من الآداب والسنن المستحبة في الأضحية

منذ 2020-07-22

ليس هناك بيانٌ قدر ما يُؤكَل ويطعم ويتصدق، متروكٌ لحال الناس أيَّام الأُضحِيَّة؛ فإنْ كان في الناس شدَّة ومَجاعة، غلب جانب المواساة إطعامًا وصدقة؛ لنَهيِه صلى الله عليه وسلم سنةَ مجاعة عن ادِّخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث؛ وإنْ كان الناس في حال سعة من العيش، فقد رُوِيتْ آثار عن الصحابة كانوا يَأكُلون ثُلثًا ويُطعِمون أقاربهم وجِيرانهم ثلثًا، ويتصدَّقون بالثلث، وهذا هو الذي استَحَبَّه الإمامان الشافعيُّ وأحمد.

1- أنْ يُباشِر ذبحها بنفسه إنْ قدَر، وأنْ يُكبِّر مع التسمية، وأنْ يضع رجله على صَفحة الذبيحة؛ لما في الصحيحين عن أنسٍ رضي الله عنه قال: "ضحَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم بكبشَيْن أملحَيْن، ذبحهما بيده، وسمَّى وكبَّر، ووضَع رجلَه على صِفاحهما".

 

2- أنْ يُسمِّي عند الذَّبح مَن هي له، ويَدعُو بالقبول؛ لما ثبَت عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه لما انصَرَف من صَلاة العيد (الأضحى) أتى بكبشٍ فذبَحَه، فقال: «بسم الله والله أكبر، اللهم هذا عنِّي وعمَّن لم يُضحِّ من أمَّتي».

 

وفي الحديث الآخَر من رواية عائشة قالت: وأخَذ الكبش فأضجَعَه، ثم ذبَحَه، ثم قال: «بسم الله، اللهم تقبَّل من محمد وآل محمد...»  الحديث، وإنْ نوى مَن هي له بدون تسميته، أجزَأ ذلك.

 

3- الإحسان إلى الذبيحة، بعمل كلِّ ما يُرِيحها عند الذكاة، ومن ذلك شَحذ السكين، والحزم في الذبح من حيث السُّرعة والقوَّة؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ الله كتَب الإحسان على كلِّ شيءٍ، فإذا قتَلتُم فأحسِنُوا القِتلة، وإذا ذبَحتُم فأحسِنوا الذِّبحة، وليُحِدَّ أحدُكم شفرتَه وليُرِح ذبيحته»  (رواه مسلم).

 

وفي الحديث الآخَر أيضًا قال صلى الله عليه وسلم لعائشة رضِي الله عنها: "هَلُمِّي المدية؛ السكين"، ثم قال: "اشحذيها بحجر"، ففعلتْ، ثم أخَذَها وأخَذ الكبش فأضجَعَه ثم ذبَحَه؛ رواه مسلم وغيره.

 

4- أنْ ينحر الإبل قائمةً معقولة يدها اليُسرَى؛ لقوله تعالى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36] ، وعن جابرٍ رضي الله عنه: "أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه، كانوا يَنحَرُون البُدن (الإبل) معقولة اليد اليُسرَى، قائمةً على ما بقي من قوائمهما"؛ رواه أبو داود.

 

ومرَّ عبدالله بن عمر رضي الله عنهما على رجلٍ قد أناخ بدنته ينحرها، فقال: "ابعَثها قيامًا مقيَّدة؛ سنَّة محمد - صلى الله عليه وسلم -".

 

لكنْ لو لم يتيسَّر له نحرُها قائمة، جازَ له نحرُها باركةً، إذا أتَى بما يجب للذَّكاة لحصول المقصود.

 

وإنْ كان ما يُراد تذكيته غير الإبل، كالبقرة والغنم ونحوها، فإنَّه يُضجِعها على جَنبِها الأيسر عند الذَّبح؛ لأنَّه أسهل للذبح؛ لما سبق في الأحاديث.

 

ماذا يفعل بلحم الأضاحي بعد الذبح؟

قال الله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج: 34]، وقال تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}  [الحج: 28]، وقال تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}  [الحج: 36] .

 

وفي البخاري عن سلمة بن الأكوَعِ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال في الأضاحي: «كُلُوا وادَّخِروا وتصدَّقوا»، وعند مسلمٍ عن عائشة رضي الله عنها، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «كُلُوا وادَّخِروا وتصدَّقوا».

 

فليس في هذه النُّصوص من الكتاب والسنَّة بيانٌ لقدر ما يُؤكَل ويطعم ويتصدق، فدَلَّ على أنَّ ذلك متروكٌ للإنسان ولحال الناس أيَّام الأُضحِيَّة؛ فإنْ كان في الناس شدَّة ومَجاعة، غلب جانب المواساة إطعامًا وصدقة؛ لنَهيِه صلى الله عليه وسلم سنةَ مجاعة عن ادِّخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث؛ من أجل مُواساة الناس، وإنْ كان الناس في حال سعة وبَسطة من العيش، فقد رُوِيتْ آثار عن الصحابة رضي الله عنهم أنَّهم كانوا يَأكُلون ثُلثًا ويُطعِمون أقاربهم وجِيرانهم ثلثًا، ويتصدَّقون بالثلث، وهذا هو الذي استَحَبَّه الإمامان الشافعيُّ وأحمد، ورُوِي عن جمعٍ من الصَّحابة، والأمر في ذلك واسعٌ؛ فلو أكَلَها كلَّها، أو تصدَّق بها كلَّها، أو أهداها كلَّها، فلا حرج، لكنْ يحرم أنْ يَبِيع شيئًا منها، أو يُعطِي الجزَّار أجرَتَه منها؛ لأنها مالٌ أخرَجَه لله تعالى مُتقرِّبًا إليه، فلا ينبغي أنْ يستَرجِع منه شيئًا ببيع، أو أجرة، أو نحو ذلك.

 

وهذا أوانُ الفَراغ من هذه الرِّسالة، ونسأل الله سبحانه أنْ يجعَلَها مُباركةً نافعةً لكلِّ مَن قرَأَها، أو علمها أو سمعها، أو أعان على نَشرِها، وأنْ يجعلها خالصةً لوجهه، مُقرِّبة إليه، مقبولةً لديه.

 

وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمَّد، وعلى آله وصحبه