الجمع بين الأحاديث الواردة في صيام العشر من ذي الحجة
العمل الصالح مطلوب من العبد المبادرة إليه في كل حال، وإن كانت تتفاوت منزلته بتفاوت الأيام والشهور والبقاع، تبعا لشرف الزمان والمكان، وفي العشر الأول من ذي الحجة، يكون العمل الصالح أزكى وأعظم أجرا من بقية أيام الدنيا كلها.
العمل الصالح مطلوب من العبد المبادرة إليه في كل حال، وإن كانت تتفاوت منزلته بتفاوت الأيام والشهور والبقاع، تبعا لشرف الزمان والمكان، وفي العشر الأول من ذي الحجة، يكون العمل الصالح أزكى وأعظم أجرا من بقية أيام الدنيا كلها، كما في رواية البيهقي: (ما من عمل أزكى عند الله ولا أعظم أجرا من خير يعمله في عشر الأضحى).
ومعلوم أن الصوم من الأعمال العظيمة، وهو داخل في عموم العمل الصالح، ولكن بالنظر إلى النصوص الواردة في ذلك يبدو لنا تعارض ظاهري بين الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في صيامها وفطرها.
ففي صحيح مسلم عن عائشة رضى الله عنها قالت: ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صائما فى العشر قط.
وفي سنن أبي داود وغيره بإسناد صحيح عن هنيدة بن خالد عن امرأته عن حفصة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر أول اثنين من الشهر والخميس.
وجوه الجمع بين الحديثين السابقين:
جمع بعض أهل العلم بينهما، بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومها في حين، ويترك صومها في حين آخر؛ لعارض مرض أو سفر، أو خشية أن يُظنَّ وجوبُها، وروت كلُّ واحدة منهما ما رأت، وهذا يظهر من خلال تبويب الإمام بن خزيمة في صحيحه لحديث عائشة: (باب ذكر إفطار النبي صلى الله عليه وسلم في عشر ذي الحجة)، ثم ذكر بعد هذا الباب فقال: (باب ذكر علة قد كان النبي صلى الله عليه و سلم يترك لها بعض أعمال التطوع وإن كان يحث عليها و هي خشية أن يفرض عليهم ذلك الفعل مع استحبابه صلى الله عليه و سلم ما خفف على الناس من الفرائض).
قال الحافظ ابن حجر: ولا يَرِد على ذلك ما رواه أبو داود وغيره عن عائشة قالت: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائماً العشر قط)؛ لاحتمال أن يكون ذلك لكونه كان يترك العمل وهو يحب أن يعمله خشية أن يفرض على أمته.
ووجَّه بعضهم التعارض: بأن نفي صيام العشر حاصل، فإن صوم العاشر (يوم العيد) محرم، وعلى هذا فإن حديث إثبات صيام التسع لا يتنافى مع ما سبق.
وحكم بعضهم باضطراب حديث حفصة، وبهذا الحكم يترجح حديث إثبات صيام النبي صلى الله عليه وسلم العشر من ذي الحجة.
وما دام وقد ثبت عندنا صحة الحديثين فيلزم الجمع بينهما على وجه من الوجوه المتقدمة؛ فالجمع أولى من الترجيح، ما دام الجمع ممكنا -وقد أمكن هنا-، وإعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما.
- التصنيف:
- المصدر: