خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي

منذ 2020-09-06

أيها المسلمون، كم نحن بحاجة إلى أن نتأسى بأخلاق نبينا صلى الله عليه وسلم في حياته الزوجية! وهو القائل عليه الصلاة والسلام: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي»،

الحمد لله رب العالمين، خلق الذكر والأنثى، أحمده وأشكره على ما أنعم به علينا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد:

فيا عباد الله، اتقوا الله حق التقوى، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].

 

أيها المسلمون، خلق الله تعالى آدم وعلمه الأسماء كلها، وخلق من ضلعه زوجه حواء؛ ليسكن إليها ويأنس بها، وأمرهما بسكنى الجنة، والأكل منها رغدًا؛ أي: واسعًا هنيئًا؛ قال تعالى: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} [البقرة: 35].

 

أيها المسلمون، إنها آية من آيات الله تعالى أن خلق لنا أزواجًا من أنفسنا؛ قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21]؛ يقول السعدي رحمه الله تعالى: "تناسبكم وتناسبونهن، وتشاكلكم وتشاكلونهن، بما رتب على الزواج من الأسباب الجالبة للمودة والرحمة، فحصل بالزوجة الاستمتاع واللذة والمنفعة بوجود الأولاد وتربيتهم، والسكون إليها، فلا تجد بين أحد في الغالب مثلما بين الزوجين من المودة والرحمة"، فلا ألفة بين روحين أعظم مما بين الزوجين.

 

أيها المسلمون، الزواج أمر فطري، شرعه الله تبارك وتعالى، وهو من سنن المرسلين، وسنة خاتم الأنبياء والمرسلين؛ قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} [الرعد: 38]، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أُخبروا كأنهم تقالُّوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم، قد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فقال: «أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغِبَ عن سنتي، فليس مني».

 

وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على الزواج؛ فقال: «يا معشر الشباب، من استطاع الباءة فليتزوج؛ فإنه أغضُّ للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع، فعليه بالصوم؛ فإنه له وِجاء».

 

أيها المسلمون، اعلموا أن العلاقة الزوجية رباط قوي محكم، وعقدٌ وصفه الله تبارك وتعالى بقوله: {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء: 21]؛ أي: عهدًا وثيقًا، وهو حق الصحبة والممازحة، أو ما أوثق الله عليهم في شأنهن بقوله: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229].

 

وفي حجة الوداع أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بأمور عظام؛ ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: «فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله».

 

عباد الله، لنعلم أن من أعظم حقوق المرأة على زوجها أن يأمرها بطاعة الله تبارك وتعالى، وأن يكون عونًا لها على ذلك؛ قال تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: 132]، وإن من الحقوق والآداب في الحياة الزوجية النفقة على الزوجة بالمعروف، ومعاملتها بكريم الأخلاق؛ قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19]، والتجمل لها وإكرام أهلها، وأن يعينها على صلة رحمها، وحسن التأدب واختيار جميل العبارة والمؤانسة؛ قال صلى الله عليه وسلم: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي»، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه.

 

أما بعد:

فيا أيها المسلمون، كم نحن بحاجة إلى أن نتأسى بأخلاق نبينا صلى الله عليه وسلم في حياته الزوجية! وهو القائل عليه الصلاة والسلام: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي»، وكان يتمثل تلك الخيرية في أقواله وأفعاله في بيته ومع زوجاته؛ ((لما سُئلت عائشة رضي الله عنها: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع إذا دخل بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة، خرج فصلَّى)).

 

كان وفيًّا مع خديجة رضي الله عنها، حتى بعد وفاتها؛ فعن عائشة قالت: ((ما غرتُ على نساء النبي صلى الله عليه وسلم، إلا على خديجة وإني لم أدركها، قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذبح الشاة، فيقول: أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة، قالت: فأغضبته يومًا، فقلت: خديجة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني قد رُزقتُ حبها»، هكذا هو الوفاء حتى بعد موتها رضي الله تعالى عنها يكرم صديقات خديجة، ويذكر حبه لها، إنه الوفاء المحمدي الشريف.

 

يقول عمرو بن العاص رضي الله عنه: ((أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة))، هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع زوجاته يُسمِعهن أجمل الكلمات، ويعاشرهن بالمعروف، رفيقًا بهم في حله وترحاله وفي كل شؤون حياتهم، يكرمهن ويمازحهن، ويرفق بهن، ويُعلِّمهن ويدعو لهن؛ فعن عائشة أنها قالت: ((لما رأيت من النبي صلى الله عليه وسلم طيب نفس، قلت: يا رسول الله، ادعُ الله لي، فقال: اللهم اغفر لعائشة ما تقدم من ذنبها وما تأخر، ما أسرت وما أعلنت، فضحكت عائشة حتى سقط رأسها في حجرها من الضحك، قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيسرك دعائي؟ فقالت: وما لي لا يسرني دعاؤك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: والله إنها لدعائي لأمتي في كل صلاة))، فلنهتدِ بهديه صلى الله عليه وسلم مع زوجاتنا وفي بيوتنا؛ قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].

 

هذا، وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه؛ فقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].