حلاوة العباد ولذتها-2

منذ 2020-03-04

للصلاة حلاوة يجدها من جاهد نفسه للتنعم بها, قال محمد بن المنكدر رحمه الله : كابدت الصلاة عشرين سنة, وتنعمت بها عشرين سنة.

 

حلاوة الصلاة

للصلاة حلاوة يجدها من جاهد نفسه للتنعم بها, قال محمد بن المنكدر رحمه الله : كابدت الصلاة عشرين سنة, وتنعمت بها عشرين سنة.

من رام حلاوة الصلاة, فينبغي له أن يؤديها بخشوع وطمأنينة, بجميع أركانها, وواجباتها, وسننها, وشروطها, وعند ذاك سيجد حلاوة الصلاة, قال العلامة ابن القيم رحمه الله : الصلاة..من أدى حقها, وأكمل خشوعها, ووقف بين يدي الله تعالى بقلبه وقالبه, فهذا إذا انصرف منها وجد خفة من نفسه, وأحس بأثقالٍ قد وضعت عنه, فوجد نشاطاً وراحةً, حتى يتمنى أنه لم يكن خرج منها, لأنها قرةُ عينه, ونعيمُ روحه, وجنة قلبه, ومُستراحُه في الدنيا, فلا يزال كأنه في سجن وضيق حتى يدخل فيها, فيستريح بها, لا منها, فالمُحبُّون يقولون : نصلي فنستريح بصلاتنا, كما قال إمامهم وقدوتهم ونبيهم صلى الله عليه وسلم : ( يا بلالُ أرِحنا بالصلاة ) ولم يقل أرحنا منها, فمن جعلت قرة عينه في الصلاة, فكيف تقر عينه بدونها وكيف يطيق الصبر عنها.؟

وقال العلامة محمد بن صالح  العثيمين رحمه الله : إذا قمت تصلى وأنت صافي القلب بعيداً من الدنيا, مقبلاً على الله, تجد في هذه الصلاة محبة الله ولذة عظيمة تنسيك الدنيا كلها, لأنك لا تجد شيئاً ألذّ من محبة الله سبحانه وتعالى, وقال : الإنسان إذا أدى الصلاة بخشوع وحضور قلب, فإنه يجد من نفسه وهو ساجد أو يشعر وهو ساجد أنه قريب من الله يدعوه ويناجيه وهو أيضاً يشعر بأن الله تبارك وتعالى فوق كل شيء أنه قريب منه, وأنه فوق كل شيء.

حلاوة قراءة القرآن وتدبره وفهم معانيه

لقد اجتهد سلف الأمة في تلاوة القرآن الكريم, وتدبره, وفهم معانيه , حباً لكلام الله وتلذذاً بتلاوته, فلتلاوة لقرآن الكريم وتدبر معانية حلاوة ولذة, والإكثار من تلاوته وترديده يزيده حلاوة ومحبة, قال الإمام السيوطي رحمه الله في وجوه إعجاز القرآن: منها إن قارئه لا يمله, وسامعه لا يمجه, بل الاكباب على تلاوته يزيده حلاوة,  وقال العلامة ابن القيم رحمه الله : فقراءة آية بتفكر وتفهم خير من قراءة ختمه بغير تدبر وتفهم, وأنفع للقلب وأدعى إلى حصول الإيمان وذوق حلاوة القرآن, وقال الإمام الزركشي رحمه الله : قال الخطابي : وقلتُ في إعجاز القرآن وجهاً آخر, ذهب عنه الناس, فلا يكاد يعرفه إلا الشاذ في آحادهم, وهو صنيعة في القلوب, وتأثيره في النفوس, فإنك لا تسمع كلاماً غير القرآن منظوماً ولا منثوراً إذا قرع السمع خلص له إلى القلب من اللذة والحلاوة في حال, ومن الروعة والمهابة في حال أخرى, ما يخلص منه إليه, قال الله تعالى :  { لو أنزلنا هذا القرآن على جبلٍ لرأيته خاشعاً مُتصدعاً من خشية الله } [الحشر:21] وقال تعالى :  {الله نزل أحسن الحديث كتاباً مُتشابهاً مثاني تقشعرُّ منه جُلُود الذين يخشون ربهم }  [الزمر:23]

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله : كان داود الطائي يترنم بالآية في الليل, فيري من سمعه أنَّ جميع نعيم الدنيا جُمِعَ في ترنُّمه, وقال أحمد بن أبي الحواري : إني لأقرأُ القرآن, فأنظر فيه آية آية, فيحار فيها عقلي, وأعجبُ من حفاظ القرآن, كيف يهنيهم النوم, ويسعهم أن يشتغلوا بشيءٍ من الدنيا, وهم يتلون كلام الله !! أما لو فهموا ما يتلون وعرفوا حقه, وتلذذوا به, واستحلوا المناجاة به, لذهب عنهم النوم فرحاً بما قد رزقوا.

وقال ابن القيم رحمه الله:كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم إذا اجتمعوا واشتاقوا إلى حادٍ يحدُو بهم ليطيب لهم السيرُ, ومُحركٍ يُحرِّك قلوبهم إلى محبوبهم, أمروا واحداً منهم يقرأ والباقون يستمعون, فتطمئن قلوبهم, وتفيض عيونهم ويجدون من حلاوة الإيمان أضعاف ما يجده السماعاتية من حلاوة السماع

وحلاوة القرآن تكون لأصحاب القلوب الطاهرة, قال أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه : لو طهرت قلوبنا لما شبعت من كلام الله, وقال العلامة ابن القيم رحمه الله : قول الله تعالى :  {إنه لقرآن كريم * في كتب مكنون * لا يمسه إلا المطهرون}  [الواقعة:97-99] فحقيقة هذا أنه لا يمسُّ محله إلا المطَّهر, وإشارته أنه لا يجد حلاوته ويذوق طعمه ويباشر حقائقه, إلا القلب المطهَّر من الأنجاس والأدناس"

وقد حذر السلف رحمهم الله من أنه سوف يأتي على الناس زمان, يقرأ الناس القرآن, لا يجدون له حلاوة, قال الإمام ابن رجب رحمه الله : عن حذيفة قال : يوشك أن يُدرس الإسلام, كما يدرس وشي الثوب, ويقرأ الناس القرآن لا يجدون له حلاوة, وعن أبي العالية قال : سيأتي على الناس زمان, تخرب فيه صدورهم من القرآن, وتبلى كما تبلى ثيابهم....لا يجدون له حلاوة, ولذاذة"

وقد يحرم العبد لذة وحلاوة القرآن إذا قرأ القرآن بغير تدبر, قال الإمام الزركشي رحمه الله : من لم يكن له علم وفهم وتقوى وتدبر لم يدرك من لذة القرآن شيئاً.

وقد يحرم حلاوة القرآن بسبب سماع الغناء, قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : القلب إذا تعود سماع القصائد والأبيات وألتذَّ بها, حصل له نفور من سماع القرآن والآيات, فيستغني بسماع الشيطان عن سماع الرحمن.ويمنع قلوبهم حلاوة القرآن وفهم معانيه وإتباعه.

حلاوة قيام الليل

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله : كان أبو سليمان يقولُ : أهلُ الليل في ليلهم ألذُّ من أهل اللهو في لهوهم, ولولا الليلُ ما أحببتُ البقاء في الدنيا.

وقال أبو زيد معضد العجلي رحمه الله : لولا ظمأ الهواجر وطول ليل الشتاء ولذاذة التهجد بكتاب الله عز وجل ما باليت أن أكون يعسوباً.

قال ثابت البناني رحمه الله : ما شيء أجده في قلبي ألذ عندي من قيام الليل.

قال الشيخ بدر بن ناصر البدر عن سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم : قد بلغوا رحمهم الله تعالى, في هذا مبلغاً عظيماً, حين أحبوا قيام الليل للصلاة, وتلاوة القرآن, والدعاء, لما يجدون في ذلك من الأنس ولذة التلاوة, وحلاوة المناجاة, واشتاقوا إلى قدومه حيث يجدون فيه راحتهم وسعادتهم, ويسألون الله تعالى المزيد من فضله, وألا يحرمهم هذا الخير الذي وفقوا له, وأعينوا عليه, وقد حرمه آخرون"

حلاوة الدعاء والمناجاة

الدعاء إذا كان من قلب مخلص, صادق, منكسر, فله حلاوة ولذة, قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : قال بعض الشيوخ : إنه ليكون لي إلى الله حاجة فأدعوه فيفتح لي من لذيذ معرفته, وحلاوة مناجاته, ما لا أحبُّ معه أن يعجل قضاء حاجتي, خشية أن تنصرف نفسي عن ذلك, لأن النفس لا تريد إلا حظها, فإذا قضي انصرفت, وقال ابن القيم رحمه الله : وربما يُفتحُ على قلبه, حال السؤال من معرفة الله ومحبته والذلِّ له, والخضوع, والتملق ما ينسيه حاجته, ويكونُ ما فُتح له من ذلك أحبَّ إليه من حاجته, بحيث أن تدوم له تلك الحال, وتكون آثر عنده من حاجته وفرحه بها أعظم من فرحه بحاجته, لو عُجلت له وفاته ذلك

حلاوة طلب العلم الشرعي

لطلب العلم الشرعي حلاوة ولذة, لا يعرفها إلا من وفقه الكريم إليها, قال الذهبي رحمه الله قال ابن فارس اللغوي سمعت ابن العميد يقول : ما كنتُ أظن أن في الدنيا حلاوة ألذ من الرئاسة والوزارة التي أنا فيها, حتى شاهدت مذاكرة أبي القاسم الطبراني وأبي بكر الجعابي بحضرتي, فكان الطبراني يغلب أبا بكر بكثرة حفظه وكان أبو بكر يغلبه بفطنته وذكائه حتى ارتفعت أصواتهما ولا يكاد أحدهما يغلب صاحبه فقال الجعابي عندي حديث ليس في الدنيا إلا عندي فقال: هات فقال: حدثنا أبو خليفة الجمحي حدثنا سليمان بن أيوب وحدث بحديث فقال الطبراني : أخبرنا سليمان بن أيوب ومني سمعه أبو خليفه فأسمع مني حتى يعلو فيه إسنادك, فخجل الجعابي فوددت أن الوزارة لم تكن وكنت أنا الطبراني وفرحت كفرحه, أو كما قال

وقال ابن القيم رحمه الله: السعادة الحقيقية هي سعادة نفسانية روحية قلبية وهي سعادة العلم النافع وثمرته فإنها هي الباقية على تقلب الأحوال والمُصاحبة للعبد في جميع أسفاره, وفي دوره الثلاثة, أعنى دار الدنيا, ودار البرزخ, ودار القرار, وبها يترقى في معارج الفضل ودرجات الكمال..وهذه السعادة لا يعرف قدرها ويبعث على طلبها إلا العلم بها.وإنما رغب أكثر الخلق عن اكتساب هذه السعادة وتحصيلها لوعورة طريقها ومرارة مباديها وتعب تحصيلها وأنها لا تنال إلا على جسر من التعب فإنها لا تحصل إلا بالجدِّ المحض.وهذه السعادة وإن كانت في ابتدائها لا تنفك عن ضرب من المشقة والكره والتأذي, فإنها متى أكرهت النفس عليها, وسيقت طائعة وكارهة إليها, وصبرت على لأوائها وشدَّتها, أفضت منها إلى رياض مؤنقة, ومقاعد صدق ومقام كريم, تجدُ كلَّ لذَّة دونها كلذَّة لعب الصبي بالعصفور بالنسبة إلى لذَّة الملوك.

حلاوة العفو عن الإساءة

للعفو عن الإساءة حلاوة ولذة, قال العلامة ابن القيم رحمه الله : أن يشهد أنه إذا عفا وأحسن, أورثه ذلك سلامة القلب لإخوانه, ونقائه من الغش, والغل, وطلب الانتقام, وإرادة الشر, وحصل له من حلاوة العفو, ما يزيد لذته ومنفعته عاجلاً أو آجلاً, على المنفعة الحاصلة له بالانتقام أضعاف مضاعفة, ويدخل في قوله تعالى :  {والله يحبُّ المُحسنين  } [آل عمرن/134] فيصير محبوباً لله ويصير حالًه حال من أُخذ منه درهم فعُوض عليه ألوفاً من الدنانير فحينئذ يفرح بما منَّ الله عيه أعظم فرحاً يكون.

حلاوة العفة

للعفة عن ما حرم الله : لذة وحلاوة, قال العلامة ابن القيم رحمه الله بعد أن ذكر قصص طائفة عفَّوا عن الحرام : وهذه الطائفة لعفتهم أسباب....لذة الظفر بالعفة, فإن للعفة لذةً أعظم من لذة قضاء الوطر, لكنها لذة يتقدمها ألمُ حبس النفس, ثم تعقبها اللذة"

حلاوة العطاء

بعض من وفقه الله للخير, يجد لذة وحلاوة لإعطاء الآخرين مما أعطاه الله من فضله وجوده, من : صدقة بمال, أو تعليم علم, أو شفاعة بجاه, أو نصحٍ وإرشاد, أو تقديم استشارة, ونحوها, فلا يرتاح إلا إذا بذل وأعطى لله, وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء, ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله عن أحد السلف أنه قال : إنِّي لأفرح بالعطاء, وألتذُّ به أعظم مما يفرحُ الأخذُ بما يأخذه مني.

                                    كتبه/ فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ