شرف الوقوف بين يدي الله تعالى

منذ 2020-11-04

أشرف موقف يقفه الإنسانُ في الدنيا هو وقوفه بين يدي الله في الصلاة، وهو موقف شريفٌ عظيمٌ ينبغي للمصلي أن يستشعره وهو يؤدي هذه العبادة ليشعر معها بالأنس، وليجد ما يجده الصالحون فيها قبلنا من الراحة والطمأنينة.


✍️ الحمد لله الذي أسبل علينا نعمه وكان أعظمها نعمه الدينية، والصلاة والسلام على من دلنا على كل خير، وبعد /

فأشرف موقف يقفه الإنسانُ في الدنيا هو وقوفه بين يدي الله في الصلاة، وهو موقف شريفٌ عظيمٌ ينبغي للمصلي أن يستشعره وهو يؤدي هذه العبادة ليشعر معها بالأنس، وليجد ما يجده الصالحون فيها قبلنا من الراحة والطمأنينة.

🌿 إنّ أعظم النعم والهبات - ياعبدالله - أن تعرف ربك، وأن تتشرف بالوقوف بين يدي الله ولولا فضله ورحمته ما أذن لأحد أن يقف بين يديه، ولأنّ نبينا صلى الله عليه وسلم كان مستحضراً هذا الشرف صارت الصلاة قرة عينه.
وإذا كان المرءُ يفخر إذا دخل على شريف من شرفاء الدنيا ولو لمرة واحدة في دنياه، فكيف لا نفرح ونشعر بالفخر وقد أذن اللهُ لنا أن نقف بين يديه خمس مرات كل يوم في الفريضة فقط غير ما يقفه الموفقون في صلاة النافلة، ولذا ينبغي أن يعي المقصّر في الصلاة أنّه قد حُرم هذا الشرف، وأبُعد عن موطن الرحمة هذا، فليتدارك أمره قبل حلول أجله.

🌿 الوقوف بين يدي تعني الخلوة بالله تعالى، والاستمتاع بلذيذ مناجاته، والتقرّب إليه بالتذلل له الذي هو في حقيقته أعظم الشرف وأرفع المنازل للعبد.

🌿 وإذا تأمّل المصلي هيئات صلاته ومايقوله فيها أعانته على حضور قلبه، والشعور بهذا الشرف.

تأمّل أدعية الاستفتاح تجدها مليئة بالثناء على الله، والتضرع بطلب المغفرة.
وتأمّل في هيئة الوقوف لترى الأدب الجمّ بين يدي الله، ولذا لمّا سُئل الإمامُ أحمد - رحمه الله - عن الحكمة من وضع اليدين على الصدر في الصلاة، قال : هو أدبٌ بين يدي الله.
وإذا شرع المصلي بالفاتحة والسور والآيات بعدها شعر بالشرف وهو يقرأ كلام الله وقد مـكّنه من تلاوة كتابه ويسرها لك فلولا تيسير الله ماقرأه أحد.

🌿 ويركع المصلي في هيئة شريفة يظهر معها الخضوع والتذلل بين يدي الله، ولذا أنف الكفّار وتكبروا عن الركوع له، كما قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ} فالراكع في هيئة شريفة بين يدي خالقه، ولذا أوصي نفسك وإيّاك بإطالة هذا الركن مستشعراً المنّة، ومستحضراً التعظيم لله وتلذذ ب ( سبحان ربي العظيم ) ومُدها واستحضر معناه وأنت تناجي بها ربك.

🌿 وهكذا في السجود يتشرف المصلي بوضع جبهته لرب السماء، الخالق الفاطر، المنعم المتفضّل، ولو استحضرنا هذا الشرف في هذا الركن لمَا رفع أحدٌ منّا رأسه، ولأطال المصلي السجود، كيف وهو أقرب موطن للعبد لربه في دنياه، ومن أرجى المواطن إجابة، وهي الهيئة التي يدعو الشيطان فيها على نفسه عندما يرى ابن يفعلها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :
«إذا قرَأ ابنُ آدَمَ السَّجدةَ فسجَد اعتزَل الشَّيطانُ يبكي ويقولُ: يا ويلَه أُمِر ابنُ آدَمَ بالسُّجودِ فسجَد فله الجنَّةُ، وأُمِرْتُ بالسُّجودِ فأبَيْتُ فلِيَ النَّارُ» (رواه مسلم).
فاستحضر هذا العطاء من الرحمن لك، وذاك الشرف، وهذا السبيل للنجاة وأنت في هذه الهيئة الشريفة.

🌿 وكذا وأنت في هيئة الجلوس بين السجدتين أو في التشهد استحضر شرف الجلوس بين يدي ملك الملوك، الرب العزيز الكريم الرحيم تدعوه وتناجيه وتصلي على نبيه صلى الله عليه وسلم في هيئة شريفة ومناجاة لطيفة تملأ معها السعادة قلبك، وتتحقق بها مطالبك، وتُستجاب فيها دعواتك.

🌿 فهذا جانب من جوانب العظمة في الصلاة - التي لا منتهى لعظمتها - أردتُ بها تذكير نفسي وإخواني لنسعد في صلاتنا، ونتذكر عظيم هذا الشرف ونحن واقفون بين يدي ربنا ؛ فاللهم كما شرفتنا في الوقوف بين يديك في الدنيا شرفنا بسماع لذيذ خطابك يوم اللقاء بك في الآخرة.
اللهم آمين.

كتبه / عادل بن عبدالعزيز المحلاوي