فوائد من كتاب ذم الهوى لابن الجوزي (2-2)

منذ 2019-12-15

ومن ذلك زجر الهمة الأبية عن مواقف الذل, واكتساب الرذائل, وحرمان الفضائل, فمن لم تكن له همة أبية لم يكد يتخلص من هذه البلية, فإن ذا الهمة يأنفُ أن يملك رقه شيء, وما زال الهوى يذل أهل العزِّ.

بسم الله الرحمن الرحيم

فوائد من كتاب ذم الهوى لابن الجوزي

محاسبة النفس:

قال عمر بن الخطاب: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا, وزينوا أنفسكم قبل أن توزنوا, فإنه أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم يوم القيامة.

وقال الحسن: أيسر الناس حساباً يوم القيامة الذين يحاسبون أنفسهم لله عز وجل في الدنيا, فوقفوا عند همومهم وأعمالهم, فإن كان الذي هموا به لله عز وجل مضوا فيه, وإن كان عليهم أمسكوا.

وقال ميمون بن مهران: لا يكون الرجل تقياً حتى يكون لنفسه أشدَّ محاسبة من الشريك لشريكه. 

أسباب العشق:

من أسباب العشق: سماع الغزل والغناء...وإدامة النظر

ويتأكد بكثرة اللقاء, وطول الحديث.

ضرر العشق في الدين:

العشق بيّن الضرر في الدين والدنيا, أما في الدين فإن العشق أولاً يشغل القلب عن الفكر فيما خلق له, من معرفة الإله والخوف منه والقرب إليه, ثم بقدر ما ينال من موافقة غرضه المحرم يكون خسران آخرته, وتعرضه لعقوبة خالقه, فكلما قرُبَ من هواه بَعُدَ من مولاه, ولا يكاد يقع العشق في الحلال المقدور عليه, فإن وقع, فيا سرعان زواله. قال الحكماء: كل مملوك مملول.

ضرر العشق في الدنيا:

وأما ضرر العشق في الدنيا فإنه يورث الهمَّ الدائم, والفكر اللازم, والواسواس, والأرق, وقلة المطعم, وكثرة السهر, ثم يتسلط على الجوارح, فتنشأ الصفرة في البدن, والرعدة في الأطراف, واللجلجة في اللسان, والتحول في الجسد, فالرأي عاطل, والقلب غائب عن تدبير مصلحته, والدموع هواطل, والحسرات تتابع, والزفرات تتوالى, والأحشاء تضطرم, فإذا غشي على القلب إغشاء تاماً أخرجت إلى الجنون, وما أقربه حينئذ من التلف, هذا وكم يجني من جناية على العرض.

أدوية العشق:

الحِمية اللازمة في زمان الصحة لا ينبغي أن تُترك, ومتى علمت أسباب مرض وجب اجتنابها, ومعلوم أن الطباع تتساوى في الميل إلى الهوى, فينبغي للحازم اجتناب أسبابه. فمتى أصابه شيء من ذلك المرض وجب عليه أن يبادر إلى الطبيب, قبل أن يصعب التلافي أو يحل التلف.

وأمراض العشق تختلف..وإنما يعالج من هذا المرض من لم يرتقِ إلى غايته, فإنه إذا بلغ الغاية أحدث الجنون والذهول, وتلك حالة لا تقبل العلاج.

اعلم أن بداية العشق في الأغلب تكون عند النظر إلى المحاسن...والواجب على من وقع بصره على مستحسن, فوجد لذة تلك النظرة في قلبه أن يصرف بصره, فمتى تثبت تلك النظرة, أو عاود وقع في اللوم شرعاً وعقلاً. 

فإن جرى تفريط بإتباع نظرة لنظرة, فإن الثانية هي التي تُخاف وتُحذر, فلا ينبغي أن تحقر هذه النظرة, فربما أورثت صبابة صبّت دمَ الصِّبّ.

وعلاج هذه النظرة,..بغضِّ البصر,..وخوف العقوبة من الله سبحانه عاجلاً وآجلاً, والحذر من سوء عاقبتها وما تجرُّ وتجني.

فإن كان تكرار النظر قد نقش صورة المحبوب في القلب نقشاً متمكناً,..فعلاج هذا المرض: العزم القوي على البعد عن المحبوب, والقطع الجازم على غضِّ البصر عنه, وهجران الطمع فيه, وتوطين النفس على اليأس منه,..والفكر في خوف العواقب في الدنيا, والعقوبة في الأخرى...وكرر على النفس ما سبق من ذم الهوى, وما فعل بأربابه فأضناهم وأمرضهم, وأذهب دينهم ودنياهم, وجاههم بين الناس, فاستغاثوا بعد الفوت.

وتفكر في خطواتك إلى لقاء محبوبك, فاعلم...أنها مكتوبة عليك وأنت مطالب بها

وتفكر في مكالمتك محبوبك, فإنك مسؤول عما تقول, مع إلهاب الكلام نار الحب.

فإن قويت أسباب الهوى فحملتك على الخلوة بحبيبك, فقد تعرضت بالأسد في خيسه, وبعيد سلامة مثلك, فالهرب الهرب, فلا نجاة في غيره.

فإن أمسك الهوى فاجتذب نفسك من يده, بخوف من يراك حيت تقوم, واسحيي من نظره إليك, وأدِر في تلذذك ذكر مرارة الموت الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هادم اللذات» وتذكر شدة النزع وتفكر في الموتى الذين حبسوا على أعمالهم ليُجازوا بها, فليس فيهم من يقدر على محو خطيئة, ولا على زيادة حسنة, فلا تعِث يا مُطلق.

وصور لنفسك حين اعتراض الهوى عرضك على ربك, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  « ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه تبارك وتعالى ليس بينه وبينه ترجمان»   [أخرجاه في الصحيحين] .

وتخايل شهادة المكان الذي تعصي فيه عليك يوم القيامة.

ومثّل في نفسك عند بعض زللك, كيف يؤمر بك إلى النار, التي لا طاقة لمخلوق بها, وتصور نفاد اللذة وبقاء النار والعذاب.عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( « ناركم هذه مما يوقد بنو آدم, جزء واحد من سبعين جزءاً من حرِّ جنهم ) قالوا: والله إن كانت لكافية, قال: ( إنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً)»

ومن المعالجات السفر, فإنه بالسفر يتحقق البعد عن المحبوب, وكل بعيد عن البدن يؤثر بعده في القلب, فليصبر على مضض الشوق في بداية السفر صبر المصاب في بداية مصيبته, ثم إن مَرََ الأيام يهوّن الأمر.

وكذلك كل ما يشغل القلب من المعاش والصناعة, فإنه يسلي, لأن العشق شغل الفارغ...فإذا تشاغل بما يوجب اشتغال القلب بغير المحبوب دَرَس الحبُّ, ودثر العشقُ, وحصل التناسي.

ومن ذلك استعراض النساء للتزويج, والجواري للتسري, وليطلب الفائق فإنه يسلي.

ومن الأدوية: عيادة المرضى, وتشييع الجنائز, وزيارة القبور, والنظر إلى الموتى, والتفكر في الموت وما بعده, فإن ذلك يطفئ نيران الهوى, كما أن سماع الغناء واللهو يقويه, فما هو كالضد يضعفه, وكذلك مواصلة مجالس الذكر, وسماع أخبار الصالحين والمواعظ.

ومن ذلك زجر الهمة الأبية عن مواقف الذل, واكتساب الرذائل, وحرمان الفضائل, فمن لم تكن له همة أبية لم يكد يتخلص من هذه البلية, فإن ذا الهمة يأنفُ أن يملك رقه شيء, ومازال الهوى يذل أهل العزِّ.

ومما يُداوى به الباطن أن تفكر, فتعلم أن محبوبك ليس كما في نفسك, فأعمل فكرك في عيوبه...فإن الآدمي محشو بالأنجاس والأقذار, وإنما يرى العاشق معشوقه في حال الكمال, ولا يصور له الهوى عيباً, لأن الحقائق لا تنكشف إلا مع الاعتدال, وسلطان الهوى حاكم جائر يغطي المعايب, فيرى العاشقُ القبيح من معشوقه حَسَناً.

ومما يداوى به الباطن تصوير فقد المحبوب, إما بموته أو بفراق يحدث عن غير اختيار, أو بنوع ملل, أو بتغير حليته.

ومتى صوّر الإنسان مثل هذه الأشياء وتلمح عواقبها بفكره, سهل عليه علاج ما في قلبه.

متفرقات:

* قال معاوية: المروءة ترك اللذة وعصيان الهوى.

* قال عمر بن عبدالعزيز لميمون بن مهران: يا ميمون لا تخلُ بامرأة لا تحلُّ لك, وإن أقرأتها القرآن.

* قال مالك بن دينار: من غلب شهوات الدنيا, فذلك الذي يَفرَقُ الشيطان من ظله...بئس العبد عبد همه هواه وبطنه.

* قال يحي بن معاذ: من أرضى الجوارح في اللذات, فقد غرس لنفسه شجر الندامات.

* قال بشر بن الحارث: لا تجد حلاوة العبادة حتى تجعل بينك وبين الشهوات حائطاً من حديد.

* قال ميمون بن مهران: لا تصغين سمعك لذي هوى, فإنك لا تدري ما يعلق بقلبك منه.

* قال بعض الحكماء: ظاهر التقوى شرف الدنيا, وباطنها شرف الآخرة.

                    كتبه/ فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ