نوم القيلولة
كما أكدت البحوث العلمية الحديثة أن أخذ غفوةٌ قصيرة أثناء العمل، يُجدِّد الطاقات الفكرية والجسدية للعاملين، ويزيد إنتاجيتهم وقدرتهم على تحمل ظروف العمل بصورة أفضل
النص الشريف: (قِيلوا.. فإن الشياطين لا تقيل([1]) صحيح الجامع الصغير.
الدلالة اللغوية: قال الإمام الصنعاني في (سُبل السلام): "المقيل والقيلولة: الاستراحة نصف النهار، وإن لم يكن معها نوم". ونومة القيلولة مستحبة شرعًا لما فيها من الأثر الإيجابي في حياة الإنسان المادي والمعنوي على حدٍ سواء.
وقد جاء ذكر القيلولة في القرآن الكريم في موضعين والأول منهما: قول الله تعالى: { {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} } [الفرقان:24] أَحْسَنُ مَقِيلًا: أي موضع قائلة، قال الأزهري: "القيلولة عند العرب الاستراحة نصف النهار إذا اشتد الحرّ، وإن لم يكن مع ذلك نوم، والدليل على ذلك أن الجنة لا نوم فيها".
وقال ابن عباس وابن مسعود: "لا ينتصِف النهار يوم القيامة حتى يقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار". والثانى قول الله عزَّ وجلَّ: { {وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ} } [الأعراف:4] قال المُفسِّرون: "وهي ساعة غرّة واسترخاء وأمن".
أقوال شراح الحديث: (قَالَ الْخَلَّالُ باسْتِحْبَابُ الْقَائِلَةِ نِصْفَ النَّهَار قَالَ عَبْدُ اللَّهِ كَانَ أَبِي يَنَامُ نِصْفَ النَّهَارِ شِتَاءً كَانَ أَوْ صَيْفًا لَا يَدَعُهَا وَيَأْخُذُنِي بِهَا وَيَقُولُ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قِيلُوا فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَا تَقِيلُ ([2]).
والذي يُرجح أن القيلولة هي الراحة بعد الزوال -يعني بعد الظهر- ما (رواه البخاري ومسلم) عن سهل بن سعد رضي الله عنه- قال: «"ما كُنَّا نقيل ولا نتغذى إلا بعد الجمعة في عهد النبي ﷺ » " (واللفظ لمسلم). ونومة القيلولة مستحبة عند جمهور العلماء، قال الإمام الغزالي: "وإنما تطلب القيلولة لمن يقوم الليل ويسهر في الخير، فإن فيها معونة على التهجد، كما أن في السحور معونة على صيام النهار، فالقيلولة من غير قيام الليل كالسحور من غير صيام النهار".
وقال الخطيب الشربيني: "يسن للمتهجد القيلولة، وهي النوم قبل الزوال، وهي بمنزلة السحور للصائم".
وقالوا في الفتاوى الهندية: "ويستحب التنعُّم بنوم القيلولة". وروى الخَلَّال عن أنس رضي الله عنه قال: "ثلاث من ضبطهن ضبط الصوم، من قال وتسحَّر وأكل قبل أن يشرب".
وروي أيضًا عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: "نومة نصف النهار تزيد في العقل". وقال عبد الله بن شبرمة: "نوم نصف النهار يعدل شربة دواء".
وعمل السلف والخلف على أن القيلولة مطلوبة، حتى إن أحدهم إن لم يستطع القيلولة بالبيت قال في المسجد([3]).
الحقيقة العلمية: أغلب الدراسات تؤكد أن المدة المناسبة للقيلولة هي من 15 إلى 20 دقيقة، وأن التوقيت الأفضل لها هو ما بين الساعة الواحدة والساعة الثالثة بعد الزوال.
فقد أكد العلماء أن فترات القيلولة القصيرة في منتصف النهار، لمدة نصف ساعة، يؤدى إلى إراحة الدماغ، والاسترخاء البدني، وإزالة التشنج العضلي، وتعزيز قدرة الإدراك والتلقي وتُلغي تأثير التعب وتُعيد الاستقرار والحيوية والنشاط للذهن والجسم([4]).
كما أكدت البحوث العلمية الحديثة أن أخذ غفوةٌ قصيرة أثناء العمل، يُجدِّد الطاقات الفكرية والجسدية للعاملين، ويزيد إنتاجيتهم وقدرتهم على تحمل ظروف العمل بصورة أفضل([5]).
ويؤكد الخبراء أيضًا أن القيلولة أهم مضاد للتوتر والقلق وذلك عبر تقليص مُعدَّل هرمون الكورتيزون المسئول عن التوتر.
ولا تقتصِر فوائد القيلولة على تلك المزايا قصيرة المدى من اعتدال المزاج وغيره، وإنما تفيد على المدى الطويل أيضًا، حيث تُقلِّل من فرص الإصابة بالأزمات القلبية والجلطات والسبب المؤدى لهما وهي الضغوط.
فلقد أظهرت إحدى نتائج الدراسات هذا الفارق بحوالي 30% نتيجة أن القيلولة تساعد على انتظام النبض ومعدلات التنفس التي لها تأثيرًا مباشرًا وغير مباشر على القلب. وأظهرت إحدى الدراسات أن أولئك الذين يستغرقون في النوم في مكاتبهم لمدة نصف ساعة تقريباً ثلاث مرات أسبوعياً ينخفض معدل وفاتهم جراء إصابتهم بأعراض صحية قلبية بحدود 37 % عن نظرائهم الذين يظلون مستيقظين أثناء العمل.
وقال الباحثون إن قيلولة النهار في المكتب تفيد القلب لأنها تقلل من الإجهاد والاضطراب، حيث يشكل العمل المصدر الرئيسي للإجهاد.
وعلى الأرجح أيضاً أن النساء يستفدن من القيلولة في المكاتب، غير أنه تبين أن عدد الرجال الذين يموتون بسبب الإجهاد في العمل أكثر من النساء([6]). وقد أتى العلم الحديث ليؤكد فوائد القيلولة في زيادة إنتاجية الفرد، ويحسن قدرته على متابعة نشاطه اليومي، فقد أكد الباحثون في دراسة نشرت في مجلة العلوم النفسية عام 2002م أن القيلولة لمدة 10 - 40 دقيقة - وليس أكثر - تكسب الجسم راحة كافية، وتخفف من مستوى هرمونات التوتر المرتفعة في الدم نتيجة النشاط البدني والذهني الذي بذله الإنسان في بداية اليوم([7]).
ويرى العلماء أن القيلولة تعزز الذاكرة والتركيز، وتفسح المجال أمام دورات جديدة من النشاط الدماغي في نمط أكثر ارتياحاً([8])". وأكد الباحثون اليونانيون أن القيلولة تمنع من الأزمات القلبية، ([9] ، [10]) ، وفى دراسة نشرت فى المؤتمر العالمى للنوم فى مدينة كارنز باستراليا أن وقت القيلولة مهم للنشاط وأفضل من تناول القهوة([11])
الإعجاز العلمى:
تنتشر في العالم هذه الأيام دعوة لمناصرة نوم القيلولة، تتبناها منظمات وسياسيون ونواب برلمانيون.
ففي البرتغال هناك (رابطة محبي نوم القيلولة) ويتولى وزير العمل بنفسه مسئولية الدفاع العلني عن القيلولة.
وفي فرنسا يدعو الخبراء إلى مشروع (لـتقنين القيلولة).
وفي أسبانيا محلات للتدليك أثناء القيلولة بمقابل مادي كبير([12]).
وفي إيطاليا يدعو كبار السياسيين لقيلولة، وتسمى مدينة كتانيا في جزيرة صقلية: العاصمة الوطنية للقيلولة.
وفي الولايات المتحدة (غرف خاصة للقيلولة) أنشأتها بعض المؤسسات والشركات، فضلاً عن (مؤسسة النوم الوطنية الأمريكية) التي تدعو دوماً إلى مناصرة القيلولة.([13])
وفى بريطانيا القيلولة مهم لصحة الفرد وزيادة الإنتاج ، وفي الصين يوجد اعتراف دستوري بالقيلولة كحق لجميع العمال، وفي الهند يوجد قانون يعاقب من يقطع قيلولة الآخرين.وفي اليابان هناك حضور طاغٍ للقيلولة، وهناك أسرّة للاسترخاء في معظم الشركات والمصانع بهدف تحقيق زيادة الإنتاجية وكل هذا لأن الدراسات الحديثة أظهرت أن القيلولة من العادات الجيدة، وأنها تعود بالنفع على من يحافظون عليها.
وأقرت اليابان في 2019 قانونا جديدا يضع حدا أقصى لوقت العمل الإضافي، وفي الوقت ذاته أخذت الشركات اليابانية في التوسع بإنشاء "غرف نوم استراتيجية" في مقارها لتشجيع الموظفين على "قيلولة لنصف ساعة" في أوقات العمل الرسمية بخلاف ساعة الراحة اليومية. وهكذا يتبين للقاصى والدانى سبق النبى محمد ﷺ لجميع علماء العالم فى بيان أهمية القيلولة لصحة الإنسان وهذا يدل على رحمته ببنى الإنسان ، وعلى صدق رسالته ، وأنه يتكلم بوحى من رب الأرض والسماوات.
[1] ) هذا الحديث حسنه شيخنا الألباني رحمه الله في السلسة الصحيحة و صحيح الجامع. قال العلامة الألباني في " السلسلة الصحيحة " 4 / 202 : أخرجه أبو نعيم في " الطب " ( 12 / 1 نسخة السفرجلاني ) و في " أخبار أصبهان " ( 1 / 195 و 353 و 2 / 69 ) من طرق عن أبي داود الطيالسي حدثنا عمران القطان عن قتادة عن # أنس # قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره .
[2] ) "غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب" مطلب نوم القائلة
[3] ) سير أعلام النبلاء :محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي الخلالى مؤسسة الرسالة سنة النشر: 1422هـ / 2001م
عدد الأجزاء: أربعة وعشرون جزءا الطبعة الخامسة والعشرون http://library.islam...library/display
[4] ) (Webb WB, Dinges DF. Cultural perspectives on napping and the siesta. In: Dinges DF, Broughton RJ (eds). Sleep and Alertness. Chronobiologicals, Behavioral, and Medical Aspects of Napping. New York: Raven Press, 1989, pp.247–66.). Stein, Rob. "Midday Naps Found to Help Fend Off Heart Disease", Washington Post, 13 February 2007, p. A14
[5] ) من أبحاث المؤتمر العالمي السابع للإعجاز العلمي في القرآن والسنة بدولة الإمارات-دبي 1425هـ - 2004م
د. حسان شمسي باشا
[6] ) Lambert, Craig, PhD (July–August 2005). "Deep into Sleep. While researchers probe sleep's functions, sleep itself is becoming a lost art". Harvard Magazine. Retrieved 25 February 2008.
[7] ) https://sleep.org/ar...tory-of-siesta/
[8] ) http://www.bbc.com/c...ereotype-to-bed
[9] ) Trichopoulos D, Tzonou A. Siesta and risk of coronary heart disease. Stress Med 1988;4:143–48.
[10] ) Kalandidi A, Tzonou A, Toupadaki N et al. A case-control study of coronary heart disease in Athens, Greece. Int J Epidemiol 1992;21: 1074–78.
[11] ) http://www.foxnews.c...on-fatigue.html 2007
[12] ) "Spanish siesta: The Spanish siesta myth or reality?". El País. Retrieved 2016-06-19.
[13] ) Maas, James B. (1998) Miracle Sleep Cure: London: Thorsons
حنفي محمود مدبولى
- عضو الهيئة العالمية للإعجاز العلمي فى القرآن والسنة
- التصنيف: