكون الهدف من المعايشة مع ذلك الطالب -مثلاً- : هو تخليصه من تلك المعصيته, وذلك الطالب: لغرس قيمة فيه, وطالب آخر: بغرض جعله طالباً للعلم... وهكذا, فلا بد من تحديد الأهداف الفرعية لمعايشة كل طالب في المحضن, ليكون الطريق واضحاً أمام المربي, وحتى لا تكون المعايشة عبثية عشوائية.

2. المعايشة لاتعني التعلّق المذموم:
لا ينبغي للمربي أن يكون التعلق المذموم الذي يثير الشبهة والشكوك حوله هو نتاج المعايشة, فضلا عمّا تولده تلك المعايشة الخاطئة من تعلق يجعل المربي والمتربي في مسطرة واحدة في عين ذلك المتربي, فلا بد من حد لتلك المعايشة وحاجز تربوي بينك وبين المتربي ليبقى لك أثر في توجيهه, وليكون ذلك الحاجز أدعى لقبول المتربي لك أيها المربي؛ وإن هذا المحور مما يحتاج لاستزادة وتعمق فسأفرده في مقال مهم قادم إن شاء الله تحت عنوان "المعايشة أمانة وورع".

3. لاتتعمق في المعايشة, إن توقف أو تراجع تأثيرك على المتربي:
إنّ من أَولى أولويات المربي أن يكون صاحب تأثير إيجابي على المتربي, فهو ليس رجل إداري يوجه الطلاب فحسب, بل هو رجل قائد مؤثر, فالقيادة هي التأثير بالدرجة الأولى, وإن من محاذير المعايشة أن يقلّ تأثير المربي على المتربي نتيجةً لانغماسه في المعايشة, وإذا ظهر ذلك الأمر- أقصد تناقص التأثير أو توقفه على المتربين مقارنة بالماضي- ؛ فينبغي على المربي أن لايتعمق في تلك المعايشة, وأن يتراجع قليلاً إلى منصبه التربوي, حتى يُرجع الأمور إلى مجاريها, ويعود ذلك الحاجز التربوي.
وإن مما يظهر من بعض المربين رغبته في رفع مستوى تلك المعايشة, نتيجة لأثرها الحَسن على نفسه كقُرب الطلاب منه وحب الطلاب له أكثر من غيره, فهذه النتائج الحَسنة ليست دليلاً على صحة تلك المعايشة, بل إنها دليلٌ على كون المربي قد لبّى رغبات المربين سواءً تأثّر المتربون به تأثُّراً تربويّاً أو لا, فهذه المعايشة لاتخدم الهدف التربوي بل الهدف الشخصي .

4. لا تُكمل في المعايشة إن كان هناك تأثُّر سلبي منك من المتربين: (التأثّر العكسي)
إن تزكية المربي لنفسه وإصلاح قلبه من الأمور التي لا ينبغي التغافل عنها أو تجاهلها, فهي المحرك أو الوقود الذي يدفع المربي في مهنته المقدسة, وإن لم يكن ذلك الوقود "الأُخرَويّ" في نفْس المربي فأحسب أن الدوافع الدنيوية هي التي ستكون محركه في تلك المهنة, فلا تسل حينها عن الآثار والتبعات السلبية لذلك المربي؛
وإن غاية المعايشة: تأثير المربي على المتريي, فإن ظهر العكس, وهو تأثّر المربي تأثراً سلبياً من المتربين "المستهدفين" فإن هذه التربية التي يقودها ذلك المربي في خطر, وينبغي مراجعة ذلك المربي, وإيقافه, فإن ذلك التأثر السلبي العكسي يعني أن المربي صاحب شخصية ضعيفة, لا ينكر المنكر بل يتأثر به, بل يشرعن ذلك الخطأ للمتربين بفعله له وتأثره به.

5. المعايشة لاتعني كسر الحاجز تماما:
إنّ الحاجز التربوي بين المربي والمتربي من الأمور المهمة التي لا ينبغي أن يَغفل المربي عنها, وهذا الحاجز مع وجوده تكون المعايشة التربوية, لا أن يزيل المربي ذلك الحاجز بدعوى المعايشة, فالجمع بينهما مطلوب, وإنَّ كَسْرَ ذلك الحاجز سيجعل من المتربي قريناً ونداً للمربي, وهذا سيزيد من الصعوبة في توجيهه وتربيته؛ وإنّ شخصية المربي لابد أن تبقى ثابتة دون أن تذوب مع المتربين نتيجة للانغماس في المعايشة, فلا يُفرِّق الناظر في هذه الحالة بين المربي والمتربي !
وإن مما ينبغي التنبيه له: أن الحاجز التربوي ليس حاجزاً افتراضياً جامداً مع جميع الطلاب, بل إنّ ذلك الحاجز يمتاز بالمرونة فيزيد مع طالب وينقص مع آخر, بحسب عمر طالب وأدبه وتقبّله, لا أن يُعامَل الطلاب كلهم بحاجز واحد, فيُظلَم الطالب الخلوق, أو يُكرَّم الطالب اللعوب, وإنّ المربي الماهر هو من يجيد ضبط ذلك الحاجز مع كل طالب في محضنه التربوي.