رمضان و مؤشر الإيمان
قال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه لبعض أصحابه (تعالوا نؤمن ساعة .. قالوا وما نفعل في تلك الساعة قال نذكر الله فنزدد إيماناً ولعل الله تعالي أن يذكرنا بمغفرته)
أما بعد فيقول رب العالمين سبحانه:-
{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا }
وفي صحيح السنة من حديث أَنَس بن مالك رضي الله عنه أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإِيمانِ، أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمّا سِواهُما، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلاّ للهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ في الْكُفْرِ كَما يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ في النَّارِ»
أيها الإخوة المؤمنون أحباب رسول الله صلي الله عليه وسلم إن أعظم النعم وأكرم المنن التي هدانا الله تعالي إليها هي نعمة الإيمان ..
فصحة الأعمال وقبول الأعمال مرهون علي الإيمان {وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا}
وسعادة الدنيا مرهونة بالإيمان {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} .
والفوز بالجنة في الآخرة ثمرة من ثمار الإيمان {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا}
ونحن في رمضان ونحن في النهار بفضل الله صائمون :
نجد رباطا ووثاقا قويا بين صيامنا وبين الإيمان..
ونحن في رمضان ونحن في الليل بفضل الله قائمون نجد علاقة متينة بين قيامنا وبين الإيمان ..
هذا الرباط بين الصيام وبين الإيمان وبين القيام وبين الإيمان أحسبه والله أعلم لم يكن مصادفة وإنما هو رباط مقصود غايته والله أعلم أن نتنبه إلي ما يفعله الصيام في قلوبنا وما يفعله القيام إيماننا ..
قال النبي عليه الصلاة والسلام ( «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» )
وقال عليه الصلاة والسلام ( «من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ من ذَنْبه» )
وقال عليه الصلاة والسلام ( «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا فإنه يغفر له ما تقدم من ذنبه» )
للإيمان علاقته القوية بالصيام للإيمان علاقته المتينة بالقيام للإيمان علاقته الوثيقة بتحري ليلة القدر من رمضان .
هذا ماذا نفهم منه ؟؟
هذا نفهم منه أن مؤشر الإيمان في رمضان يصعد إلي الذروة مع صيام رمضان ومع قيام رمضان..
بمعني أن الإيمان في القلوب يشبه الكائن الحي يشبه العود الأخضر ..
عود أخضر قد ينبت ضعيفا لكنه يأكل ويشرب وينمو ويزهر ويقوي ويشتد اذا اعتني به صاحبه ..
وربما كانت الأخري ربما هذا العود الأخضر يضعف ويمرض ويذبل ويموت اذا أهمله صاحبه..
كذا الإيمان حاله ككائن حي أغلق عليه صاحبه وألقي المفتاح بالبحر فلا هو أطعمه ولا هو سقاه ولا هو تركه يأكل من خشاش الأرض . يرجع صاحبه إليه متي يرجع فإذا هو جثة هامدة .
كذا الإيمان في قلوبنا أيها المؤمنون قابل للزيادة وقابل للنقصان ..
كذا الإيمان في قلوبنا أيها المؤمنون :
قابل لأن يحي وقابل لأن يموت كذا الإيمان في قلوبنا أيها العقلاء قابل لأن يتجدد وقابل لأن يبلي ويتمزق كما الثوب القديم يبلي ويتمزق وأمرنا بأيدينا أيها المؤمنون ...
قال النبي عليه الصلاة والسلام ( « إن الإيمان ليَخْلَقُ فى جوف أحدكم كما يَخْلَقُ الثوب فاسألوا الله أن يجدد الإيمان فى قلوبكم » )
هذا الحديث الذي سمعتموه ( «إن الإيمان ليَخْلَقُ فى جوف أحدكم كما يَخْلَقُ الثوب فاسألوا الله أن يجدد الإيمان فى قلوبكم» ) ما معناه ؟
معناه أن الإيمان كلما أهمله صاحبه تضرر معناه أن الإيمان كلما غفل عنه صاحبه تمزق معناه أنك كلما أصبت ذنبا كلما اكتسبت سوء كلما وقعت بجرم كلما ضعف إيمانك وكلما انطفأ نور الإيمان في قلبك وكلما جفت منابع الإيمان في صدرك ..
قال النبي عليه الصلاة والسلام "إن العبد إذا أخطأ خطيئة نُكِت في قلبه نكتة، فإن هو نزع واستغفر وتاب صُقِل قلبه، فإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه، فهو الران الذي قال الله:
{ {كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} }
عند تفسير هذه الآية { { كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ } }
قال الحسن عليه رحمة الله هو الذنب على الذنب حتى يعمى القلب فيموت.
( {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} )
أما أن تعمل صالحا أما أن تصل رحما أما أن تبر والدا
أما أن تصوم يوما أما أن تعود لسانك ذكرا أما أن تركع وترفع أما أن تبذل معروفا فهذا ينعش الإيمان في قلبك ..
أن تنصر مظلوما أن تعين مغلوبا أن تكشف عن أحدهم هما أن تنفس عن أحدهم كربا هذا يجدد الإيمان في قلبك هذا يرمم إيمانك ..
فإذا كان الإيمان مع السيئات يذبل ويذبل ويموت فالإيمان مع الحسنات ومع الصالحات ومع البعد عن الذنوب والسيئات الإيمان ينمو وينمو ويحي ولا يموت :
( {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } )
قلت : وهذا الخير كله في رمضان :
فأبعد ما يكون المؤمن عن الذنوب والسيئات في رمضان وأبعد ما يكون عن فضول النظر في رمضان وأبعد ما يكون عن فضول الكلام في رمضان وأبعد ما يكون عن الكذب وعن الغش وعن الظلم وعن الغيبة وعن النميمة وعن قيل وقال وعن أذية الناس في رمضان فالشر كله تغلق أبوابه بفضل الله في رمضان وهذا من شأنه أن يجدد الإيمان في قلوبنا ..
قال النبي عليه الصلاة والسلام « «الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَإِذَا كَانَ أَحَدَكُمْ صَائِمًا فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ فَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ : إِنِّى صَائِمٌ» »
وفي المقابل أقرب ما يكون المؤمن من الحسنات والطيبات في رمضان
أقرب ما تكون إلي كتاب الله تلاوة وحفظا وعلما في رمضان
أقرب ما تكون من سنة النبي عليه الصلاة والسلام حبا وعملا في رمضان
وأقرب ما تكون للناس نافعا في رمضان ..
والصيام في رمضان والقيام في رمضان والدعاء في رمضان والذكر في رمضان والصبر في رمضان والاعتكاف في رمضان والزكاة في رمضان والصدقة عن النفس وعن الزوج وعن الوالد والولد في رمضان والمعروف كله يبذل في رمضان فالخير كله أبوابه تفتح بفضل الله في رمضان وهذا يجدد الإيمان في قلوبنا..
قال النبي عليه الصلاة والسلام ( «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» )
وقال عليه الصلاة والسلام ( «من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ من ذَنْبه » )
وقال عليه الصلاة والسلام ( «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا فإنه يغفر له ما تقدم من ذنبه » )
مع صيام كل يوم من أيام رمضان الإيمان ينمو
مع كل ركعة في قيام رمضان الإيمان يزيد مع كل آية من كتاب الله تقرأ الإيمان يتجدد مع كل تسبيحة مع كل تحميدة مع كل تهليلة مع كل تكبيرة ومع كل مجلس خير وعلم تزاحم إليه ومع كل صلاة تسعي إليها مؤشر الإيمان يعلو ويعلو ونور الإيمان في الوجه والقلب يزداد ..
وفي المقابل مع كل كلمة سوء تمسك عنها ومع كل نظرة حرام تغض الطرف عنها ومع كل أذية تكف عنها ومع كل نية خبيثة تنصرف عنها ومع كل سيئة تستعيذ بالله منها مؤشر الإيمان يعلو ويعلو ونور الإيمان في الوجه والقلب يزداد ..
( {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} )
أورد البيهقي في شعب الإيمان أن الْحَارِث بْن مَالِكِ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كان يمشي بطريق فمَرَّ به رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم فسأله فَقَالَ : «يَا حَارِثُ كَيْفُ أَصْبَحْتَ ؟ قَالَ أَصْبَحْتُ مُؤْمِنًا حَقًّا» ..
«فقَالَ النبي عليه الصلاة والسلام يا حارث انْظُرْ مَا تَقُولُ فإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةٌ فَمَا حَقِيقَتُكَ ؟ قَالَ يا رسول الله عَزَفَت نَفْسِي عن الدُّنْيَا عَنْ ، فقمت لَيْلِي وصمت نَهَارِي وَكَأَنِّيَ أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي بَارِزًا وَكَأَنِّيَ أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ فِيهَا وَكَأَنِّيَ أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ النَّارِ يَتَضَاغُونَ فِيهَا فقَالَ عليه الصلاة والسلام يَا حَارِثُ ، عَرَفْتَ فَالْزَمْ» .
صيام رمضان يجدد الإيمان
قيام رمضان يجدد الإيمان
تلاوة القرآن تجدد الإيمان
ذكر الله تبارك وتعالي يجدد الإيمان
مواساة الفقراء كفالة الأيتام رعاية الأرامل وذوي الحاجات
كل ذلك يجدد الإيمان
قال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه لبعض أصحابه (تعالوا نؤمن ساعة .. قالوا وما نفعل في تلك الساعة قال نذكر الله فنزدد إيماناً ولعل الله تعالي أن يذكرنا بمغفرته)
قلت :
ومن هذا نخلص إلي أن رمضان كله بليله ونهاره وبصيامه وقيامه وقرآنه ودعواته وصدقاته سبب لزيادة الإيمان وسبب لرضا الرحمن .....
نسأل الله تعالي أن يحبب إلينا الإيمان وأن يزينه في قلوبنا ....
محمد سيد حسين عبد الواحد
إمام وخطيب ومدرس أول.
- التصنيف: