أفضل أيام الدنيا

منذ 2020-07-27

هكذا حلت علينا أعظم أيام الدنيا « العشر الأول من ذي الحجة » تلك الأيام المباركة ، و التي لفضلها أقسم المولى سبحانه بها في كتابه الكريم حيث قال : {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ }

وهكذا تحل علينا أعظم أيام الدنيا « العشر الأول من ذي الحجة » تلك الأيام المباركة ، و التي لفضلها أقسم المولى سبحانه بها في كتابه الكريم حيث قال : {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ الفجر : ١ - ٢ .

و دلّ على عظمتها ما أخرجه الإمام البخاري - رحمه الله - من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:
«ما من أيام العمل الصالح فيها أحبّ إلى الله من هذه الأيام - يعني أيام العشر - ، قالوا : يا رسول الله ، ولا الجهاد في سبيل الله ؟ ، قال : ولا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجل خرج بنفسه و ماله فلم يرجع من ذلك بشيء».

و قد نبَّه الإمام الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في الفتح على بعض أسباب تعظيمها بقوله :
(والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان إجتماع أمهات العبادة فيه ، و هي : الصلاة و الصيام و الصدقة و الحج ، ولا يتأتى ذلك في غيره).

و من ذلك أيضاً : ما ذكره الإمام الحافظ ابن رجب الحنبلي - رحمه الله - في « لطائف المعارف » بقوله :
( لما كان الله سبحانه قد وضع في نفوس عباده المؤمنين حنينًا إلى مشاهدة بيته الحرام ، و ليس كل أحد قادرًا على مشاهدته كل عام ، فرض على المستطيع الحج مرة واحدة في عمره ، و جعل موسم العشر مشتركًا بين السائرين و القاعدين).

و من ذلك : أن فيها يوم عرفة و هو من أيام الله العظيمة و التي يحصل فيها من العتق و نزول الرحمة و دنو الرب تعالى و مباهاته بعباده و إشهاده ملائكته أنه قد غفر لهم ، ففي الحديث :
 «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ ، و َإِنَّهُ لَيَدْنُو ، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمْ الْمَلَائِكَةَ ، فَيَقُولُ : مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ »   (رواه مسلم).

و من ذلك أيضاً : أن فيها يوم النحر و هو يوم الحج الأكبر و الذي هو أعظم يوم طلعت فيه الشمس كما دلت على ذلك النصوص ، فعند أبى داود : ( إن أعظم الأيام عند الله تبارك و تعالى يوم النحر ) .

و على هذا فينبغي للمسلم في هذه الأيام أن يجتهد في العبادة من صلاة ، و قراءة للقرآن ، و ذكر لله تعالى زيادة في المطلق و حرصاً على المقيد ، و استغفار ، و برٍّ للوالدين ، و صلة رحم ، و بذل للخير لليتامى و الفقراء و الأرامل .

و من أوكد هذه الأعمال : الصيام فيها ؛ لما ورد أنه صلى الله عليه و سلم كان يصومها ، ففي سنن أبي داود و غيره عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه و سلم قالت :
( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ) .

و في مسند أحمد عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال له رجل :
( أرأيتَ صيام عرفة ؟ ، قال : «أحتسب عند الله أن يكفر السنة الماضية و الباقية».

و من جملة الطاعات : التكبير و التهليل ؛ كما جاء عند الإمام أحمد في مسنده و الحديث صحيح ، و فيه يقول النبي الحبيب صلى الله عليه و سلم :
«ما منْ أيامٍ أعظم عند الله ولا أحَبُّ إليه العمل فيهنَّ منْ هذه الأيام العَشْر ، فأكثروا فيهنَّ من التهليل و التكبير و التحميد ».

و قد ورد أن سعيد بن جبير و مجاهدًا و عبد الرحمن بن أبي ليلى كانا يدخلان السوق في أيام العشر فيكبِّران فيكبر السوق بتكبيرهما ، و أن عبد الله بن عمر و أبا هريرة كانا يدخلان السوق فيكبّران لا يدخلان إلا لذلك.

و مما وجه إليه الإسلام من آدابٍ في هذه العشر :
أن من عزم على أن يضحي كُرِهَ له حلق شيء من شعره أو تقليم أظافره لما روى مسلم عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : «إذا رأيتم هلال ذي الحجة و أراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظافره»، و غيرها من الطاعات و العبادات.

و مما يجدر التنبيه إليه : خطورة المعاصي و الآثام في هذه الأيام الفاضلة ؛ فهي من عموم الأشهر الحُرُم التي حَرَّم الله تعالى و قال : {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ۚ }  (التوبة : ٣٦).

و قد قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله :
( المعاصي في الأيام المعظمة و الأمكنة المعظمة تُغلظ معصيتها ، و عقابها بقدر فضيلة الزمان والمكان ) الآداب الشرعية لابن مفلح .

و قد قال الإمام الحافظ ابن رجب الحنبلي - رحمه الله :
( لما كان الله سبحانه قد وضع في نفوس عباده المؤمنين حنينًا إلى مشاهدة بيته الحرام ، و ليس كل أحد قادرًا على مشاهدته كل عام ، فرض على المستطيع الحج مرة واحدة في عمره ، و جعل موسم العشر مشتركًا بين السائرين والقاعدين ) لطائف المعارف .

و مما ينبه إليه: أن اغتنام هذه السوانح مما نبهت إليه الشريعة و دلت عليه ، فعلى المسلم تجديد النية ، و تقوية العزيمة و الإرادة لديه، والتوبة إلى الله، و تخير ما يناسب حاله قرباً من مولاه، ويصون وقته من القواطع و العوائق و العلائق و الوساوس فالوقت رأسمال العبد.

كما عليه أن يتخير الصالحين ، و يُزيّن أوّل أمره و آخره بسؤال الله و استعانته على طاعته و عبوديته فــ ( إياك نعبد ) إنما تكون بــ ( إياك نستعين ) فمن تحقق بإياك نستعين كفاه الهادي المعين .

أعاننا الله و إياكم على اغتنام العشر المباركة ، و وفقنا ، و تقبل منا أجمعين .. و الحمد لله رب العالمين .
_____________________________
كتبه: أحمد حامد الجبراوي