تراهم ركعًا سجدًا

منذ 2019-12-31

ولنفسك خذ نقطتين على سطح الأيام وانظر حالك قبلها وحالك بعدها، وستجد أن التجارة مع الله رابحة

{بسم الله الرحمن الرحيم }
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

منذ كنت صغيرًا وعشرات من المشاهد والصور تتراكم في خاطري، وكلما دخل مشهد- من هذا النوع- أثار غبارًا وقلقًا، وأقام ولم يرحل. كل المشاهد كانت تطرح سؤالًا أستحى من التصريح به.  ودعني أعرض عليك بعض المشاهد والغبار الذي أثارته، ثم أعرض عليك كيف ترتبت في ذهني بعد سنوات من القلق علَّ الله أن يجعل هذه الكلمات سببًا في إزاحةٍ قلق وإرشادٍ لطريق.

يوم جاءت الرسالة لسيد الناس رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كان في أفضل حال يتمناه إنسان: رُزق المال (كان أغنى قريش.. إذ كان يتاجر بمال خديجة)، ورزق سيدة النساء (خديجة بنت خويلد)، ورزق البنين والبنات، ومن أفضل بيتٍ حسبًا ونسبًا في مجتمع يفاخر بالأحساب والأنساب، ويحبه الناس ويحترمونه، ويجد مساحةً من الوقت للتعبد والخلوة شهورًا دون شاغل من رزق أو ولد. وكان من أول ما تلاه الحبيب (جبريل) على الحبيب (محمد صلى الله عليه وسلم: {وَلَسَوۡفَ يُعۡطِيكَ رَبُّكَ فَتَرۡضَىٰٓ}  (الضحى:5). ثم ماذا؟!
ذهب هذا كله. ذهب المال كله. وتطاول عليه الملأ والسفهاء وأقسموا أن يجدُّوا في التعدي على حسبه ونسبه، وهو خير خلق الله كلهم، وحوصر في الشعب رفقة أهله وعشيرته لا يجد ما يأكل ولا يأمن على نفسه وبناته، وماتت سيدة النساء خديجة، وحلَّ الحزن والشغل؛ ثم طرد من أحب البلاد إلى الله وإليه في نفرٍ قليلٍ من أصحابه يخافون أن يتخطفهم الناس، وأقامَ بين ظهراني يهود وموالي يهود وخلفهم أمواج من البشر تبغضهم وأصحابه، كلهم يقاتله ويريد قتله  {وَٱذۡكُرُوٓاْ إِذۡ أَنتُمۡ قَلِيل مُّسۡتَضۡعَفُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ}. نزعت النعماء كلها.. وحل البؤس من كل مكان، فأين عطاء الله؟!

وزكريا- عليه السلام- يسأل الله الولد ليرثه ويرث من آل يعقوب، فيأتيه الولد، ثم يذبح في حجره بأمر من بغي!!
وموسى-عليه السلام- يموت في التيه على تخوم الأرض المقدسة يشتاق إليها ولا يستطيع الدخول فيها، ويقيم بعد هلاك فرعون بين من يعصونه ويسخرون منه.
وداود عليه السلام يؤتى الملك والنبوة ووفرة من زينة الحياة الدنيا في مقدمتها ابن نبيٌ ملكٌ (سليمان عليه السلام)، وجنود من الجن والإنس والطير يوزعون. ثم ماذا؟
لم يستمر ذلك لجيلٍ واحد.. ذهب كله.

وحالي وأنا لا أكف عن الدعاء بالعافية والسعة حيث يرجى الإجابة، والأيام لا تكف عن صفعٍ وضربٍ وما استطاعت، كأني وترتها في أعز ما عندها. كنت أحاذر السجن وأدعو الله بالعافية ليل نهار ثم دخلته أربع مرات، وذقت ما كنت أحاذر. ورافقت كريمًا حسن الخلق من بيت طيب في الحبسة الأولى، وكان من الحفظة لكتاب الله المجتهدين في العبادة يطلب من الله الخروج من السجن ليل نهار، وسجن خمس سنوات في شيءٍ لم يفعله!!
والإسلاميون وهم يقومون في وجه الظلم العالمي والظلم المحلي، وكلما قاموا قام عليهم الظالمون وغلبوهم وتنتهي الجولة بهزيمة نكراء لمن يعلنون الإلتزام بشرع الله.

كانت هذه  النوعية من المشاهد تثير سؤالًا عن عطاء الله لعباده الصالحين. ما طبيعته؟، ماذا أخذ النبي-صلى الله عليه وسلم- بعد البعثة؟، وماذا أخذ زكريا- عليه السلام- وقد قتل وحيده وقتل هو أيضًا، وغلبه أعداؤه، وماذا يأخذ من يجتهد في الدعاء ثم يأتيه غير ما يطلب؟!

يستحضرون ما جاء في الحديث عن النبي، صلى الله عليه وسلم، بأنك إن دعوت تجاب دعوتك، أو يفرج عنك من الضيق مثل ما طلبت من غيره، أو يدخر ثواب ذلك للآخرة. وهي إجابة جيدة، ولكني أفتش عن شيء آخر. أفتش عن المشهد كيف يدار؟، ماذا يراد منا؟، وماذا يراد بنا؟
وأفتش عن وعد الله للصالحين من عباده بنصرهم وإكرامهم في الدنيا قبل الآخرة: {لَنُبَوِّئَنَّهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا حَسَنَة وَلَأَجۡرُ ٱلۡأٓخِرَةِ أَكۡبَرُۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ} ، {فَلَنُحۡيِيَنَّهُۥ حَيَوٰة طَيِّبَةۖ}  {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا}{كَتَبَ ٱللَّهُ لَأَغۡلِبَنَّ أَنَا۠ وَرُسُلِيٓۚ }.

وأنا عبد يفتش عن حكمة سيده، ولا يكف عن الدعاء بالعلم والحلم والفهم والحفظ والسعة... ، وانتهيت إلى تصور يمكن صياغته في هيئة مقولات خمس، كل واحدةٍ منها تفسر جزءًا من المشهد، وكلها-مجتمعة- تفسر المشهد، على النحول التالي:

المقولة الأولى: عبد ومعبود.

الفكر ينتشر في العقول كما تنتشر موضة الثياب على الأبدان، فتمامًا كما يأتينا من عند أعدائنا ملابس لا تستر، وإن سترت تصف ما لا يصح وصفه، يأتينا موضة فكرية تذهب بحشمة العقول ورزانتها وتدينها. والجيل الحالي يتعرض لموضة فكرية يمكن أن نسميها بـ "تأليه الإنسان". فحين تتأمل ما يتلوه "الدعاة الجدد" ودعاة "التنمية البشرية" وخاصة من يحاول أسلمتها.. ما يسميه باتريك هايني بـ "إسلام السوق"، تجد هؤلاء يتحدثون للزبائن على أنهم أرباب يأمرون.على أن الله "في خدمتهم" يُسخر لهم كل شيء، فقط عليهم أن يأتوا إلى الله ويتفضلوا بالسؤال وأن الله لابد سيعطيهم. والله هو الكريم المنان، المعطي الوهاب، النافع الرافع، رب كل شيء ومليكة. بيده الخير، وعنده خزائن كل شيء، وهو على كل شيء قدير، ولكنه رب خالق معبود وغيره عبد فقير مقهور.

وهذا الخطاب تأثر بالإلحاد الذي هو عبادة الذات، ويخدم- بقصدٍ أو بدون قصد- الإلحاد. فكان أن أثمة هذا النوع من الخطاب تضخم البعد الدنيوي على حساب البعد الأخروي، حتى لا تكاد تسمع أحدهم يتحدث عن اليوم الآخر وإن تحدث فعن الجنة ولا يكاد يذكر النار. يتمحور حول الدنيا.. حول المشروع الدنيوي المادي البحت الذي في جوهرة حضور الأنا بين الناس، وأدى هذا إلى أخذ الناس بعيدًا عن الآخرة، والله يقول: ( {تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنۡيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلۡأٓخِرَةَۗ } )، فكانت المحصلة أن فشل هذا النوع من الخطاب في تحقيق الغاية من الدعوة وهي "تعبيد الناس لله" وفوق ذلك أوجد كائنًا يشعر أنه رب، أو أن الله يعطيه ما شاء فقط بمجرد الدعاء. كأنه يأمر لا أنه يتضرع (  {ٱدۡعُواْ رَبَّكُمۡ تَضَرُّعٗا وَخُفۡيَةًۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِينَ} ) (الأعراف: 55).

المقولة الثانية: يمحق.. ويربي (المحق والبركة).

في سياق تحريم الربا يقول الله تعالى: يمحق الله الربا . وحين تتأمل هذا المعنى وتبحث في دلالته اللغوية والواقعية، تجد أن "المحق" ذهاب للشيء دون أن يشعر صاحبه.. اختفاء بهدوء، وعكسه "يربي" يزداد دون أن يشعر صاحبه. بمعنى أن الذي يأكل الربا يحاول أن يزيد ماله من حيث لا يحل فتكون النتيجة عكس مراده، وكذلك الذي يتصدق ينفق من ماله فتكون النتيجة زيادة المال. ويمكن نقل هذا المعنى من سياق الربا لسياق الحياة عمومًا: الذي يحاول القرب من الله والذي يتبع هواه. الأول يبارك له والثاني يمحق، ونعود ثانية للحبيب، صلى الله عليه وسلم، ظاهرًا نقص ماله وولده وطرد من وطنه، ولكن حين تنظر لما أعطي بعد سنوات قليلة فستجد شيئًا عظيمًا: صلاة من الله وملائكته عليه، وذكرًا حسن يملأ الدنيا كلها، وأثرًا صالحًا لا ينقطع، وأصحابًا يحبونه ويحيطون به ويصلون عليه. وكذا المهاجرين والأنصار، وكل من يعمل لله.

ولنفسك خذ نقطتين على سطح الأيام وانظر حالك قبلها وحالك بعدها، وستجد أن التجارة مع الله رابحة وإن ثمة خسارة-بمقاييسك أنت- في التفاصيل. من يتاجر مع الكريم المنان يربو. ( {وَمَآ أَنفَقۡتُم مِّن شَيۡءٖ فَهُوَ يُخۡلِفُهُۥۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلرَّٰزِقِينَ} ) (سبأ:39)، وفي الحديث: " {ما نقص مال عبد من صدقة} ". تأخذ بقدر حضور الله في قلبك وقدر خضوعك له بجوارحك، ومن أعرض أخذ شغلًا وهمًا وحزنًا وإن ملئت يداه مما يحب ( {وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةً ضَنكًا} )(طه:124)..

المقولة الثالثة: لا يوجد اضطراد.

ليس كل الأنبياء فقراء، وليس كل الصالحين أشقياء مجردون من الدنيا، فقد كان في الأنبياء ملوك (داود وسليمان)، وكان منهم من يلتحف السماء (عيسى عليه السلام)؛ وكان من الصحابة عثمان بن عفان في غناه وحب الناس له وقوته على قراءة القرآن والذكر... مَنَّ الله عليه بالنعماء في العطاء الدنيوي والأخروي، وكان منهم أبو ذر. وقد قال عثمان قولته: ما كان يرجوه عمر بزهده أرجوه بمالي. فليس فضل الله في الغنى ولا فضل الله في الفقر بل في أن تكون ذاكرًا منشغلًا بما أراد الله منك، وبما يحب أن يراك عليه. ( {فَأَمَّا ٱلۡإِنسَٰنُ إِذَا مَا ٱبۡتَلَىٰهُ رَبُّهُۥ فَأَكۡرَمَهُۥ وَنَعَّمَهُۥ فَيَقُولُ رَبِّيٓ أَكۡرَمَنِ١٥وَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبۡتَلَىٰهُ فَقَدَرَ عَلَيۡهِ رِزۡقَهُۥ فَيَقُولُ رَبِّيٓ أَهَٰنَنِ١٦ كَلَّاۖ بَل لَّا تُكۡرِمُونَ ٱلۡيَتِيمَ١٧وَلَا تَحَٰٓضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلۡمِسۡكِينِ١٨} [الفجر] ويشترك المقربون في الأنس بالله وما يشمله ذلك من الراحة والطمأنينة وتيسير الحال.

المقولة الرابعة: لا تعط الله خطة عمل.

يحوِّل بعضهم فهمه هو للوحي (كتاب وسنة) إلى حقائق، ثم يبحث عن تحقيقها في أرض الواقع، ومن أشهر ما يُستحضر هنا الخطاب السلفي الدعوي (السلفية العلمية) في التسعينات. كان بعضه ينذر الناس بعذاب الله، يقول: بأن الناس قد استوجبوا العقاب، فهم سمَّاعون للكذب (الإشاعات) أكالون للسحت (الربا) ولابد أن تصيبهم السنن الربانية، وبعضه على النقيض تمامًا، يبشر الناس بأنهم على أعتاب خلافة على منهاج النبوة. وحين تدقق النظر في حال الفريقين تجد أن كلَّ واحدٍ قد استحضر من الشريعة ما يوافق شخصه هو أو ما يوافق مصلحته، فلم تكن أسواق الكاسيت (وكانت بالملايين) تستقبل المنذرين (المتشائمين حسب تعبيرهم). وفي الاعتقال الأول (2014) كانوا يسألونني (باعتبار أنني متخصص علوم سياسية): عن الحال ومتى سنعود؟، وكنت أقول: إننا على أعتاب الأزمة ولم تشتد بعد، وأن البشرى فردية فعلى كل أن يشتد تضرعًا إلى ربه ليفرج عنه وعن غيره من المسلمين فالدعاء ينفع مما وقع ومما لم يقع كما في الحديث. وفي الاعتقال الرابع(2019) تحدث إلي أحدهم يواسيني-وهو يظن أن حبسي سيطول- بأن كل الرؤى أجمعت على أن عام 2019 هو عام الحسم ضد الظلم، فدعوت له بخير، وكدت أحدثه بأن الرؤى تجمع على هذا كل عام، ولكني خشيت أن يفهم أنه طعن في المبشرات التي تأتي من خلال الرؤية، وهو حق جاءت به السنة. المقصود هنا هو الانتباه إلى أن كل واحد ينسج من الشريعة ما يناسب شخصه أو مصلحته وينتظر من الله أن يسير على خطته هو، تعالى الله علوًا كبيرًا. على المتلقي أن يكون يقظًا، وأن لا يختان نفسه هو الآخر فإن كل واحدٍ من العوام ينتقي من يتبعه.. يختار تبعًا لما يحب، ولذا ( {قَالَ لِكُلّٖ ضِعۡفٞ} ) (الأعراف:38).

المقولة الخامسة: التغيير عمل أجيال.

لم يشأ الله أن يتم تغيير واقع الناس بشخص واحد، بمعنى أن تبدأ وتنتهي دورة التغيير في حياة فرد واحد، ولا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فالتغيير عمل أجيال، وقد قبض رسول الله- صلى الله عليه وسلم-  وقد ارتدت العرب، ووقف بعض المرتدين أدعياء النبوة (طلحة الأسدي) بجيشٍ على أبواب المدينة يريد غزوها، وليس فيها جيش الصحابة وقتها (خرج الجيش منها للشام بقيادة أسامة بن زيد)، كان مقتضى الحال أن يبقى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قليلًا، وخاصة أنه كان على الستين بكامل صحته (توفي صلى الله عليه وسلم وهو ابن 61 ميلادي/ 63 هجري)، ولكن لحق بالرفيق الأعلى وأَكمل السير أصحابه، وقبض الصحابة وأكمل التابعون، وظل السير بالدعوة على قدر تمسك الناس بدينهم لا على أشخاص بأعينهم.  كان دور كل شخص محدودًا. وعند تدقيق النظر في مفردات حياة النبي- صلى الله عليه وسلم- والخلفاء وكبار الصاحبة والتابعين، أولئك الذي رضي الله عنهم وأمرنا بالاقتداء بهم ( {وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلۡأَوَّلُونَ مِنَ ٱلۡمُهَٰجِرِينَ وَٱلۡأَنصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحۡسَٰنٍ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُ وَأَعَدَّ لَهُمۡ جَنَّٰتٍ تَجۡرِي تَحۡتَهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدًاۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} )(التوبة:100)، ( {فَإِنۡ ءَامَنُواْ بِمِثۡلِ مَآ ءَامَنتُم بِهِۦ فَقَدِ ٱهۡتَدَواْۖ وَّإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّمَا هُمۡ فِي شِقَاق} ) (البقرة:137). نجدهم مشغولين بأنفسهم كليًا إلا حين يوسد إليهم شيئٌ من أمر الناس (ولاية/ خدمة عامة)، وحتى الولاة كانوا يصرفون نصف وقتهم على الأقل للعبادة الخاصة (الصلاة بالليل، وقراءة القرآن، والذكر آناء الليل وأطراف النهار). ولذا وصفهم الله بقوله ( {تَرَىٰهُمۡ رُكَّعا سُجَّدًا يَبۡتَغُونَ فَضۡلا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰناۖ سِيمَاهُمۡ فِي وُجُوهِهِم مِّنۡ أَثَرِ ٱلسُّجُودِۚ} )(الفتح:29)؛ فالعبادات الشخصية، ومحدودية الدور (التخصصية) الذي ينفع به الناس، وتراكمية العمل، كان هو الأبرز في حياة كل من ترك أثرًا في حياة الناس، وهذا هو المفقود الآن. فعامة الحاضرين أهمل في العبادات الشخصية ولا يؤدي دورًا محددًا متقنًا. ولذا نتحرك سريعًا بلا فائدة تذكر.

 

والمحصلة: أن على كل واحدٍ أن ينشغل بتحقيق العبودية على مستوى شخصه هو، والحد الأدنى منها-على مدار اليوم أعني-: الصلوات الخمس بسننها، والأذكار طرفي النهار، وصلاة الليل، وورد من القرآن، والله يقسم أرزاقه كما يشاء، يعطي ما شاء من شاء. علمًا، وفهمًا، وحفظًا، وعملًا، ومالًا، وملكًا، وبنين وحفدة. وكل الطائعين يحصلون على السعادة، وهي الراحة والطمأنية، وهي الرضا وانشراح الصدر،  {مَنۡ عَمِلَ صَٰلِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٌ فَلَنُحۡيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةً طَيِّبَة}  (النحل:97)، ( {ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَطۡمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكۡرِ ٱللَّهِۗ أَلَا بِذِكۡرِ ٱللَّهِ تَطۡمَئِنُّ ٱلۡقُلُوبُ} ) (الرعد:28)، والسعادة (الراحة والطمأنية) مطلب الجميع درى أم لم يدر. ثم الجنة في الآخرة، وهذا هو الفوز العظيم. ( {فَمَن زُحۡزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدۡخِلَ ٱلۡجَنَّةَ فَقَدۡ فَازَۗ وَمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا مَتَٰعُ ٱلۡغُرُورِ} ) (آل عمران:185). وأن يتخصص في شيء ينفع به الناس، علمًا أو حرفةً. وقبل سنوات طرحت سؤالًا هذا نصّه: كيف تعمر الأرض بمن لا يستهدف عمارتها؟.. كيف تعمر الأرض بالعابدين؟ وأجبت عليه في مقالٍ هذا رابطه، لمن شاء أن يستزيد:

https://ar.islamway.net/article/74691/%D9%83%D9%8A%D9%81-%D8%AA%D8%B9%D9%85%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1%D8%B6-%D8%A8%D9%85%D9%86-%D9%84%D8%A7-%D9%8A%D8%B3%D8%AA%D9%87%D8%AF%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D8%A7%D8%B1%D8%A9?__ref=search

محمد جلال القصاص