بنيتي رسائل محبة وشفقة - المقدمة

منذ 2020-03-15

وإذا كان هذا حدث بعد سنوات من وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام، فقد تغيَّرتْ أحوال النساء الآن تغيُّرًا كبيرًا، فالثبات الثبات يا بُنية على تعاليم الإسلام وأحكامه وآدابه، ففيها النجاة والسلامة في الدنيا والآخرة، وأبدأ برسائلي إليكِ

{بسم الله الرحمن الرحيم }

إلى بُنيَّتي وفلذة كبدي، إلى مُهجة عيني وقُرَّة فؤادي، إلى من أعزَّها الله بالإسلام، وكانت من قبله من سَقَطِ المتاع، إلى من عدَّ الإسلام تربيتها والصبر عليها من أسباب دخول الجنان، والنجاة من النيران، إلى من جعل الإسلام من قُتِلَ دِفاعًا عنها من الشهداء، إلى من يتنافس من ينتسبون للإسلام لحِفْظِها من كيد الفجَّار وشرِّ الأشرار، إلى عقيلة النساء، وجالبة الأصهار، وحاضنة الأبناء، ومربية الأجيال.

إلى بُنيَّتي التي أدعو لها دائمًا بالحفظ والصلاح والستر والعفاف، أبدأ رسالتي إليك بأن أُحيِّيكِ بتحية الإسلام، بتحية أهل الجنة: فالسلام عليكِ ورحمة الله وبركاته، أما بعد:

فأسأل الله الرحمن الرحيم، الجَوَاد الكريم، كما جمعنا في هذه الحياة الدنيا أن يجمعَنا ووالدينا وأحبابنا في أعلى جنات النعيم، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدِّيقين والشهداء والصالحين، وبعد: فهذه رسائل إليكِ ملؤها المحبَّة والشفقة، أسأل الله الكريم فيها الإعانة والتوفيق والسداد لقول الحق، فأبدأُ مُستعينًا بالله:

لقد وضع الله جلَّ جلالُه في قلب الوالدين وخصوصًا الأمهات الرحمة بالأبناء؛ فقلوبهن تمتلئ شفقةً وحنانًا على أبنائهن، فهذه أمُّ إسماعيل زوج أبينا إبراهيم عليهما السلام، يضعها إبراهيم مع ابنها إسماعيل عند البيت فوق زمزم، ويضع عندها جرابًا فيه تمْرٌ، وسِقاءً فيه ماء، حتى إذا نفد ما في السِّقاء عطِشَتْ وعطِشَ ابنُها، وجعلت تنظُر إليه يتلوَّى، فانطلقت تسعى بين الصفا والمروة كراهية أن تنظر إليه وهو يتلوَّى من العطش.

وها هي أم المؤمنين عائشة بنت الصديق رضي الله عنهما تقول: دخلتْ عليَّ امرأةٌ معها ابنتان لها تسأل، فلم تجد عندي شيئًا غير تمرة، فأعطيتُها إيَّاها، فقسمتْها بين ابنتيها، ولم تأكُل منها، ثم قامتْ وخرجتْ، قال أهل العلم: هذا الحديث فيه عجائب، منها: الرحمة العظيمة في هذه المرأة؛ فإنها إن قسمت التمرة أثْلاثًا ضعُف نصيبُ كل واحدة، وإن أعطتْها واحدةً دون الأخرى صار في ذلك جُور، فما بقي إلا أن تُؤثِرَ ابنتيها على نفسها، وتشُقُّ التمرة بينهما نصفين.

وهذا أبو هريرة رضي الله عنه، يقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال واصفًا نساء قريش أنهن:  «خيرُ نساء ركبْنَ الإبل: صالحُ نساء قريش، أحْناه على ولدٍ في صِغَرِه» .

وقد ذكر أهل التفسير: أن امرأة لها صبيٌّ صغيرٌ من قوم نوح لم تؤمِنْ به، فلما جاء الطوفان الذي أغرق أهل الأرض جميعًا، ونبَع الماء، وصار في السكك، خشيتْ أمُّ الصبي على صبيِّها، وكانت تحبُّه حبًّا شديدًا، فخرجتْ إلى الجبل حتى بلغَت ثُلُثَه، فلما بلغها الماءُ ارتفعتْ حتى بلغت ثُلُثيه، فلما بلغها الماء، خرجت به حتى استوت على الجبال، فلما بلغ الماء رقبتها رفعته بيديها، لكنهما غرقا جميعًا.

فإذا كان والداك هما أكثر الناس شفقةً عليكِ، فأرعي سمعَكِ جيدًا لما يقولان لكِ، فهما لا يأمُران إلا بخيرٍ، ولا ينهيان إلا عن شرٍّ:

بُنيَّتي: الدنيا تتغيَّر وتتبدَّل سريعًا, وقد أشار إلى هذا رسولُنا صلى الله عليه وسلم عندما وعظ أصحابه رضي الله عنهم موعظةً بليغةً وجِلَتْ منها قلوبُهم، وذرفَتْ منها دموعُهم، فقالوا: يا رسول الله كأنها موعظة مودِّع فأوصِنا، فقال عليه الصلاة

والسلام: «أوصيكم بتقوى الله، والسَّمْع والطاعة، وإنْ تأمَّر عليكم عبدٌ حبشيٌّ؛ فإنه من يعِشْ منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا» ؛ قال أهل العلم: فيه من معجزاته صلى الله عليه وسلم: الإخبار بما يقع بعده من كثرة الاختلاف وغلبة المنكر.

ولقد تغيَّرت الدنيا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم في كلِّ شيءٍ، في الاعتقادات، والأعمال، والأقوال، ولقد اختلفت أحوالُ الناس، وتغيَّرت فتبَدَّلت أحوالهم تبدُّلًا كاملًا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بمدد متفاوتة.

وممَّا تغيَّر بعده حال النساء، فقد قالت أمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ما أحدث النساء لمنعهن المساجد"، قال أهل العلم: قولها: "ما أحدثَ النساء" من الزينة والطيب وحُسْن الثياب؛ ولهذا عندما حدَّث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما بحديث الرسول عليه الصلاة والسلام: ((لا تمنعُوا نساءكم المساجدَ إذا استأذَنَّكم إليها))، قال بلال بن عبدالله رضي الله عنهما: "والله لَنَمْنَعهُنَّ" قال أهل العلم: ليس قصْدُه ردَّ الحديث، لكن قصده أن الأمر تغيَّر، وأن النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يخرجْنَ بلباس الحشمة، بعيدات عن التبرُّج والطيب، وأن الوقت قد تغيَّر.

وإذا كان هذا حدث بعد سنوات من وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام، فقد تغيَّرتْ أحوال النساء الآن تغيُّرًا كبيرًا، فالثبات الثبات يا بُنية على تعاليم الإسلام وأحكامه وآدابه، ففيها النجاة والسلامة في الدنيا والآخرة، وأبدأ برسائلي إليكِ:

 
المقال التالي
الرسالة الأولى