قضية التنوير
قضية التنوير ( التعريف - الأسباب - المظاهر - الأثار - العلاج )
أولاً: التعريف:
التنوير لغةً:
(جاء في لسان العرب لابن منظور، أن التنوير هو وقتُ إسفار الصبح، يقال قد نوَّر الصبح تنويراً، والتنوير: الإنارة، والتنوير: الإسفار. ويقال: صلَّى الفجر في التنوير) [1].
(وفي المعجم الوسيط، استنار: أضاء. ويقال: استنار الشعبُ: صار واعياً مثقفاً. و به: استمدَّ شعاعَه. و عليه: ظَفِرَ به وغَلَبَهُ. ونَوَّر اللهُ قلبَه: هداه إلى الحق والخير.
ويطلق اسم النور على الهداية كما في قوله تعالى {اللَّه وليّ الذين آمنوا يُخرجهم من الظلمات إلى النور}، أي الهداية {أفمن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً}، أي هداية {اللَّه نور السمـوات والأرض}، أي هادي أهلها)[2].
التنوير اصطلاحاً:
(هو الاستخدام العام لعقل الإنسان في جميع القضايا، وتبني شعار "لا سلطان على العقل إلا للعقل،" وهو شجاعة استخدام العقل ولو كان ذلك ضد الدين وضد النص، والدعوة إلى تجاوز العقائد الغيبية، والإيمان بقدرة الإنسان الذاتية على الفهم والتحليل والتشريع، والدعوة إلى الدولة العلمانية، وتجاوز النص الديني أو إهماله أو تفسيره تفسيرات بعيدة عن سياقه وعن قواعد التفسير الموضوعي، وهو الدعوة إلى المنهج التجريبي الحسي المادي واعتباره المنهج الوحيد الجدير بالثقة والاتباع
ويطلق مصطلح التنوير في الخطاب العربي الحديث بشكل عام على حركة التوعية والتثقيف والتحديث والتجديد التي حدثت في العالم الإسلامي منذ قرنين من الزمان واتسمت بتأثرها بالطريقة الغربية وبإعجابها بالغرب وعلومه وتقدمه الفكري والعلمي وبتيار النهضة والإحياء الذي عرف فيه في القرون الأخيرة، بل إن هناك من يقول بأن تيار التنوير في العالم العربي الحديث بدأ مع الحملة الفرنسية البونابارتية على مصر ١٧٩٨،م وما أحدثته هذه الحملة من صدمة ثقافية وحضارية ووعي فكري وثقافي، وقد وجدنا من ينظر إلى هذه الحملة اليوم نظرة إيجابية استحسانية، ويطالب بإعادة تقويم هذه الحملة وإعادة تحليل أهميتها وآثارها والحكم عليها من وجهة النظر التنويرية التقدمية التاريخية.[3].
(وهو مصطلح شائع في الحياة الفكرية، هو مصطلحٌ أوروبيٌّ النشأة والمضمون والإيحاءات، بل إنه عنوانٌ على نسق فكري سَادَ في مرحلة تاريخية من مراحل الفكر الأوروبي الحديث، حتى ليقال كثيراً، في تقسيم مراحل هذا الفكر: "عصر التنوير". وهذا المفكر من عصر التنوير. وهذا الفكر من أفكار (عصر التنوير)، أو ضد أفكار ذلك العصر)[4].
(واختلف الباحثون والمؤرخون حول تسمية هذا الاتجاه الفكري، فقد أُطلق عليه مصطلحات عدة مثل: (الاتجاه العصراني) أو (الاتجاه العقلاني) أو (التنوير الإسلامي)، ويطلق عليه مؤخراً مصطلح (الإسلاميون الجدد) وقد بيَّن هذا الأمر الدكتور وليد الهويريني في كتابه: (عصر الإسلاميين الجدد) [5].
نشأة التنوير:
ونستطيع أن نقول إن التنوير قضيةٌ أوروبيةٌ محض، انبثقت في المحيط الأوروبي، نتيجة ظروف كانت تسود المجتمعات الأوروبية، وكردّ فعل لهيمنة الكنيسة الغربية على الحياة العقلية والفكرية والثقافية في أوروبا. ولذلك فإن قيام مفهوم التنوير الأوروبي على إلغاء دور الدين في الحياة، مسألةٌ طبيعية، إذا نظرنا إليها من زاوية ما كانت تمارسه الكنيسة الغربية من ضروب الاستبداد وألوان القهر، وما كانت تُشيعه من أباطيل وخرافات، وبحكم أن أوروبا كانت عهدئذ، تعيش العصور المظلمة، في حين كان العالم العربي الإسلامي يعيش ازدهاراً حضارياً واسع الإشعاع.
إن التنوير في المفهوم الغربي، كان تنويراً للقرون الوسطى المظلمة التي عاشتها أوروبا. وهنا ينبغي أن ننبه إلى أن كلمة (القرون الوسطى المظلمة)، لا تمثّلنا، ولكنها تمثّل أوروبا والغرب، حين سقطت روما في القرن الرابع، وعادت النهضة في القرن الرابع عشر، أما نحن المسلمين فقد قدّمنا الضياء للإنسانية والعالم كلِّه، منذ بزوغ الإسلام في القرن السادس خلال ألف سنة كاملة. لقد قام المسلمون في القرون الوسطى المظلمة في أوروبا بإعادة نور الحضارة والمدنية الذي كان قد انطفأ، في جميع بلاد الغرب والشرق حتى القسطنطينية.
لقد كانت حركة التنوير في أوروبا ردَّ فعلٍ طبيعياً على الجبروت التي كانت السلطات الكنسية تمارسه ضد العقل والإرادة الإنسانية. وهو وضعٌ لم تعرفه الحضارة الإسلامية، وحالةٌ لم يعشها المسلمون قط.[6].
( يقول الدكتور محمد السيد الجليند في كتابه " فلسفة التنوير بين المشروع الإسلامي والمشروع التغريبي " ( ص 12 – 17 ): ( إن مصطلح التنوير -كغيره من المصطلحات العَلمانية- وفد إلينا من الغرب ضمن مجموع المصطلحات التي غزت ثقافتنا المعاصرة خلال حركة الاتصال الحديثة بين مصر والعالم الغربي -خاصة فرنسا- خلال القرنين الأخيرين.
ولقد نشأ هذا المصطلح في ظروف تاريخية عاشتها دول أوروبا شرقاً وغرباً، كانت ثقافة الشعوب في أوروبا خلالها قاصرة على ما تمليه عليهم سدنة الكنيسة ورجالها، وكانت السيطرة الثقافية واللاهوتية وتفسير الظواهر الطبيعية خاضعة لرجال اللاهوت الكنسي، لا يجوز مخالفتها، باعتبار ذلك وحياً لا تجوز مخالفته...
ومن المعروف تاريخياً أن موقف الكنيسة وآراء رجالها كانت في العصور الوسطى تمثل الجهل والتخلف والخرافة، فلقد طلبوا من المسيحيين الإيمان والإذعان لآرائهم في تفسير الظواهر الكونية مدعين أن الدين ( الكنيسة ) يختص بتفسير هذه الظاهرة، وإن الخروج عليها كفر وإلحاد، ويكون جزاؤه الطرد من رحمة الكنيسة.
ومن المفيد أن ننبه هنا إلى أن موقف الأديان من الكون وظواهره هو الإيمان بما هو موجود على ما هو عليه في الوجود، دون أن يفرض الدين تفسيراً معيناً لهذه الظاهرة أو تلك، تاركاً ذلك كله لمنطق العلم وما يصل إليه العقل من اكتشافات وعلاقات بين الأسباب والظواهر، دافعاً للعقل أن يعمل ويكتشف القوانين ويدرك العلاقات، جاعلاً الكون كله خاضعاً لسلطان العقل بحثاً واكتشافاً وتسخيراً وتوظيفاً. ومن هنا كان الكون كله آية دالة على خالقه، وكان أكثر العلماء اكتشافاً لقوانين الكون وأكثرهم إدراكاً للعلاقات أشدهم خشية لخالق هذا الكون. هذه نقطة تحتاج إلى بسط وتفصيل أحسب أن له مجالاً آخر، ولكن أردنا أن ننبه هنا إلى السقوط الذي وقعت فيه الكنيسة بفرض آرائها على العلماء ودعوى احتكارها تفسير الظواهر الكونية، ووجوب الخضوع لتفسيراتها وقبول آرائها في تفسيرهم للظواهر الطبيعية، وترتب على ذلك ميلاد حركة التنوير الرافضة للكنيسة ولآرائها، معلنة أن ما يدعيه رجال الكنيسة باطل لاحق فيه، جهل لا يسنده علم، خرافة لا يقبلها العقل.
ولما كان رجال الكنيسة هم الممثلون للدين. فقد فتش العلماء فيما يطالبهم رجال الكنيسة الإيمان به والاعتقاد بصحته، فوجدوا أن هذه الآراء، وتلك التفسيرات، خرافة لا يقرها العقل، وجهل لا يقبله العلم، وظلام وتخلف لا يثبت أمام النقد ومنطق العلم، فأعلنوا ثورتهم على هذه الآراء وتلك الخرافات التي ارتبطت في أذهانهم بالكنيسة ورجالها.
وبدأت قصة هذا الصراع المرير بين الكنيسة والعلماء منذ أيام كوبرنيق، الذي أعلن عن آرائه في الطبيعيات والفلك ومركز الكون، وكلها على نقيض ما يدعيه رجال الكنيسة، وانسحب ذلك الموقف بكامله على الدين بمفهومه العام.
لم ينتبه العلماء إلى ضرورة التفرقة بين رأي رجال الكنيسة والدين الصحيح في مفهومه العام. وصار الدين عندهم -كما عرفوه من رجال الكنيسة- تجسيداً للتخلف والجهل والخرافة. وأصبح رجل الدين رمزاً لكل هذه المعاني. فهو داعية للجهل. محارب للعقل. رافض للعلم، ولا شك عندي - أن هذه الكوكبة من العلماء التي عاشت هذه المعركة كان ينقصها العلم بالدين الصحيح، الذي نزل على عيسى عليه السلام، فضلاً عن جهلهم التام بالإسلام واحتضانه للعلم، وتكريمه للعلماء، ولا شك عندي أيضاً أن رجال الكنيسة الذين أعلنوا هذه الحرب التاريخية على العلم والعلماء قد أساءوا إلى المسيحية، وأفسدوا بموقفهم هذا حركة التاريخ المعاصر. فلا انتصروا لدينهم، ولا حققوا النصر على عدوهم، بل كانوا بموقفهم هذا الباب الطبيعي الذي فتح على مصراعيه لدعاة الإلحاد والثورة على الكنيسة والدين معاً، حيث صوروا الموقف على أنه صراع بين الدين والعلم، وليس بين رجال الكنيسة والعلماء بين العقل والخرافة، بين النور والظلام بين التقدم والتخلف، وكان مفهوم التنوير يعني التحصن بمنطق العلم والعقلانية، ضد هذا الدين ورجاله، الذين يمثلون الجهل والخرافة، فكان لابد أن ينتصر العلم في مواجهة الجهل، وينتصر العقل في مواجهة الخرافة، والتقدم في مواجهة التخلف.
وكان مصطلح التنوير هو المعبر عن نتيجة هذه المعركة التي حسمها التاريخ والواقع لصالح العلم والعقل والنور ضد الكنيسة وآرائها، ولقد صورت المعركة كلها على أنها صراع بين الدين، بمعناه العام، وكل معاني التنوير التي هي العقلانية والتقدم، وانتقلت المعركة بكل ملابساتها وظروفها إلى عالمنا العربي بدون أن يفطن دعاة التنوير في عالمنا العربي إلى أن الإسلام ليس هو الكنيسة، ولا عالمنا العربي هو أوروبا، ولا الحضارة الإسلامية هي الحضارة الأوروبية في عصورها المظلمة، فليس الدين عندنا رافضاً للعلم، ولا محارباً للعقل.
وأخذ دعاة التنوير عندنا يصورون المعركة في بلادنا على أنها صراع بين الإسلام والعلم، بين الدين والعقل، بين ضرورة التخلص من الماضي، والنهوض بالمستقبل، وكان النموذج الغربي في نظرهم هو المثل والقدوة التي ينبغي أن نحذو حذوها، ونسير في ركابها، حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلناه معهم.
وقد أخذ دعاة التنوير عندنا بنفس المبدأ، فأعلنوا الحرب على الإسلام ورجاله، لكي يعلنوا عن أنفسهم أنهم تنويريون ودعاة التنوير، وكما أعلن العلماء في الغرب أن الدين -الكنيسة- خرافة، ورجاله رموز للجهل، أخذ دعاة التنوير في بلادنا يلصقون نفس التهم بالإسلام ورجاله، ولو أنصف هؤلاء الدعاة إلى التنوير لبدأوا دعوتهم من حيث بدأ الإسلام، الذي يجعل العلم ديناً وفريضة، ويجعل حاكم العقل في عالم الشهادة ميزاناً لا يخطئ، ولو أنصفوا لفرقوا بين الإسلام والكنيسة، وبين الشرق والغرب ([7].
ثانياً: الأسباب:
وإذا أردنا أن نحدد الأسباب التي دعت إلى خروج هذا الفكر في الغرب نجدها كثيرة ومتقاربة في أكثرها ولعل جامعها أنها ردود أفعال من الحكومات المستبدة والكنائس القامعة - لكل من يخالفها – باسم الدين – المحرف - التي واجهت بقوة الفكر المعتمد على العقل والمتحرر من كل القيود على مستوى الأفراد والمجتمعات والحكومات.
وأظهر الفكر التنويري عداءه الواضح على كل من يخالفه وخاصة على الدين – المسيحي المحرف – وأصبح كل من دعا إلى التنوير في زمن الحكومات المستبدة والكنائس القامعة في أوروبا يتشرب أيدلوجيات الفلاسفة والمفكرين عبر كل وسائلهم وقنواتهم المتنوعة المتاحة التي ساهمت في إيصال مبتغاهم وتحقيق أهدافهم بصورة كبيرة.
ومن المعلوم أن من طرق انتقال الأفكار المستوردة من أوروبا إلى العالم الإسلامي جاءت عبر احتكاك الأوربيين بالمسلمين من خلال البعثات الطلابية إلى المدن الكبرى في العالم العربي، وأهمها جاء من خلال الحملة الفرنسية على مصر في عام (1798م) من جهة الخصوص، ومن جهة العموم الاستعمار الذي لم تسلم منه غالب البلاد العربية بعد سقوط الدولة العثمانية، وبعد خروجهم تركوا حلفاءهم يقومون بعملهم وينشرون أفكارهم، وزاد تركيز الغرب على الخطط الإستراتيجية بعد التحديد الجغرافي لكل دولة وأصبحت كل واحدة منعزلة عن الأخرى وخاصة في المجال السياسي والاقتصادي وتصارعت الأفكار والقيم المستوردة في داخل مجتمعاتها وبمتابعة أسيادهم من خارجها.
ويمكن أن نحدد – بدقة - عوامل ظهور التنوير في العالم الإسلامي كما ذكر ذلك الشيخ عبدالوهاب آل غظيف في كتابه: (التنوير الإسلامي في مشهد السعودي) إلى عاملين مهمين:
الأول: الانبهار بالحضارة الغربية والاستسلام لضغط مفاهيمهما والنهل من معين الفكر الغربي إما مباشرة وإما عبر وسائط عربية.
الثاني: قلة المحصول المعرفي من كلام السلف في بيان القرآن والسنة وحقائق الإسلام، وقلة مطالعة كتب أهل العلم في العقائد والفروع، ولاشك أن ذلك يورث التغرب، وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى -: (ومن أدمن على أخذ الحكمة والآداب من كلام حكماء فارس والروم، لايبقى لحكمة الإسلام وآدابه في قلبه ذاك الموقع، ومن أدمن قصص الملوك وسيرهم ؛ لايبقى لقصص الأنبياء وسيرهم في قلبه ذاك الاهتمام، ونظير هذا كثير.
ثالثاً: أبرز المظاهر:
وأوضح الشيخ عبدالوهاب آل غظيف في كتابه: (التنوير الإسلامي في مشهد السعودي) أن مسالك التنوير في العالم الإسلامي تنقسم إلى مسلكين:
الأول: مسلك صارخ في أن نبذ الدين هو الحل النهضوي، وكان لهذا المسلك انعكاسان: أحدهما سياسي والأخر ثقافي، فالجانب السياسي مثلته أنظمة ديكتاتورية ؛ كنظام أتاتورك وأبو رقيبة وعبدالناصر وأحزاب البعث وغيرهم، والجانب الفكري مثله بعض دعاة التغريب كطه حسين ومحمد أركون وصادق جلال العظم ونصر حامد أبو زيد وسواهم.
الثاني: الاتجاه الذي يظهر أصحابه التسليم للمرجعية الإسلامية، لكنهم يمارسون تطويع أحكام الشريعة والنصوص ذات الدلالة القطعية بما يتوافق مع الثقافة الغربية المسيطرة، وربما يذيب التمييز الإسلامي الشكلي والضمني عن الأمم الكافرة، ويتجلى ذلك التطويع بصورة أكبر في القضايا السياسية والاجتماعية ؛ كنظم الحكم وغايته وشرائع الحدود والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقضايا المرأة والعلاقة مع الكافر والمبتدع والولاء والبراء... إلخ، وأورثت عملية التطويع هذه حاجة إلى التخفف من قيود المنهج الشرعي فطالت التحريفات قضايا منهجية أيضاً، وكانت المبررات لهذه التنصلات محشودة تحت لوافت من قبيل الاستنارة ومواكبة العصر والنهوض والتجديد.[8]
وذكر الدكتور مسفر بن علي القحطاني في مقاله ( التنويريون السعوديون.. قراءة هادئة وسط الضجيج ) عددا من مظاهر هذا الفكر، منها:
1- (الغلو في نقد المدرسة السلفية التقليدية وإظهار جمودها وانغلاقها على الواقع المعاصر مما حدا بكل الناقمين عليها والمخالفين لها أن ينظموا في خندق هذا التيار مع تباين أطيافهم وانتماءاتهم الفكرية.
2- الاعتماد في تفسير النصوص الشرعية والأحكام الثابتة على العقل المجرد والمصلحة الذوقية وتأويلها وتنزيلها على الواقع من خلال هذه الرؤية باعتبارها الأوفق لحياة الناس المعاصرة، ونقد الكثير من القواعد الأصولية بحجة تضييقها لمساحة المباح والعفو في الشريعة الإسلامية.
3- الدعوة لتجديد الفكر الإسلامي وتأطيره من جديد، وربط النهضة بالمشروع الحضاري الشامل بالمفهوم الحداثي المعاصر.
4- نقد التيارات الإسلامية الحركية من غير تمييز واتهامها في مقاصدها بتسييس الدين لصالحها ووصمها بالانتهازية وربطها أحيانا بالعمالة لدول أجنبية.
5- التأكيد المستمر على خيار الديمقراطية في الإصلاح، والعمل على إقامة دولة المؤسسات وتحقيق مفهوم المجتمع المدني من خلال المنظار الليبرالي التقدمي.
6- الدعوة لـ" الإسلام المستنير " كمخرج من الجمود والتقليد الذي تعيشه بعض المجتمعات الإسلامية الخليجية، وكمفهوم للدين يتوافق مع ديمقراطية الغرب ومبادىء المجتمع المدني، كما تبرز أهميته في قابليته للتشكل لأي صياغة ليبرالية يستدعيها موقفهم القيمي، وهذا ما جعل التيار الليبرالي يتبناهم ويفسح المجال لهم في كثير من منابره الثقافية والإعلامية.
7- تجلية التاريخ الإسلامي- بدأ من عهد الخلفاء الراشدين –بدراسة سلبياته وإيجابياته وأسباب انحرافاته السياسية والفكرية, وتمجيد الأفكار والحركات الباطنية والاعتزالية والفلسفية كنوع من التحرر الفكري العقلاني والنهوض الثوري في وجه الرجعية التراثية)[9].
رابعاً: نماذج لأقوال التنويريين:
وقد مارس أرباب الفكر المتطرف أساليب متنوعة واتخذوا طرائق متعددة عبر وسائل الإعلام لهدم الأصول والثوابت والتشكيك بالمسلمات والطعن في العلماء والمشايخ وطلبة العلم والدعاة تحت مظلة النقد الذاتي والتصحيح والموضوعية والإنصاف، فتزينت هذه العبارات البراقة واستقبلتها العقول الفارغة التي لم تتحصن بالحصون الشرعية، ومن نماذج الفكر المتطرف ما يلي:
1. كتب تركي الحمد روايةً سماها: (الكراديب) وفيها التعدي الواضح على الذات الإلهية – تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً – حيث قال: (مسكين أنت يالله دائماً نحملك مانقوم به من أخطاء)، وقال كذلك: (أكل هذا جزء من قدر إلهي، أم هو عبث شيطاني، أم هي حكمة لا ندريها، مختبئة في عباءة قدر عابث، أو عبث قادر ؟ لا أحد يدري، فالله والشيطان واحد هنا وكلاهما وجهان لعملة واحدة).
2. كتب عبدالله حميد الدين كتاباً سماه: (الكينونة المتناغمة) المبني على الشك والإلحاد وتحول محتوياته إلى منهج لمجموعة من الشباب في محافظة جدة ومن مقولاته التي تشكك في وجود الله – سبحانه وتعالى – وتطعن في ثوابت ومعتقدات الشريعة قوله: (نحن بحاجة لله. لا شك. ولكن بحاجة لصياغة علاقة جديدة معه. وهذا لا يأتي إلا بالتشكيك به. فإذا تحب الله وتريد استمراره في حياتنا فشكك فيه).
3. قال رائف بدوي – مؤسس الشبكة الليبرالية السعودية على الإنترنت – في تسجيل له منشور على موقع اليوتيوب كلاماً فيه الجرأة بالباطل حيث قال: (من حق التيار المحافظ أو الجناح المحافظ أن يكون منغلقاً على نفسه، لكن ليس من حقه أن يلغي الآخرين، وأن يفرض فكره وأيديولوجيته على عامة الناس، من حق الإنسان أن يعبر، حتى الملحد من حقه أن يقول ما يريد ومن حقه أن يخرج إلى الناس ويصدع بصوته ويقول أنا ملحد وليس من حق أي أحد أن يحاسبه).
4. كتب عبده خال روايةً سماها: (فسوق) وفيها استغرابه الشديد بحجاب المرأة حيث قال: (لماذا تستعر من رجلك أو خشمك أو صدرك حينما يتكشف أي منها، أليست هي أعضاء من جسدك تفتخر بها، وهناك من يفتخر بأعضائه التناسلية أمام النساء ).
5. كتب منصور النقيدان في موقعه على الشبكة العنكبوتية كلاماً سيئاً حيث قال: (الجنون الذي نراه اليوم عرض من أعراض المرض والعلة التي استشرت في جسد هذه الأمة وثقافتها، وهذه راجعة أساساً إلى تراث متعفن، وثقافة الصديد والضحالة التي يربى أبناؤنا عليها صباحاً ومساءً، في المساجد، وعبر خطب الجمعة، وفي دروس الدين، ومن إذاعة القرآن الكريم).
6. كتب إبراهيم البليهي مقالاَ في جريدة الرياض يدعو فيه إلى نقد المسلَّمات ويزعم أن هذا هو صانع الحضارات حيث قال: (إن النقد للأفكار والرؤى والأوضاع والأعراف والتقاليد والمواضعات والمسلمات هو محرِّك الحضارة وهو صانع التقدم في كل مجالات الفكر والفعل وهو الشرارة التي فجرت طاقات الإنسان وصنعت له أمجاد الفكر والعلم ووفرت له أسباب الازدهار).
7. كتب عبدالله بن بجاد مقالاً في جريدة الوطن يدعو فيه إلى التشكيك في المعتقد والمنهج الذي يحمله العقل العربي الإسلامي بمسمى التنوير والإصلاح حيث قال: (إذاَ فلا بد كمنطلق لعملية التنوير والإصلاح أن يدخل الشك في آلية العقل العربي الإسلامي الحالي أن يشك في قضية جوهرية وهي هل هو قادر على العمل الآن ؟ هل آلياته ومناهجه ومنظومته المعرفية صالحة للتعامل مع الزمن الراهن).
8. كتب مشاري الذايدي مقالاً في جريدة الشرق الأوسط يدعو فيه إلى التهوين من خطر الرافضة في بلاد الحرمين ويسخر بما كتبه الأستاذ الدكتور ناصر العمر – حفظه الله تعالى - في مذكرة (واقع الرافضة في بلاد التوحيد) التي قدمها للعلامة عبدالعزيز بن باز – رحمه الله تعالى – حيث قال: (العمر تحدث عن هؤلاء الرافضة شاطباً من قاموسه الفكري وخيالة مفردة مواطن !! لقد نسي، أو تناسى، أن هؤلاء الذين يتحدث عنهم، هم – بمقتضى المواطنة – مثله تماماً. وهذا النسيان أو الشطب لمفهوم الوطنية نابع من أن مصدر الشريعة الأساس، للوجود والعمل قي الحياة هو مصدر أيدلوجي ديني لدى العمر وأقرانه).
9. كتب خالص جلبي مقالاً في جريدة الاقتصادية يدعو فيه إلى الانبهار بالحضارة الغربية والإشادة بأصحابها وقد تشرب حبه لأمريكا وفاض على غيره حيث قال: (يجب أن نحزن لحزن أمريكا ؛ لأنَّ فشلها فشل لكل الجنس البشري، ولأنها تمثل طليعة الجنس البشري).
10. كتب عبدالله أبو السمح مقالاً في جريدة عكاظ يدعو فيه إلى الاختلاط بين الجنسين في مجالات الحياة عموماً حيث قال: (التزمت والغلو هو الذي فرض التفريق والحجز بدعوى سد الذرائع).
خامساً: آثار التنوير:
1- تهميش دور العلماء والمؤسسة الدينية وتزهيد الناس فيهم.
2- رد كثير من النصوص الشرعية المتفق عليها ( التشكيك في الدين ).
3- تمييع الدين وتذويب عقيدة الولاء والبراء.
4- هو طريق للعلمنة حتى أنك لا تكاد أن تفرق بينهما.
5- تحكيم الشعوب في كتاب الله.
6- إنكار باب سد الذرائع.
خامساً: العلاج:
1- تأليف الكتب وكتابة المقالات في التحذير من هذا الفكر.
2- المناصحة المباشرة وغير المباشرة عن طريق الكتابة والزيارة والاتصال.
3- التحذير من نشر أقوال أصحاب هذا الفكر بين العامة بالذات.
4- المناظرة للمتخصصين وهي خطوة متقدمة.
5- الرفع للقضاء الشرعي وهي أيضاً خطوة متقدمة.
________________________________________
[1] لسان العرب، ابن منظور (6/4571).
[2] المعجم الوسيط، أحمد الزيات وآخرون (2/962).
[3] مصطلح التنوير: مفاهيمه واتجاهاته في العالم الإسلامي الحديث " نظرة تقويمية " محاضرة أعدها وقدمها الدكتور عبد اللطيف الشيخ توفيق الشيرازي الصباغ
http://www.fiqhacademy.org.sa/fislamicg/3.pdf
[4] موسوعة المذاهب الفكرية المعاصرة، الدرر السنية
http://www.dorar.net/enc/mazahib/266
[5] التنويريون في السعودية بين الوهم والحقيقة، ناصر السيف، موقع صيد الفوائد
http://saaid.net/arabic/693.htm
[6] موسوعة المذاهب الفكرية المعاصرة، الدرر السنية
http://www.dorar.net/enc/mazahib/266
[7] ثقافة التلبيس، سليمان الخراشي، موقع صيد الفوائد نقلا عن د.محمد السيد كتاب فلسفة التنوير بين المشروع الإسلامي والمشروع التغريبي،ص
12 http://www.saaid.net/Warathah/Alkharashy/m/150.htm?print_it=1
[8] التنويريون في السعودية بين الوهم والحقيقة، ناصر السيف، موقع صيد الفوائد
http://saaid.net/arabic/693.htm
[9] مقال: التنويريون السعوديون.. قراءة هادئة وسط الضجيج، د.مسفر بن علي القحطاني, موقع صيد الفوائد
http://www.saaid.net/Doat/msfer/11.htm
___________________________________________
إعداد وجمع : إبراهيم بن توفيق البخاري
- التصنيف:
- المصدر: