التنويه بعشر ذي الحجة وما يشرع فيها من صالح العمل

منذ 2020-07-15

إن الحي منكم ينتظر عشراً مباركة باتفاق، في صدر قائمة الأعمال الصالحة في تلكم العشر المباركة، المحافظة على فرائض الطاعات، واجتناب الكبائر الموبقات، والتوبة النصوح إلى الله تعالى

الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وكثَّرَ فيه الخصال المنجية من النار، والمورِّثةِ للجنة دار السلام. أحمده سبحانه وتعالى وأشكره، وأتوب إليه جل ذكره من كل ذنب وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كما أنه لا خالق معه، ولا سمي له، ولا مثل له.

وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم أشرف مرسل، وأكمل إمام، وخير من صلى وصام، وتصدق وحج البيت الحرام، ووقف بالمشاعر العظام، وأدى المناسك على وجه التمام، وتلى القرآن وذكر الله تعالى ودعاه في كل آن، وعلم ذلك الأنام.

صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الذين آمنوا به وعزروه ونصروه، واتبعوا النور الذي أنزل معه، أولئك هم المفلحون.

 

أما بعد:

فيا أيها الناس، آمنوا بما جاءكم الله به من الدين والهدى، واشكروا نعم الله تبارك وتعالى فإنها عليكم سابغة تترى، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى، واغتنموا بقية أعماركم بصالح أعمالكم، تغفر ذنوبكم، وتضاعف حسناتكم، وترثوا الدرجات العلى.

 

أيها المسلمون:

إن الحي منكم ينتظر عشراً مباركة باتفاق، هي عشر ذي الحجة أفضل أيام السنة على الإطلاق، قال الله تبارك وتعالى بشأنها: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج:28]، وقال صلى الله عليه وسلم منوهاً بفضلها: «ما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله من هذه العشر»، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله يا رسول الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء».

 

عباد الله:

فتلكم العشر أيام مباركة، شرع الله تبارك وتعالى فيها أنواعاً من العمل الصالح، يتحقق بها للعاملين المخلصين المحسنين المتجر الرابح، فهي موسم عظيم، وميدان عمل كريم، يستبق فيها المؤمنون الخيرات، ويسارعون إلى المغفرة والجنات، عملاً بمحكم الآيات، وأملاً في مزيد الفضل الواسع من رب الأرض والسماوات، وقد شهد الله جل وعلا بالسبق إلى المغفرة والجنات، للمسارعين إلى الخيرات، بقوله في محكم الآيات: {أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ * وَلا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [المؤمنون:61،62]، وقال سبحانه: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ}  [الواقعة:10-12]، وقال تبارك وتعالى: {أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:136].

 

معشر المسلمين:

في صدر قائمة الأعمال الصالحة في تلكم العشر المباركة، المحافظة على فرائض الطاعات، واجتناب الكبائر الموبقات، والتوبة النصوح إلى الله تعالى مما اقترف المرء من الخطيئات، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأحقاف:13،14]، وفي الحديث القدسي الصحيح يقول الله تعالى: ((وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه))، ولقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم من شهد لله تعالى بالتوحيد، ولنبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، وصام رمضان، وحج البيت الحرام، ووصل الرحم بالجنة والبعد عن النار، في جملة من الأحاديث الصحيحة الصريحة، وفي التنزيل الحكيم يقول الرب الكريم: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيمًا} [النساء:31]، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى ما يحب أن يؤتوه إليه»، وقال صلى الله عليه وسلم: «إنك لن تعمل عملاً تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة»، وقال صلى الله عليه وسلم: «إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله تعالى إلا أجرت عليها، حتى ما تجعل في في امرأتك».

 

أيها المسلمون:

من نفيس ما تتقربون به إلى ربكم جل وعلا في تلك العشر المباركة الحج والعمرة لمن استطاع إليهما سبيلاً، ففي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة»، وقال عليه الصلاة والسلام: «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كهيئة يوم ولدته»، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب، كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة». ولقد استفاضت وتكاثرت الأحاديث الصحيحة والحسنة عن النبي صلى الله عليه وسلم المبينة لفضل الحج والعمرة، وأن ثوابهما يعمل ثواب الجهاد في سبيل الله، وأنهما جهاد من لم يتيسر له الجهاد، فيهما تمحى الخطايا، وتعظم الحسنات، وتحل الهبات، وتكرم الأعطيات، من رب الأرض والسماوات.

 

أيها المؤمنون:

وفي طليعة الأعمال الصالحة في تلكم العشر المباركة الأضحية، فإنها من النسك العام لهذه الأمة، قال تعالى:  {لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ}  [الحج:34]، وقال سبحانه: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}  [الكوثر:2]، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله من إراقة دم»، ولقد أقام النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة عشر سنين يضحي، ويخبر أنها سنة أبيكم إبراهيم، وأن الدم يقع من الله تعالى بمكان قبل أن يقع على الأرض، وقال: ((فطيبوا بها نفساً))، وكم في الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسل من الترغيب في الأضحية ببيان عظم ثوابها والسنة فيها.

 

معشر المؤمنين:

وإذا كان الصوم عملاً لا مثل له، وهو في حال اعتدال الجو الغنيمة الباردة، وهو زينة العمل عند عرضه على الله عز وجل، وهو الذي اختصه الله تبارك وتعالى لنفسه من بين سائر الأعمال، فكيف إذا وقع في هذه العشر المنوه عنها في أشرف الذكر، فصوموا منها ما تيسر، واحتسبوا عند الله جل وعلا كرم المثوبة، وعظم الأجر، ولا سيما يوم عرفة، الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه: «أحتسب أن يكفر السنة الماضية والباقية».

 

أيها المؤمنون:

وكم لنافلة الصلاة والصدقة والتكبير والذكر، وتلاوة القرآن والدعاء من الأثر الميمون، والثواب المضمون، للمخلصين المحسنين في الكتاب المبين، وهدي الرسول الأمين، فالقرآن أشرف الذكر والتكبير والتهليل والتسبيح والتحميد، منصوص عليه في تلكم العشر.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا} [النساء:66-70].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعنا بما فيه، وأنزل له من الهدى والبيان، واستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.