بين الشيوعية والرأسمالية

منذ 2020-12-07

يعيش العالم في هذه الظروف في صراع هائل، ونزاع مستمر يكتنفه قلق يتزايد يومًا بعد يوم من جرَّاء المبادئ المتناقضة والمقاصد المختلفة، وحب السيطرة من أنصار كل مذهب، والرغبة في التغلُّب على خصْمه بكل وسيلة ممكنة...

يعيش العالم في هذه الظروف في صراع هائل، ونزاع مستمر يكتنفه قلق يتزايد يومًا بعد يوم من جرَّاء المبادئ المتناقضة والمقاصد المختلفة، وحب السيطرة من أنصار كل مذهب، والرغبة في التغلُّب على خصْمه بكل وسيلة ممكنة، والاستهانة في ذلك السبيل بكل شيء، مهما نتج عنه من أخطار قد يكون ضحيتها أبرياء، لا ناقة لهم فيها ولا جمل، بل قد تؤول إلى حرب ضروس لا تُبقِي ولا تذر.

 

وإزاء هذا الخصام العنيف يقف عقلاء العالم ومفكِّروه ينظرون إلى تلك المبادئ بعين الفاحص الممعِن النظر؛ ليقدِّموا للبشرية خير ما اشتملت عليه، وليظهروا للملأ ما انطوت عليه من مساوئ وعيوب ليجنِّبوهم ويْلات التمادي في تقديسها على ما فيها من أخطاء؛ لئلا يصاب العالم بكارثة.

 

ويتمثَّل الصراع الشديد في هذا العصر في مذهبين متناقضين أكبر تناقض، ولكل منهما أنصار يتحمَّسون له، ويستميتون في الدفاع عنه وكلٌّ من المذهبين عدو لدود للآخر يتربَّص بصاحبه الدوائر، ويسعى حثيثًا لإبادته، وكل منهما يبذل جهودًا جبَّارة لنشر مذهبه، واجتذاب أنصار جُدُد، أولئك هما: الشيوعية، والرأسمالية، ولا يهمُّنا في هذه الكلمة المقتضَبة أن نذكر محاسن أو مساوئ كل من المذهبين، وإنما نودُّ أن نومئ إيماءة قصيرة إلى واجبنا كمسلمين تجاه المذهبَين.

 

إن الإسلام دين سماوي مقدَّس، دين حق وجمال وطُهْر، قد بلغ الذروة كمالاً، وسما إلى أوْج الخير والفضل والنزاهة، يدعو إلى توحيد الله وعبادته، ونشْر العدل والسلام، ويحقق لمعتنقه العزة والرفعة والنصر المبين، ويوجِّه الإنسانية جمعاء لما فيه مجدها وسعادتها.

 

وغير تلك من خصال حميدة، يعجز الوصف عن حصرها، ويعي اللسان عن تبيانها، الإسلام يعظم الديانات السماوية، وينوِّه بشأن الأنبياء، ويعطي الروح غذاء نقيًّا، تسمو به عن عالم المادة المحجرة للقلوب والعقول، ويتيح للجسم كذلك أن يأخذ نصيبه من مُتَع الحياة النافعة، وإن لنفسك عليك حقًّا.

 

إن الإسلام يحترم الفرد؛ لأنه في نظره دعامة المجتمع، كما أن الإسلام يحرِّم الربا تحريمًا قاطعًا، ويحمي الفقراء من استغلال الأغنياء البَشِع، يفرض الزكاة في الأموال تؤخذ من الغني وتُرَدُّ على الفقير، ويحظر الاحتكار، ويُغرِي بالإيثار، ومدِّ يد العوْن للمحتاجين، عمل على أن تسود الرحمة والألفة والمحبة، ويزول الجور والعدوان، ويدعو للمساواة الحقَّة؛ فالقوي والضعيف والغني والفقير سواسية؛ {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحُجرَات: 13]، «لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى»، «لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها»، هكذا يقول صاحب الرسالة العظمى - صلى الله عليه وسلم - وكثير غيره ممَّا يطول استقصاؤه ممَّا يمتاز به الدين الإسلامي الحنيف عن المبادئ والنظريات المختلفة.

 

إن لدى المسلمين في دينهم ما يغنيهم الغناء كلَّه عن كل مبدأ ومذهب لا يتَّفق مع مبادئ الإسلام القويمة، وفيه الكنوز الثمينة، وهو بعدُ صالحٌ لكل زمان ومكان كما اعترف بذلك أعداؤه، وكما هو معروف بدهيًّا لكل مَن نظر فيه بإنصاف.

 

وواجب المسلمين جميعًا أن ينضووا تحت لوائه، فلا يدعوا مجالاً لتسرُّب المبادئ الهدَّامة إلى نفوسهم، وأن لا يجروا مع التيارات المتضارِبة، فإن في الإسلام وتعاليمه السمحة بغية الناشد، وليس ما نشاهده من ضعف في المسلمين راجعًا إلى قصور في الشريعة كما يحلو للمبشِّرين وتلاميذهم ودعاة الإلحاد والتحلُّل أن يتشدَّقوا به، حاشا الشريعة الإسلامية من ذلك، ولكن نقولها - والأسى يملأ نفوسنا -: المصيبة مصيبة المسلمين أنفسهم، وفرْق بين المبدأ والمنتسب له.

 

إن تطبيق الإسلام تطبيقًا صحيحًا هو خير علاج للمشاكل المعقَّدة، وهو الطريق الأوحد الذي يجب على كل مسلم أن يتَّجه نحوه، وبالتعاون وحسن النية تُدْرَك غايات بعيدة المنال.

 

إن تطبيق الشريعة الإسلامية تطبيقًا لا يقتصر على بعض المستحبَّات والنوافل، وإنما يمتد إلى الجذور والأسس تطبيقًا عمليًّا، ليس فقط بالدعايات الفارغة والأقوال المبهرَجة التي هي لغرض الاستهلاك، فإنه سرعان ما ينكشف أمرها (ثوب الرياء يشفُّ عمَّا تحته)، ولكن بتحكيم الشرع والعمل بتعاليمه.

 

وعلى المسلمين أن لا ينصاعوا انصياعًا أعمى لدعايات مغرِضة، فإن دينهم القويم يأبى عليهم ذلك أشد الإباء، وفي الوقت نفسه فإن هذا أقرب لسلامتهم وأمنهم، وإن ممَّا يدعو للغبطة أن نرى الكثيرين من زعماء المسلمين يعلنون استياءهم من المذهب الرأسمالي الجائر، والمذهب الشيوعي الملحِد، كما أن كثيرين منهم يعلنون حيادهم السياسي بين الكُتَل المتطاحنة، وإن كان واجبهم أكبر من ذلك وأخطر.

 

وأخيرًا:

نسأل الله أن يمدَّ الأمَّة الإسلامية بعوْنه وتأييده، وأن يوفِّق قادتها وشعوبها لما فيه العزة والخير والازدهار، إنه قريب مجيب.

___________________________

الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض