بنيتي رسائل محبة وشفقة - عمل المرأة يكون داخل بيتها وخارجه

منذ 2020-07-26

الرسالة التاسعة عمل المرأة يكون داخل بيتها وخارجه وما كان خارجه فبضوابط وحدود

الرسالة التاسعة

عمل المرأة يكون داخل بيتها وخارجه

وما كان خارجه فبضوابط وحدود

 بُنيَّتي: من صُور تكريم الإسلام للمرأة أن أوجَبَ نفقتَها على وليِّها، فهي إذا كانت بنتًا فوالدُها أو مَنْ يقوم مقامَه من أقربائها يقوم بالإنفاق عليها، فإذا تزوَّجَتْ فالزوجُ هو المنفِقُ عليها، فهي ليست بحاجة للعمل خارج المنزل من أجل المال، أمَّا غير المسلمة فتُجبَر على الخروج من المنزل للعمل، فالبنتُ إذا بلغَتْ ثمانيةَ عشرَ عامًا لا يجب على والدها الإنفاقُ عليها، فعليها أن تخرُج لتبحَثَ عن عملٍ تعيشُ منه، وتدَّخِر مبلغًا يكون مَهْرًا لزواجِها؛ لأنها هي التي تدفَع المهْرَ وليس الزوج، وإذا تزوَّجَتْ فالزوجُ ليس مُلزَمًا بالإنفاق عليها، وعليها أن تُشاركَه في نفقات البيت والأولاد، فإذا كبِرَتْ وشاخَتْ، وكانت قادرةً على الكَسْب وجَبَ عليها أن تستمرَّ في العمل لكسْب قُوتها، ولو كان أبناؤها من أغنى الناس، هذا يا بُنيَّتي سببُ خروج المرأة غير المسلمة للعمل خارج البيت، فهي إذا لم تَخرُجْ من المنزل وتعمَل خارجَه ماتَتْ جُوعًا.

بُنيَّتي: الأصل في عمل المرأة أن يكون داخلَ بيتِها، ورَحِمَ الله علماء المسلمين الذين أدركوا هذه الحقيقة مُبكِّرًا، فقد بوَّبَ الإمامُ البخاريُّ رحِمه الله في كتابه الصحيح: "باب عمل المرأة في بيت زوجها"، وأكبر وأغلى وأثمن تنميةٍ تُقدِّمُها المرأة لمجتمعها أن تعمَلَ داخِلَ منزلها، فتتفرَّغ للأُمُومة وأعبائها، وتُربِّي صِغارَها وتَحنو عليهم، وتُربِّيهم ليكونوا أناسًا أسوياءَ، ينفعون أنفسَهم ومجتمعَهم وأُمَّتَهم، فإن هي خرجَتْ للعمل خارجَ المنزل، ولم تستطِع الموازنة بين عَمَلِها وبين بَيْتِها وأطفالها، ترتَّبَ على ذلك تفكُّكُ الأسرة؛ مما يُنذِر بخَطَرٍ عظيمٍ، فهي قد تكسِب بعض المال من عملها، لكنها في الوقت نفسه تهدِم دعائم بيتها، ومن وراء ذلك دعائم المجتمع وبُنيانه.

بُنيَّتي: يمكن للمرأة إذا احتاجت للمال أن تعمَلَ داخِلَ منزلها في الأشياء التي تُحسِنُها من طَبْخٍ وخرز وخياطة وحياكة ونحوها، فهي بهذا تحصُل على ما تحتاج إليه من مال وتتجنَّبُ أضرارَ العَمَل خارج المنزل، وتستطيع كذلك بعون الله لها أن تُوفِّق بين عملها وبيتها وزوجها وأولادها، وقد كانت أُمُّ المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها، امرأة صناعة باليد، وكانت تدبَغ وتخرُز.

بُنيَّتي: إذا احتاجت المرأة المسلمة للمال بأن لم تجد من يكفُلُها من والد أو زوج أو أقرباء، ولم تتمكَّن من العمل داخل المنزل، خرجَتْ للعمل خارج البيت؛ قال الله عز وجل: ﴿ { وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ}  ﴾ [القصص: 23]، لَمَّا سأل نبي الله موسى عليه السلام الفتاتين عن سبب خروجهما للرعي والسقي؟ أجابتا: إنه لا يوجد لديهما رجل يقوم بهذه المهمة، فأبوهما شيخ كبير، لا يقوى على هذا العمل، فالفتاتان لم تخرجا إلَّا مضطرتَينِ للعمل.

بُنيَّتي:عندما خرجت الفتاتان التزمتا بآداب وضوابط خروج المرأة للعمل ومن أهمِّها

بُعْدهما عن مزاحمة الرجال وتجنُّب الاختلاط بهم، لقد تحاشتا الاقتراب من الرجال الأجانب، وانتظرتا طويلًا عند الماء إلى أن انتهى الرعاة من السقي، وعندما احتاجتا لمخاطبة رجل أجنبي عنهما، اقتصرتا على المهم من الكلام، ولم تَسترسلا معه لغير ضرورة: ﴿ { قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ } ﴾ [القصص: 23]

وقد خاطبته إحداهما بحياءٍ وأدَبٍ، وبأقصر لفظ وأوجزه: ﴿  {قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا } ﴾ [القصص: 25] أسندت الدعوة إلى والدها وعلَّلَتْها بالجزاء؛ لئلا يُوهِمَ كلامُها ريبةً، وهذا يا بُنيَّة طَبْعُ الفتاة العفيفة، وقد التزمَتْ بالوقار والحِشْمة في المشية؛ قال الله عز وجل: ﴿  {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ}  ﴾ [القصص: 25] جاءته تمشي بحياء، مستترة بكمّ درعها.

هذه يا بُنيَّة: من أهمِّ آداب خروج المرأة إلى العمل: الحياء، والبُعْد عن مخالطة الرجال، وعدم الخضوع معهم بالقول، والحجاب والستر، متى ما أخذتْ بها مَن اضْطَرَّتْها ظروفُها للخروج للعمل، سلِمتْ بحفْظ الله مِن كُلِّ شرٍّ ومَكروهٍ.

بُنيَّتي: المرأة إذا خرَجت للعمل لحاجة ثم زالت هذه الحاجة، فالأفضلُ أن ترجع لعُشِّها الآمن، ومستقرِّها الهادئ - بيتها - قال الله عز وجل: ﴿  {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}  ﴾ [القصص: 26]، لقد طلبت إحدى الفتاتين من والدهما أن يستأجِرَ موسى عليه السلام؛ لرعاية الماشية بدلًا منهما، فهو عَمَلٌ غير مناسب لهما؛ لأنه يُعرِّضُهما للاختلاط بالرجال، والمرأة العفيفة الحيية أحَبُّ شيءٍ إليها ما يُجنِّبُها الاختلاط بالرجال الأجانب، ويُفهَم من طَلَبِها هذا كراهيتُها للخروج، ورغبتها في البقاء في البيت، ما دام أنه قد وُجِد مَنْ سيقوم بالعمل بدلًا عنها.

بُنيَّتي: المرأة التي خرجت للعمل خارج بيتها، تُعاني كثيرًا، حتى إنها تصيح الآن بأعلى صوتها تريد العودة لبَيْتها، بعد أن رأتْ بأُمِّ عينيها أنها ظُلِمَتْ في هذا العمل، فهي تعمل ساعاتٍ كثيرةً في أعمال مُنهِكةٍ لصحَّتِها، ومُدمِّرةٍ لنفسيَّتِها بأُجُورٍ زهيدة، كما أنها تُساوِمُ على شَرَفِها وعِرْضِها، حتى يوافِقَ صاحبُ العمل على تشغيلها، وتستمرُّ المساومةُ معها طول فترة عملها، فإن أبَتْ طُرِدَتْ من العمل أو ضُيِّق عليها.

بُنيَّتي: إذا احتاجت المرأة للخروج للعمل خارج عُشِّها الآمن، فيجب أن تُراعي في عملها الذي ستعمل فيه تركيبَها الفطري، وخصائصها النفسية، وقواها الجسدية، وما اختصَّتْ به من أحكامٍ وضوابطَ شرعية، فيكون عملُها فيما يخُصُّ بنات جنسها؛ كالمدارس والجامعات والمستشفيات النسائية، وألَّا يُؤثِّر عملُها في مهمتها الأساسية ووظيفتها الأولى: بيتها، وزوجها، وأبنائها، وأن يكون العمل بإذن وليِّها، فإن أهملتْ هذه الأمور فقد جَنَتْ على نفسِها في دينها أو دُنياها أو فيهما جميعًا.

بُنيَّتي: إن عملتِ وكان لكِ مالٌ من هذا العمل، فكوني طويلةَ اليدِ؛ فعن أُمِّ المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «((أسْرَعُكُنَّ لحاقًا بي أطْوَلُكُنَّ يدًا))؛ قالت: فكُنَّ يتطاولن أيتهنَّ أطولُ يدًا، قالت: فكانت أطولنا يدًا زينب؛ لأنها كانت تعمَلُ بيدها وتتصدَّق» ؛ [متفق عليه]، فتصدَّقي بما يتيسَّر لكِ من المال كُلَّ شهر، ولو كان قليلًا، وأحَبُّ الأعمال إلى الله عز وجل ما دام ولو قَلَّ؛ فالصَّدَقة لها فضائل عديدة، وهي من أسباب دفع البلاء، وَقاكِ اللهُ كُلَّ بلاءٍ.

بُنيَّتي: أسأل الله الكريم ألَّا يُحوجَكِ ولا يضطركِ للعمل خارج عُشِّكِ الآمن، وبيتكِ الهادئ الذي يحسُدُكِ عليه مَنْ يعمَلْنَ خارجَ المنزل اللائي مَلِلْنَ الوظيفةَ، وأصْبَحْنَ بعد التجربة والمعاناة يَتَمَنَّيْنَ ويُفضِّلْنَ البقاءَ في البيت لرعاية الزوج وتربية الأطفال.

كما أسأله إن احتجْتِ للخروج للعمل أن يكون عملُكِ في مكان نسائي آمن، لا اختلاط فيه بالرجال ولا خلوة معهم, وأن يكون عملًا مُباحًا, وألَّا يستهلِكَ طاقتَكِ

 

وأسأل الكريم أن تزولَ تلك الحاجة التي جعلتْكِ تَخرُجين للعمل سريعًا، فتعودين لبيتِكِ المكان الذي تجدين فيه نفسَك، وأنُوثتَكِ، وأُمُومتَكِ، وراحتَكِ، وسعادتَكِ، حفظكِ الله من شياطين الإنس والجن، ومن كل سُوءٍ ومكروهٍ.

 

المقال السابق
الرسالة الثامنة: الحب والحنان والعدل والدعاء أفضل عطاء لفِلْذة كبدكِ
المقال التالي
رسالة وداع وأمل