هذه النوعية من النساء تكفي!!

منذ 2020-05-02

إن كثيرًا من مشاكلنا تنتهي إن أطعنا ربنا وزوجنا الطيبات للطيبين، وأكرمنا المرأة، ووضعت مناهج لرفع مستوى النساء من بيوت آبائهم تربويًا

بسم الله الرحمن الرحيم
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
بعد فتح مكة ودخول الناس في دين الله أفواجًا إحْلَوْلَوَتْ النبوة في عين عباد السلطة، فخرج في كل ناحية دَعيٌّ يطلب الأتباع بادعاء النبوة، يظن أن مجرد الادعاء يكفي. مسيلمة الكذاب، وطلحة الأسدي، والأسود العنسي وسجاح. والأدعياء الكذبة يقتلون كما جاء منسوبًا للمسيح عليه السلام. ودارت الأيام تموج بالصالحين والطالحين يدفع بعضُهم بعضًا كلٌ يطلب ما يحب ويدفع ما يبغض، وقتل الله الأسود العنسي بلا جيش ولا عتاد.. قتله رجل بمعاونة نفر من أقربائه، ونزل الوحي من السماء يخبر النبيَّ بهلاك الأسود العنسي، وأخبر النبيُّ، صلى الله عليه وسلم، أصحابه الخبر بكلماتٍ حُفرت في خاطري منذ قرأتُها صبيًا، قال، صلى الله عليه وسلم،: " قتله رجل مبارك من أهل بيت مباركين". وقفت طويلًا عند وصف النبي، صلى الله عليه وسلم،  لهذا الرجل الكريم بأنه مبارك من بيت مبارك. والمشهد الذي رُسم بخاطري واتكأ ولم يرحل هو أن هذا الرجل حديث عهد بالإسلام ويوصف من رسول الله، صلى الله عليه وسلم؛ بأنه مبارك ومن بيتٍ مبارك. فقلت: هذا أثر المعدن الثمين. والناس معادن كما جاء في الحديث. ومن يومها وأنا أقول: اللهم بيتًا مباركًا.  إن تسعة أعشار ما يظهر على أحدنا سببه المباشر الصفات الوراثية، والبيئة التربوية تظهر طبيعة المعدن ولا تنشئه، فالفرد يستقبل من معطيات التربية ما يناسب معدنه، وقد تلقى الوحي من آمن به وتلقاه من شقي به، وهذا المعنى كثير في كتاب الله، يقول الله تعالى: " {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ۖ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} "(فصلت:44).

وبعد أن استقر المسلمون في الشام ركبوا البحر يبلغون رسالات ربهم، ويزيحون الطواغيب ليختار الناس بحرية بين الإيمان والكفر ( {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} )، وأتم الله لهم فتح قبرص، وجاءوا بالأسارى إلى دار الخلافة (دمشق)، وكان من بين الأسرى راهب قد تمكن من علم النصرانية. عَرَفَهُ أحد نصارى الشام، فاشتراه من المسلمين بثمن بخس دراهم معدودات، وأخذه لبيته وأكرم مثواه وجعله معلمًا خاصًا لولديه.
اتخذ لأولاده معلمًا خاصًا رفيع المستوى؛ وجلس هذا الذي تمكن من "علمٍ" مع الغلامين، فكان أحدهم أحد أسوأ من عرف التاريخ ضد المسلمين (يوحنا الدمشقي).

حُفرت هذه القصة بخاطري، فاتكأ مشهد  "يوحنا الدمشقي" وهو يتعلم من أمهر أهل زمانه، وليس فقط يتعلم بل يعايشه طول الوقت، وأبوه وهو يقتنص الفرصة ليعلم أبناءه على يد أفضل المعلمين. وقرأت بعد ذلك أن هكذا تفعل الأسر الغنية (المرتاحة) يرحل أبناؤهم للمدارس الراقية أو يأتون بمربيات بمواصفات خاصة جدًا لأبنائهم.

والأم تكفي. وذلك أنها إن كانت حسيبه نسيبه تمدك بمعدن ثمين نفيس، وإن كانت مُعلَّمة وأُكرمت كرم الرجال (باللسان واليد وحسن العشرة) عَلَّمت أبناءها أو أشرفت على تعليمهم. والمشكلة  تأتي من أن السائد اليوم هو الاختيار على الدخل المادي.. يسر الحال. فيطلبها من أسرة غنية، أو موظفة ذات راتب شهري، ومن يختار هكذا يصعب أن يحصل على أسرة مباركة، وذلك أنه إن كانت المرأة مجهدة (عاملة) فإنها لا تستطيع تربية أبنائها وتعليمهم أو الاشراف على تعليمهم، والذي يحدث عمليًا هو أن الأبناء يسلمون كليًا لمؤسسات العلمانية ويحدث ما يشتكي منه أكثرنا، والكل يطالب بمحاضن تربوية، ومن أين والكل يجري وراء تحصيل الرفاهية؟!

وتأتي المشكلة-أيضًا- من اعتقاد بعض الذكور أن المرأة هي المسئولة الأولى والأخيرة عن العلمية التربوية والتعليمية، فيطالبها بالمساعدة في نفقات البيت، والقيام بحاجة الزوج، وحاجة الأبناء، ثم تربية وتعليم الأبناء!!
ويحدث العكس ، بمعنى أن بعض النساء يفسر نجاح بعض التجارب التربوية بوجود رجل في البيت ذو رؤية  وقدرة على الضبط والتوجيه، وكثير من التجارب الناجحة قامت بأم وحدها، ونقول: أم الإمام مالك، وأم الشافعي، وأم أحمد بن حنبل، وغيرهن كثيرات، والله حيي كريم لا يرد سائلًا، وفضله واسع.
وأمرُّ ما في المشهد الأسري أن يتم تجاهل عملية إعداد الزوجة والزوج للعمل التربوي. يباشرون مباشرة العمل التربوي دون سابق إعداد، ولذا يتوقفون أو تكون النتائج محدودة، لابد من عملية إعداد.

إن كثيرًا من مشاكلنا تنتهي إن أطعنا ربنا وزوجنا الطيبات للطيبين، وأكرمنا المرأة، ووضعت مناهج لرفع مستوى النساء من بيوت آبائهم تربويًا، ومن ثم توجيههم إلى مهماتهم الأساسية تربية الأبناء أو الإشراف على تربيتهم.
محمد جلال القصاص
رمضان1441ه
إبريل2020