الاقتداء بالرسول ﷺ - من هدي النبي ﷺ في التعامل مع المشاكل والخلافات التي وقعت في بيته (3)

منذ 2020-12-07

تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع المشاكل الاقتصادية:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وأصحابه أجمعين.

 

وبعد:

أيّها الأحبة الأكارم اليوم إن شاء الله نكمل الحديث عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع المشاكل والخلافات التي وقعت في بيته، سائلا الله تعالى لي ولكم صلاح النية، والزوجات، والذرية.

 

أولًا: تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع المشاكل الاقتصادية:

عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءها حين أمره الله أن يخير أزواجه، فبدأ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا، فَلا عَلَيْكِ أَنْ لا تَسْتَعْجِلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ» وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه، قالت: ثم قال: " إن الله قال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ} [الأحزاب: 28] " إلى تمام الآيتين، فقلت له: ففي أي هذا أستأمر أبوي؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة[1].

 

وتخيير النبي صلى الله عليه وسلم لأمهات المؤمنين رضي الله عنهن (أمر من الله تبارك وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بأن يخير نساءه بين أن يفارقهن فيذهبن إلى غيره ممن يحصل لهن عنده الحياة الدنيا وزينتها، وبين الصبر على ما عنده من ضيق الحال، ولهن عند الله تعالى في ذلك الثواب الجزيل، فاخترن رضي الله عنهن وأرضاهن الله ورسوله والدار الآخرة، فجمع الله تعالى لهن بعد ذلك بين خير الدنيا وسعادة الآخرة)[2].

 

بعض الفوائد المستنبطة من الحديث:

• سبب الحديث ونزول التخيير هو طلب التوسع في النفقة، وهذا يدل على شدة الوضع الاقتصادي في بيت النبوة.

 

• وجوب التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم في حسن تعامله مع المشاكل فقد تعامل برفق وحلم، حاور أمهات المؤمنين واستمع لمطالبهن وأحسن في الرد عليهن قولا وعملا.

 

• الحرية والجرأة الظاهرة في اجتماع أمهات المؤمنين يُطالبن بحقهن في التوسع في النفقات وأمور الدنيا.

 

• استخدم النبي صلى الله عليه وسلم، الأساليب التربوية والتأديبية، لما سأله نساؤه النفقة والتوسع في أمور الدنيا بما لا يقدر عليه، شق ذلك عليه، فهجرهن شهرًا، وخيرهن بين الصبر على ضيق العيش وبين أن يفارقهن ويسرحهن سراحا جميلا.

 

• بركة النصح وصلاح المشورة، بقوله صلى الله عليه وسلم، لأمنا عائشة: (لا تستعجلي حتى تستأمري أبويك)، أي: تطلبي منهما المشورة والرأي.

 

• حكمة أمنا عائشة رضي الله عنها، وحسن جوابها بقولها: ففي أي هذا أستأمر أبوي؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة.

 

• وجوب التوقير والتعظيم لأمهات المؤمنين ورجاحة عقولهن بعدم ثباتهن على مطلبهن بزيادة النفقة، وهن اللاتي اخترن الله ورسوله والدار الآخرة.

 

ثانيًا: استخدم النبي صلى الله عليه وسلم أسلوب الحوار والإقناع مع أم المؤمنين صفية، وأسلوب العظة والتذكير مع أم المؤمنين حفصة:

عن أنس، قال: بلغ صفية أن حفصة، قالت: بنت يهودي، فبكت، فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي، فقال: ما يبكيك؟ فقالت: قالت لي حفصة: إني بنت يهودي، فقال النبي صلى الله عليه: «إِنَّكِ لَابْنَةُ نَبِيٍّ، وَإِنَّ عَمَّكِ نَبِيٌّ، وَإِنَّكِ لَتَحْتَ نَبِيٍّ، فَبِمَ تَفْخَرُ عَلَيْكِ»؟ ثم قال: «اتَّقِي اللهَ يَا حَفْصَةُ» [3].

 

قوله: "إنك لابنة نبي، وإن عمك لنبي، وإنك لتحت نبي، ففيم تفخر عليك"، يريد بالنبي الأول: إسحاق، والنبي الثاني: إسماعيل، وبالثالث: نفسه، صلوات الله عليهم؛ يعني: أنك ابنة إسحاق، وعمك إسماعيل، وبعلك محمد صلى الله عليه وسلم، ففي أي شيء تفخر حفصة عليك؟ [4].

 

من فوائد الحديث:

• لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم، على أم المؤمنين صفية ورآها تبكي سألها عن سبب بكائها: (ما يُبكيكِ) سمع شكواها واهتم بمشاعرها، وقدر كلماتها، وخفف عنها، وأزال عنها ما أبكاها.

 

• أثلج النبي صلى الله عليه وسلم صدر أم المؤمنين صفية رضي الله عنها جبر خاطرها، وطيب نفسها بشرف نسبها، وعلو مكانتها.

 

عاتب - صلى الله عليه وسلم - عنها، أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها برفق ولين وأمرها بتقوى الله.

 

وجملة القول:

• سياسة النبي صلى الله عليه وسلم الحكيمة في استقامة البيوت والأسر، فقد عالج الأمور بحكمة الراعي، ورقة الزوج المحب، يطيب الخاطر بحكمة ولطف، ويعاتب المخطئ بلا عنف.

 

• نفقةَ النِّساء واجبةٌ على الرجال بالمعروف بلا إسراف ولا تقتير.

 

• أهمية دور الوالدين والأسرة بالنصح والتوجيه والإرشاد.

 

• وجوب توعية الأبناء والبنات بخطورة الطلاق، وما يترتب عليه من اضرار.

 

• الزوج العاقل يجنب نفسه وأهل بيته منغصات ومشاكل لا داعي لها؛ بل ويبدل ذلك سعادة وهناء.

 

ختامًا:

نسأل الله بمنه وكرمه أن يفقّهنا في ديننا، وأن يعلمنا منه ما ينفعنا، وأن يزيدنا علما وهدى وتقى؛ إنه جواد كريم.

 


[1] صحيح البخاري (6/ 117) صحيح مسلم (2/ 1103).

[2] تفسير القرآن العظيم: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774ه). ج6 ص359، المحقق: محمد حسين شمس الدين، الناشر: دار الكتب العلمية- بيروت، الطبعة: الأولى - 1419 ه..

[3] سنن الترمذي (6/ 192)، السنن الكبرى للنسائي (8/ 163)، قال الشيخ الألباني: صحيح. انظر: صحيح وضعيف سنن الترمذي (8/ 394).

[4] المفاتيح في شرح المصابيح: مظهر الدين الزَّيْدَانيُّ، الحسين بن محمود بن الحسن (6/ 335)

المقال السابق
من هدي النبي ﷺ في التعامل مع المشاكل والخلافات التي وقعت في بيته (2)
المقال التالي
من هدي النبي ﷺ وسلم مع زوجاته (أمهات المؤمنين) (1)