الحياة الزوجية للصحابة رضي الله عنهم

منذ 2020-11-12

وما أجمل أن يجِدَ كلٌّ من الزوجين عند الآخر، ما يُزيل قلقه، ويجعله يطمئنُّ ويرتاح.

{بسم الله الرحمن الرحيم }

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين....أمَّا بعدُ:  فالزواج فطرة جبلِّيَّة مركوزة في النفوس، لا غنى للرجال والنساء عنه، والزواج يشوبه ما يشوب غيره من العلاقات من وجود اختلاف بين الزوجين في حل المشكلات التي تعتري حياتهما الزوجية، فيُوفِّق الله البعض لتجاوزها، فتسير الحياة الزوجية، لا تنتهي إلا بموت أحد الزوجين، ويقف بعض الأزواج عندها لا يستطيعون حَلَّها، فتكون حياتهما الزوجية مضطربة غير مستقرة، وقد تنتهي في بعض الأحيان إلى الفِراق والطلاق، ولعلَّ في ترسم الحياة الزوجية لرسول الله صلى الله عليه وسلم خيرًا معينًا بعد توفيق الله في السير بالحياة الزوجية لبَرِّ الأمان، ويليها في ذلك الاستفادة من مواقف الصحابة الكرام رضي الله عنهم في حياتهم الزوجية، فلهم مواقفُ ينبغي على الزوجين الاستفادة منها، وتطبيقها في حياتهما الزوجية، ومن تلك المواقف:

المهر العظيم:

عن ثابت البناني رحمه الله عن أنس رضي الله عنه، قال: "خطب أبو طلحة أُمَّ سليم، فقالت: والله ما مثلك يا أبا طلحة يُرَدُّ؛ ولكنك رجل كافر، وأنا امرأة مسلمة، ولا يحلُّ لي أن أتزوَّجك، فإن تسلم فذاك مهري، ولا أسألك غيره، فأسلم، فكان ذلك مهرها، قال ثابت: فما سمِعْتُ بامرأة قطُّ كانت أكرمُ مهرًا من أُمِّ سليم الإسلام، فدخل بها فولدت له"؛ [أخرجه النسائي]، وهذا المهر العظيم كان له ثماره الطيبة على حياتهما الزوجية، فالمهر العظيم ينتج ثمارًا عظيمة.

مشاركة كلا الزوجين للآخر في المشاعر والأحاسيس:

عن قيس أن عبدالله بن رواحة رضي الله عنه بكى، فبكت امرأته، فقال لها: ما ــــ(168)

يُبكيك؟ قالت: رأيتُكَ تبكي فبكيت، فقال: إني أُنبئتُ أني وارد، ولم أُنبأ أني صادر؛ [أخرجه ابن أبي شيبة في المصنَّف]، وليس بالضرورة أن يبكي أحد الزوجين إذا كان الآخر باكيًا؛ ولكن ليس من العقل والحكمة أن يكون أحدهما باكيًا حزينًا مهمومًا، والآخر ينظر إليه ضاحكًا فرحًا مسرورًا.

صبر كلا الزوجين على بعض المؤذي من أجل راحة الطرف الآخر:

عن عائشة رضي الله عنها، قالت: جاء أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضعًا رأسه على فخذي قد نام، فقال: حبست رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فعاتبني أبو بكر، وقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعن بيده في خاصرتي، ولا يمنعني من التحرُّك إلا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي؛ [متفق عليه]، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: فيه استحباب الصبر لمن ناله ما يوجب الحركة، أو يحصل به تشويش لنائم.

التهوين والتأنيس على من أُصيب من الزوجين بما يُزعجه ويُقلقه:

عن عائشة أُمِّ المؤمنين رضي الله عنها قالت في حادثة مجيء الملك للرسول صلى الله عليه وسلم، في بداية الوحي: «إنه رجع يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد، فقال: ((زمِّلُوني زمِّلُوني))، فزمَّلُوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي، فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك تصِل الرَّحِم، وتحمل الكلَّ، وتكسب المعدوم، وتُقري الضيف، وتُعين على نوائب الحق» ؛ [متفق عليه].

قال الإمام النووي رحمه الله: وفيه أنه ينبغي تأنيس من حصلت له مخافة وتبشيره، وذكر أسباب السلامة له.

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وفي هذه القصة من الفوائد: استحباب تأنيس من نزل به أمر بذكر تيسيره عليه وتهوينه لديه، وأن مَنْ نزل به أمر، استُحِبَّ له أن يُطْلِعَ عليه من يثِقُ بنصيحته، وصحَّة رأيه، وقال الإمام القسطلاني رحمه الله: وفيه إشارة إلى فضل خديجة وجزالة رأيها، وإنما أجابته بكلام؛ لتُزيل حيرته ودَهْشَته.

وما أجمل أن يجِدَ كلٌّ من الزوجين عند الآخر، ما يُزيل قلقه، ويجعله يطمئنُّ ويرتاح.

تشجيع كلا الزوجين للآخر على عمل الخير:

عن أنس رضي الله عنه «"أن رجلًا قال يا رسول الله، إن لفلان نخلة، وأنا أقيم حائطي بها، فمُرْه أن يعطيني بها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((أعْطِها إيَّاه بنخلة في الجنة))، فأبى، وأتاه أبو الدرداح، فقال: بعني نخلك بحائطي، ففعل فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني قد ابتعت النخلة بحائطي، فاجعلها له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كم من عذق رداح لأبي الدحداح في الجنة)) مرارًا، فأتى امرأته فقال: يا أم الدحداح، اخرجي من الحائط، فإني بعته بنخلة في الجنة، فقالت: قد ربحت البيع» "؛ [أخرجه الحاكم].

ملاعبة الزوج لزوجه:

عن حنظلة رضي الله عنه، قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوعظنا فذكر النار، قال: ثم جئت إلى البيت... فلاعبت المرأة فخرجت، فلقيت أبا بكر فذكرت ذلك له، فقال: وأنا فعلتُ مثل ما تذكر؛ [أخرجه مسلم].

مواساة الزوجة لزوجها بمالها إذا كان محتاجًا:

«عن رائطة امرأة عبدالله بن مسعود، وأم ولده - وكانت امرأة صناع اليد - فكانت تنفق عليه، وعلى ولدها، مِن صنعتها، فقالت لعبدالله بن مسعود: لقد شغلتني أنت وولدك عن الصدقة، فما أستطيع أن أتصدَّق معكم بشيء، فقال لها عبدالله: والله ما أحب إن لم يكن في ذلك أجر أن تفعلي، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إني امرأة ذات صنعة، أبيع منها، وليس لي ولا لولدي نفقة غيرها، وقد شغلوني عن الصدقة، فما أستطيع أن أتصدَّق بشيء، فهل لي من أجر فيما أنفقتُ؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنفقي عليهم، فإن لك في ذلك أجر ما أنفقت عليهم))»  [أخرجه أحمد].

تصنع الزوجة لزوجها:

عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: مات ابن لأبي طلحة من أم سليم، فقالت لأهلها: لا تُحدِّثوا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا أُحدِّثه، فقال: فقربت إليه عشاءً، فأكل وشرب، فقال: ثم تصنعت له أحسن ما كان تصنع قبل ذلك، فوقع بها"؛ [متفق عليه]، وفي رواية: "ثم تطيبت"، وفي رواية: "فتعرَّضَتْ له حتى وقع بها".

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وفي قصة أم سليم هذه من الفوائد: تزيُّن المرأة لزوجها، وتعرُّضها لطَلَب الجِماع منه.

تجمُّل الزوجة لزوجها:

عن عائشة رضي الله عنها قالت: «دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأى في يدي فتخات من ورقٍ، فقال: ((ما هذا يا عائشة؟))، فقلتُ: صنعتهُنَّ أتزيَّنُ لك يا رسول الله» ؛ [أخرجه أبو داود]، وعنها رضي الله قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، حتى إذا كنا بالبيداء - أو بذات الجيش - انقطع عقد لي"؛ [الحديث أخرجه البخاري]. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وفي هذا الحديث من الفوائد: اتخاذهن [أي الزوجات] الحلي تجمُّلًا لأزواجهن.

وعن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه رضي الله عنه، قال: "آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أمَّ الدرداء مُتبذِّلة، فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا"؛ [أخرجه البخاري].

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وفي هذا الحديث مشروعية تزيُّن المرأة لزوجها.

استجابة الزوجة لطلب زوجها:

عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه، قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: «((إذا دخلت ليلًا، فلا تدخل على أهلك حتى تستحدَّ الْمُغيبة، وتمتشط الشعثة، وإذا دخلت فعليك الكيس والكيس))» [متفق عليه].

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: جزم ابن حِبان في صحيحه بعد تخريج هذا الحديث، بأن الكيس: الجماع، ويؤيده قوله في رواية محمد بن إسحاق: ((فإذا قدمت فاعمل عملًا كيسًا))، وفيه: قال جابر: فدخلنا حين أمسينا، فقلتُ للمرأة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمرني أن أعمل عملًا كيسًا، قالت: سمعًا وطاعة، فدونك قال: فبتُّ معها حتى أصبحت؛ [أخرجه ابن خزيمة في صحيحه].

غيرة الزوج على زوجه:

عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال: «((بينا أنا نائم رأيتني في الجنة، فإذا امرأة تتوضَّأ إلى جانب القصر، فقلت: لمن هذا القصر؟))، فقالوا: لعمر بن الخطاب، ((فذكرتُ غيرته فولَّيْتُ مُدبِرًا))» ؛ [أخرجه البخاري].

وعن المغيرة رضي الله عنه، قال: قال سعد بن عبادة: لو رأيت رجلًا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مُصفح، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «((أتعجبون من غيرة سعد، لأنا أغير منه، والله أغيرُ منِّي، ومن أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن))» ؛ [متفق عليه]، وكان رضي الله عنه معروفًا بشدة الغيرة، حتى إنه إذا طلَّق إحدى نسائه، لم يكن لأحد أن ينكحها؛ لأنهم يعرفون شدة غيرته، فلا يتزوجن النساء من بعده.

وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، قالت: "كنت أنقل النوى من أرض الزبير، وهي مني على ثلثي فرسخ، فجئت يومًا والنوى على رأسي، فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه نفر من الأنصار، فدعاني ليحملني خلفه، فذكرت الزبير وغيرته، وكان أغير الناس"؛ [متفق عليه].

وعن أُمِّ المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق، رضي الله عنهما، قالت: «إن سالِمًا مولى أبي حذيفة، كان مع أبي حذيفة وأهله في بيتهم، فأتَتْ سهلة بنت سهيل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن سالِمًا قد بلغ ما يبلغ الرجال، وعقل ما عقلوه، وإنه يدخل علينا، وإني أظنُّ في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أرضعيه تحرمي عليه))، قالت: فأرضعته، فذهب الذي في نفس أبي حذيفة» ؛ [أخرجه مسلم].

خدمة الزوجة لزوجها:

• عن أُمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قالت: «دخل عبدالرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما على النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا مسندته إلى صدري، ومع عبدالرحمن سواك رطب يستنُّ به، فأبَدَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم بصره، فأخذت السواك فقضمته، فطيَّبته، ثم دفعتُه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فاستنَّ به» "[متفق عليه].

قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: وفيه مراعاة الزوجة لزوجها وخدمتها له.

• وعن أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها، قالت: " «وضعتُ للنبي صلى الله عليه وسلم ماءً يغتسل به، وسترته، فصب على يديه الماء... فناولته خرقة، فقال بيده هكذا، ولم يردها» "؛ [متفق عليه]. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وفيه خدمة الزوجات لأزواجهن، وقال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: وفيه أنه ينبغي للمرأة خدمة زوجها، خصوصًا في أحوال الطهارة ونحوها، مما جرت به العادة، وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: فوائد الحديث: فضل ميمونة رضي الله عنها بإكرامها النبي صلى الله عليه وسلم، وخدمتها إيَّاهُ.

 وعن أُمِّ المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، قالت: «كنتُ أغسلُ الجنابة من ثوب النبي عليه الصلاة والسلام» [متفق عليه].

وفي لفظ لمسلم: "لقد كنتُ أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركًا"، قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: فوائد الحديث: المرأة يجوز لزوجها أن يستخدمها، وهذا مما جرت به العادةُ منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، ولكن فيما جرى به العرف لقوله تعالى: ﴿  {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}  ﴾ [النساء: 19]، وقال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: وفيه أن المرأة تخدم زوجها.

 وعنها رضي الله عنها, «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يُخرجُ رأسه إليها وهو معتكف فأغسله وأنا حائض» [متفق عليه]وعنها كنت أُرجِّل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا حائض قال الحافظ ابن حجر: أي تسريح شعر رأسه.

وقال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: وفيه خدمة المرأة لزوجها.

 وعنها رضي الله عنها قالت: " «أنا طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم طاف على نسائه» "؛ [متفق عليه].

 وعنها رضي الله عنها، «"أنها كانت تفتلُ القلائد للنبي صلى الله عليه وسلم فيقلد الغنم» "؛ [أخرجه البخاري].

وعنها رضي الله عنها, «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, أمر بكبش فأتي به, فضحى به فقال:(يا عائشة، هلُمِّي الْمُدية) ثم قال:(اشحذيها بحجرٍ) ففعلت» [مسلم]

 وعن أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها، «"أنهُ كان لها مخضب من صُفْرٍ قالت كنتُ أُرجِّلُ رأسَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه» [أخرجه النسائي]

 وعن ابن عباس رضي الله عنه، قال: " «قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي الهيثم بن التيهان: ((إياك واللبون، اذبح لنا عناقًا))، فأمر أبو الهيثم امرأته، فعجنت لهم عجينًا، وقطع أبو الهيثم اللحم وطبخ وشوى» " [أخرجه الحاكم].

 وعن عبدالرحمن بن عثمان القرشي رضي الله عنه « أن رسول الله صلى الله عليه سلم، دخل على ابنته وهي تغسل رأس عثمان رضي الله عنه، فقال: ((يا بنية، أحسني إلى أبي عبدالله؛ فإنه أشبه أصحابي بي خُلُقًا))» ؛ [أخرجه الطبراني في الكبير].

شكوى الزوجة من زوجها بأحسن العبارات وتجاوب الأزواج:

عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه رضي الله عنه، قال: " «آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء مُتبذلة، فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا"؛ [أخرجه البخاري].فقد عبَّرت رضي الله عنها عن حالها مع زوجها بأحسن عبارة، فقالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا، وفي رواية عند الدارقطني أنها قالت: "في نساء الدنيا"، وفي رواية عند ابن خزيمة: "يصوم النهار ويقوم الليل» ".

وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: " «أنكحني أبي امرأة ذات حسب، فكان يتعاهد كنته، فيسألها عن بعلها فتقول: نعم الرجل من رجل، لم يطأ لنا فراشًا، ولم يفتش لنا كنفًا ولم يعرف لنا فراشًا منذ أتيناه» "؛ [أخرجه البخاري]، قال الإمام العيني رحمه الله: شكرت عبدالله أولًا بأنه قوام بالليل، صوام بالنهار، ثم شكت من حيث إنه لم يضاجعها ولم يطعم شيئًا عندها.

وعن أبي موسى قال: " «دخلت امرأة عثمان بن مظعون على نساء النبي صلى الله عليه وسلم، فرأينها سيئة الهيئة، فقلن: ما لك؟ ما في قريش رجل أغنى من بعلك، قالت: ما لنا منه شيء، أما نهاره فصائم، وأما ليله فقائم، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرْنَ ذلك له فلقيه النبي عليه الصلاة والسلام، فقال: ((يا عثمان، أما لك فيَّ أسوة؟))، قال: وما ذاك يا رسول الله، فداك أبي وأمي؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ((أما أنت فتقوم الليل وتصوم النهار، وإن لأهلك عليك حقًّا، وإن جسدك عليك حقًّا، صلِّ ونم، وصم وأفطر))، فأتتهم المرأة بعد ذلك عطرة كأنها عروس، فقُلْنَ لها: مه، قالت: أصابنا ما أصاب الناس» "[أخرجه ابن حبان].

وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: «إن امرأة ثابت بنت قيس أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، ثابت بن قيس، أما إني لا أعيبُ عليه في خُلُق ولا دين؛ ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أتردين عليه حديقته؟))، قالت: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقبل الحديقة وطلِّقْها تطليقة))» ؛[أخرجه البخاري].

قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه، أحد الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، وكان خطيب النبي صلى الله عليه وسلم، ومع هذا فإن امرأته كرهته كرهًا عظيمًا، حتى قالت: إني لا أعتب عليه في خُلُق ولا دين، فخُلُقه من أحسن الأخلاق، ودينه من أقوم الأديان؛ لكن أكره الكفر في الإسلام، واختلف شُرَّاح الحديث في معنى قولها: "أكره الكُفْر في الإسلام "؛ قال بعضهم: تريد عدم القيام بواجبه، وهو كفران العشير، وهذا هو الأصح، فكأنها تقول: إني لا أعتب عليه؛ لكني أخشى إن بقيتُ عنده أن آثم؛ لكوني لا أستطيع أن أقوم بواجب حقِّ الزوجية.

خروج الزوج من المنزل عند اشتداد الخلاف حتى تهدأ الأمور:

عن سهل بن سعد رضي الله عنه، قال: «جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، بيت فاطمة، فلم يجد عليًّا في البيت، فقال: ((أين ابن عمك؟))، قالت: كان بيني وبينه شيء فغاضبني، فخرج فلم يقِلْ عندي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان: ((انظر أين هو))، فجاء فقال: يا رسول الله، هو راقدٌ في المسجد، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقِّه، وأصابه تراب، فجعل رسول الله يمسحه عنه، ويقول: ((قُمْ أبا تراب، قُمْ أبا تراب))»[متفق عليه].

                                     كتبه/ فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ