العلم والحضارة في العالم الإسلامي من الرقي إلى التخلف

منذ 2020-10-09

والإسلام دين العلم والحضارة، بل منه انبثق التقدم العلمي الهائل الذي تعلَّمت منه أوروبا في نهضتها الجديدة، عن طريق الأندلس، واختلاطهم بالمسلمين عن طريق الحروب الصليبية

إن الإسلام دينٌ يدعو إلى العلم ويحترم العلماء؛ ومن الآيات التي تؤكد حبَّ العلم قوله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11]، ويقول الله عز وجل: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28].

 

والإسلام دين العلم والحضارة، بل منه انبثق التقدم العلمي الهائل الذي تعلَّمت منه أوروبا في نهضتها الجديدة، عن طريق الأندلس، واختلاطهم بالمسلمين عن طريق الحروب الصليبية[1].

 

وعلى مدى قرون طويلة تقترب من ألف سنة، كان العلم على مستوى العالم ينطق بالعربية، درسًا وممارسةً وتطبيقًا، ولعلماء الحضارة الإسلامية تاريخٌ حافل بالإنجازات والابتكارات الأصلية التي أفادت منها الإنسانية جمعاء، وكان اهتمام الخلفاء والأمراء بالعلم ورعايتهم لأهله، وتشجيعهم من أوائل أسباب النهضة العلمية التي عاشها العالم الإسلامي[2].

 

إن أوروبا مَدِينَةٌ للعرب بحضارتها؛ فقد ترجم الغرب مؤلفاتِ علماء العرب، وكان يذهب النصارى إلى بلاد الأندلس العربية لطلب العلوم، وظلت ترجمات كتب العرب - ولا سيما الكتب العلمية - مصدرًا وحيدًا تقريبًا ولمدة خمسة أو ستة قرون للتدريس في جامعات أوروبا[3]، وكانت الأندلس هي المعبر الذي انتقل خلاله العلم الإسلامي إليها[4].

 

وقد أقبل بعض علماء الغرب مع الحملات الصليبية على دراسة الإسلام، وكشف ما فيه من أسرار قوته، وقصد بعض الرهبان الفَرنسيين الأندلسَ في أَوْجِ عظمتها ومجدها، وتثقَّفوا في مدارسها، وترجموا القرآن الكريم والكتب العربية إلى لغاتهم، وتتلمذوا على يد علماء المسلمين في مختلف العلوم، وبخاصة في الفلسفة والطب والرياضيات، وبعد أن عاد هؤلاء الرهبان إلى بلادهم، نشروا ثقافة العرب ومؤلفات أشهر علمائهم، ثم أُسِّست المعاهد للدراسات العربية، وأخذت الأديرة تُدرِّس مؤلفات العرب... واستمر الأمر كذلك إلى أن جاء العصر الذي بدأ فيه الغرب باستعمار العالم الإسلامي والاستيلاء على ممتلكاته، وقد انتقلت أعداد هائلة من نوادر المخطوطات العربية إلى مكتبات أوروبا عن طريق الشراء، أو السرقة من المكتبات العامة، التي كانت في منتهى الفوضى آنذاك، وقد بلغت في أوائل القرن التاسع عشر 250,000 مجلد، وما زال هذا العدد يتزايد حتى اليوم[5].

 

ففضل الحضارة الإسلامية على الحضارة الغربية وعلى الفكر الغربي أمرٌ ثابت لا ينكره أبناء الغرب، ويذكره بالعرفان مؤرخوه وعلماؤه، وقد كانت مؤلفات علماء العرب خاصة في الطب تُعَدُّ المراجع الأولى في الطب لأساتذة بعض الجامعات الغربية إلى أوائل القرن السابع عشر؛ فقد احتل العرب المركز الأول في ميدان الطب لمدة تزيد عن خمسمائة عام ما بين 700م و1200م[6]، بينما أعلنت النصرانية الحرب على العلم والعلماء[7].

 

وفي القرون الأخيرة عانى العالم الإسلامي من التخلف في مختلف المجالات، وقد اعتُبر الاستعمار بمختلف أشكاله مسؤولًا بصفة مباشرة عن عملية التخلف؛ إذ كانت كل السياسات الاستعمارية ترمي إلى القضاء على المقومات الحضارية الأساسية للعالم الإسلامي، بعدما قضت على بنيته التحتية[8].

 

واعتبرت ظاهرة هروب العقول العربية والإسلامية باتجاه الدول الغربية من أهم المشكلات التي تؤثر في قوة الأمة الإسلامية فكريًّا، وحضاريًّا، وعلميًّا، وقد استفحلت هذه الظاهرة في العقود الأخيرة لأسباب سياسية واقتصادية[9].

 

وكانت الدول الغربية قد تبنَّت سياساتٍ مُخطَّطة ومدروسة لجذب الكفاءات من الدول النامية؛ حيث تهيئ المحيط العلمي الذي يُحفِّز على مواصلة البحث والتطوير[10]، إضافة إلى أن العقول المهاجرة تسبب فجوة فكرية وثقافية، ولسد هذه الفجوة تتحول المجتمعات الإسلامية تلقائيًّا إلى مجتمعات مستورِدة لأفكار الغرب وثقافاته[11].

 

وبذلك يتضح أن تخلف الأمة في مجالات العلم الواسعة قد أدى إلى توجه الشباب العربي والإسلامي نحو الغرب؛ بحثًا عن فرص تحقيق الذات، والبحث عن تقدير الإنجازات، وفرص العمل والثراء.

 

المصادر:

القرآن الكريم:

1- الإسلاموفوبيا في أوروبا: الخطاب والممارسة، مجموعة باحثين، المركز العربي الديمقراطي للدراسات الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية، برلين - ألمانيا، الطبعة الأولى، 2019م.

 

2- أضواء على الثقافة الإسلامية، الدكتور أحمد فؤاد محمود، إشبيليا للنشر، الرياض - السعودية، الطبعة الأولى، 1421هـ - 2000م.

 

3- بيزنطة والحروب الصليبية (1081 - 1204م)، الدكتور عبدالعزيز رمضان، دار الفكر العربي، القاهرة – مصر، 2008م.

 

4- العقيدة الإسلامية في مواجهة التنصير، عبدالجليل إبراهيم حماد الفهداوي، دار ورد للنشر، عمان - الأردن، 2009م.

 

5- الفكر الإسلامي في مواجهة الفكر الغربي، الدكتور فؤاد محسن الراوي، دار المأمون للنشر والتوزيع، عمان - الأردن، الطبعة الأولى، 1430هـ - 2009م.

 

6- هجرة العقول الإسلامية... متى يتوقف النزيف؟ محمد مسعد ياقوت، شبكة الألوكة، تاريخ النشر: 16/ 12/ 1427ه - 6/ 1/ 2007م، .

 

7- هجرة العقول والكفاءات معادلة حضارية، الدكتور خالد حربي، موقع إسلام ويب، على الرابط:

https://www.islamweb.net/

 


[1] العقيدة الإسلامية في مواجهة التنصير، عبدالجليل إبراهيم حماد الفهداوي، دار ورد للنشر، عمان – الأردن، 2009م، ص: 143.

[2] هجرة العقول والكفاءات معادلة حضارية، الدكتور خالد حربي، موقع إسلام ويب، على الرابط: https://www.islamweb.net/

[3] بيزنطة والحروب الصليبية (1081 - 1204م)، الدكتور عبدالعزيز رمضان، دار الفكر العربي، القاهرة – مصر، 2008م، ص: 587 - 589.

[4] الفكر الإسلامي في مواجهة الفكر الغربي، الدكتور فؤاد محسن الراوي، دار المأمون للنشر والتوزيع، عمان – الأردن، الطبعة الأولى، 1430هـ - 2009م، ص: 65.

[5] أضواء على الثقافة الإسلامية، الدكتور أحمد فؤاد محمود، إشبيليا للنشر، الرياض – السعودية، الطبعة الأولى، 1421هـ - 2000م، ص: 102 - 103.

[6] الفكر الإسلامي في مواجهة الفكر الغربي، الدكتور فؤاد محسن الراوي، ص: 169، 171.

[7] العقيدة الإسلامية في مواجهة التنصير، عبدالجليل إبراهيم حماد الفهداوي، ص: 143.

[8] الإسلاموفوبيا في أوروبا: الخطاب والممارسة، مجموعة باحثين، المركز العربي الديمقراطي للدراسات الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية، برلين – ألمانيا، الطبعة الأولى، 2019م، ص: 10.

[9] هجرة العقول الإسلامية... متى يتوقف النزيف؟ محمد مسعد ياقوت، شبكة الألوكة، تاريخ النشر: 16/ 12/ 1427ه - 6/ 1/ 2007م.

[10] هجرة العقول والكفاءات معادلة حضارية، الدكتور خالد حربي، موقع إسلام ويب.

[11] هجرة العقول الإسلامية ... متى يتوقف النزيف؟ محمد مسعد ياقوت.
__________________________________________________
الكاتب: ميسون سامي أحمد