هل استعد العرب لما بعد كورونا؟
من أبرز نتائج وباء كورونا سقوط التحالف الدولي الذي يحارب الإسلام منذ انهيار الاتحاد السوفيتي بأكثر من صيغة
يبدو أن معركة دول العالم لمواجهة كورونا ليست سهلة وستحتاج البشرية إلى مدة ليست بالقصيرة للوصول إلى المصل المضاد وتجريبه والتأكد من فعاليته، لكن للفيروس تداعيات أخرى لا تقل خطورة، تحتاج إلى دراسة واعية على أسس علمية، وواقعية لوضع تصورات عبقرية للحلول لتقليل حجم الخسائر.
لم يضرب كورونا -فقط - صحة الإنسان ويهاجم جهازه المناعي، وإنما ضرب الاقتصاد العالمي، وزلزل النظام الدولي، وهزم التحالفات العالمية والإقليمية القائمة على أسس مصلحية أنانية، وكشف ضآلة التفكير الإنساني الذي أنفق الثروات على تطوير الأسلحة للقتل والإبادة، وتصنيع أقمار التجسس لرصد حركة كل ما هو منظور.
فضح الوباء النظام الدولي الذي وقف عاجزا، وسقطت العولمة، وعادت الدول إلى حدودها وممارسة سيادتها وانشغلت كل دولة بمصيبتها، ولم تتصرف الدول الكبرى بمسؤولية، فالصين تتكتم على الحقائق وتتهم الجيش الأمريكي بالوقوف وراء انتشار الفيروس، وترامب يصف كورونا بـ " الصيني" ويدلي بتصريحات متضاربة ومضللة، ودول أوربا تمارس القرصنة وتسرق شحنات الأدوية والتجهيزات الطبية من بعضها!
لقد أثبت "كورونا" أن الأسلحة العسكرية وحدها لم تعد معيارا لقياس قوة الدول، وأن القنابل النووية والصواريخ ومداها وحمولتها وقوتها التدميرية أضعف من مواجهة فيروس لا يرى بالعين ولا ترصده الرادارات المتطورة، وفوجئ العالم من شرقه إلى غربه بأن البشرية أمام هجوم كاسح يجتاح الكرة الأرضية ويخترق قصور الحكم وليس له سلاح مضاد.
لقد تعرض العالم للكثير من الأوبئة على مدار التاريخ لكن حالة الذعر التي نعيشها هذه الأيام غير مسبوقة بسبب قوة الإعلام واقتراب الفيروس من كل إنسان، فالطاعون الأسود ( 1347 – 1350 م) تسبب في وفاة ما يتراوح بين 75 : 200 مليون إنسان في أوربا وأفريقيا، وتسببت الأنفلونزا الإسبانية ( 1918 – 1920 م) في وفاة 50 مليون نسمة في أنحاء العالم، وتسببت الأنفلونزا الآسيوية ( 1957 – 1958 م) في وفاة مليوني إنسان في الصين وسنغافورة.
رغم أن أرقام المصابين والضحايا حتى الآن أقل بكثير من ضحايا الأوبئة الشهيرة التي ضربت العالم فإن الرعب من الفيروس نتج عنه إجراءات صارمة على كل الأرض المعمورة، فتوقفت حركة المواصلات الجوية والبرية والبحرية وتم إغلاق الحدود وحصار المدن، وحبس الشعوب في المنازل، ونزلت الجيوش إلى الشوارع لفرض حظر التجوال في أغرب عملية عسكرية.
التداعيات الاقتصادية الأخطر:
تسبب الفيروس في خسائر اقتصادية هائلة للدول وللشعوب، فقد انهارت البورصات العالمية وفقدت الشركات أسهمها، وتسبب الإغلاق الكلي والجزئي في توقف عجلة الاقتصاد وتسريح قطاعات كبيرة من العمالة، ونتج عن حظر التجوال الإجباري والطوعي والتزام السكان في كل دول العالم بيوتهم وتضرر الكثير من الأسر.
وعندما قررت الحكومات اتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة كورونا تم تنفيذ الأجندة الأمريكية الرأسمالية الجشعة، واستمر نفس النهج الخاطيء الذي يحابي نسبة الـ 1% على حساب الغالبية الـ 99% والذي سيزيد من حجم الخسائر إن لم يتم التصحيح.
لقد ذهبت معظم المخصصات إلى تعويض رجال الأعمال والشركات الكبرى، وخصصوا القليل للرعاية الصحية، ولم ينظروا إلى المواطنين الأولى بالدعم، وهم ليسوا فقط الفقراء والعاملين باليومية وإنما كل طبقة الموظفين والعاملين الذي أنفقوا كل مدخراتهم لتحصين أنفسهم وعائلاتهم وتضاعف إنفاقهم على الدواء والغذاء بسبب الوباء.
الأزمة الأكبر التي سيدخل فيها العالم هي نقص الغذاء، فالإغلاق والخوف سينتج عنه تراجع التصنيع والزراعة، كما أن سياسات عزل الدول والمدن والشلل في حركة المواصلات سينتج عنها توقف حركة تدفق السلع والاحتياجات بين الدول، بل ستمتنع بعض الدول عن تصدير منتجاتها الزراعية والغذائية لتحقيق الاكتفاء الذاتي لشعوبها.
في ظل الأنانية الدولية التي ظهرت مع الضربات الأولى للفيروس فإن الدولة التي ستتأخر في وضع استراتيجية طويلة المدى لنفسها ستدفع الثمن غاليا، ولن تجد من يمد لها يد العون، وإن لم تضع خططها الوطنية لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء والضرورات الصحية ستنهار مع انفجار قنبلة الجائعين؛ فالناس قد يصبرون أسبوعين أو شهرين لكن لن يستطيعوا الصبر شهورا.
نظام دولي جديد:
كورونا رغم كل هذه الخسائر سيعيد رسم خارطة التوازن العالمي، وسينهي النظام الدولي الذي تشكل بعد الحرب العالمية الثانية، وكما كان شكل العالم يتغير بعد الحروب الكبرى فإن حرب كورونا لها تداعيات أكبر وأوسع، وهذه المرة فرصة المسلمين للفكاك من الهيمنة الغربية متاحة، إذا حدث التغيير المنشود في العالم العربي، واختفى الحكام التابعون لأمريكا وإسرائيل، وجاءت حكومات مستقلة مخلصة تعتز بدينها ولديها طموحات تليق بشعوبها.
من أبرز نتائج وباء كورونا سقوط التحالف الدولي الذي يحارب الإسلام منذ انهيار الاتحاد السوفيتي بأكثر من صيغة، والذي أطلق عليه مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق لترامب مايكل فلين بـ "تحالف القرن الحادي والعشرين لمحاربة الإسلام" وحشدوا من أجله الجيوش والثروات، وشارك فيه حكام وملوك عرب، وبسببه دمروا دولا إسلامية وشردوا بعض شعوبنا، ويحاصرون للآن دولا أخرى.
لقد اكتشف العالم أن الإسلام الذي احتشدوا لحربه ليس هو الخطر فسمحوا بالتكبير والأذان وطلبوا الدعم من المسلمين، واكتشفوا أن الفيروس لا يفرق بين الأديان، وتبين لهم أن الأوهام التي عاشوا فيها خدعتهم فأنفقوا أموالهم في غير محلها وعندما جاءهم الفيروس لم يجدوا ما يواجهون به المرض.
سواء سقط ترمب في الانتخابات المقبلة أو بقي فإن العالم بعد كورونا ليس كما كان قبله، فالحكومة الأمريكية وقفت عاجزة فاشلة، وأصبحت الولايات المتحدة الدولة الموبوءة رقم واحد في العالم وأسوأ من الصين، وكما كانت نهاية بريطانيا بعد فشلها في حرب السويس فإن أمريكا كإمبراطورية عظمى سقطت أمام كورونا وبدأت شمسها تغيب.
لقد فشل الاتحاد الأوربي في مواجهة الكارثة، ولجأت الدول الأوربية إلى الصين وتم انزال علم الاتحاد الاوربي في إيطاليا ونعى الرئيس الصربي أوربا، واستقبلت البعثات الصينية باحترام وتقدير من إيطاليا إلى إسبانيا، ولم يطلب الأوربيون أي دعم من أمريكا الغارقة.
لقد تسبب فشل وانهيار النظام الدولي في اختفاء كل الأشكال الجماعية وظهرت النزعة الفردية، والعزلة، وانكفاء كل دولة على نفسها وانشغالها بانقاذ شعبها، وهذا بقدر ما يراه البعض سلبيا فإن المحنة ستجبر دولنا على تصحيح نفسها والتخلص من الفاسدين والعودة إلى الثوابت والبحث عن المصالح.
علينا أن نبحث عن مكاننا في الترتيبات الجديدة، وألا نسير خلف المتخاذلين والمنهزمين وقصيري النظر الذين أدمنوا العبودية، ويريدون لنا أن نستبدل التبعية للصين بالتبعية للغرب ، فالطريق مفتوح لاستعادة الوحدة مع المسلمين وإحياء قلب الأمة وحجز المكان الذي يليق بالعالم الإسلامي.
عامر عبد المنعم
كاتب صحفي
- التصنيف:
- المصدر: