أثر العامل الاقتصادي في الحروب والصراعات ضد العالم الإسلامي

منذ 2020-12-29

النفط والغاز من الدوافع المهمة في الصراع، ولكن يجب وضع هذه الأهمية في حدودها الطبيعية، فالنفط والغاز سلعة يتشارك في إنتاجها مع الوطن العربي الدولُ الغربية الكبرى.

توجد عدة عوامل تلعب دورًا مهمًّا في توجيه السياسة الخارجية الأمريكية؛ منها: تحقيق المصالح الأمريكية الاقتصادية، وخاصة في الوطن العربي.

 

فالدافع الاقتصادي ممثلًا بأطماع الغرب بثروات المسلمين، والاستيلاء على أسواقهم التجارية، والعمل على إبقائهم مستهلكين لا منتجين - من أهم أهداف الغرب الذي هو في طبيعته ماديٌّ في تعاملاته الدنيوية، فالدول الإسلامية في نظر الغرب مصدرٌ متدفق للموارد الاقتصادية، فضلًا عن الأسواق.

 

وهذه الأطماع ستبقى مستمرة، مترافقة مع سياسات عملية، يدلُّ عليها حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «منعت العراق درهمها وقَفِيزها[1]، ومنعت الشام مُديها[2] ودينارها، ومنعت مصر إردبها ودينارها[3]»، وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه[4] قال: ((يوشك أهل العراق ألَّا يجيء إليهم قَفِيزٌ ولا درهم، قلنا: من أين ذاك؟ قال: من قِبل العجم يمنعون ذاك، ثم قال: يوشك أهل الشام ألَّا يجيء إليهم دينار ولا مُدْيٌ، قلنا: من أين ذاك؟ قال: من قِبل الروم))[5].

 

وقد ميَّز الله تعالى الأمة الإسلامية بمواردَ وخيراتٍ كثيرة أدت إلى تكالب الأمم والدول عليها؛ مصداقًا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (( «يُوشِكُ الأممُ أن تَداعَى عليكم، كما تَداعَى الأكَلَةُ إلى قَصعتِها، فقال قائل: ومن قلةٍ نحنُ يومئذٍ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غُثاءٌ كغثاء السيل، ولينزِعَنَّ الله من صدور عدوكم المهابة منكم، ولَيَقْذِفَنَّ الله في قلوبكم الوَهْنَ، فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت» [6].

 

ومن الموارد التي نعمت بها الأمة الإسلامية النفط والغاز والموارد المائية، والثروات المعدنية، وهذه الموارد من أهم مصادر وأدوات الحضارة التي يضمن الاستيلاء عليها بقاء حضارة الغرب، وإنعاشها، وتخليصها من الأزمات الاقتصادية التي تتعرض لها بين الفترة والأخرى؛ نتيجة تقلبات الأسواق أو سياسات اقتصادية خاطئة، فالأرض الإسلامية فيها من الخيرات والمعادن ما يضمن استمرار حضارة الغرب، ويدعمها لمئات السنين، وللسيطرة على الموارد الإسلامية؛ وجب في نظر الغرب أن يبقوا قريبين من منطقة العالم الإسلامي، متأهِّبين لمواجهة أي محاولة للاستقلال والتخلص من التبعية، وقد أكد جيمي كارتر في عام 1980م ضرورة أن تصبح منطقة الخليج منطقة نفوذ أمريكي.

 

وبالإضافة إلى أهمية النفط، تأتي المحافظة على أسعاره في مستوى معين من الأمور المهمة بالنسبة للعالم، فهو سلعة يشترك العرب في إنتاجها مع دول أخرى، والولايات المتحدة نفسها من أكبر منتجي النفط في العالم، وإن لها مصلحةً في ألَّا تنخفض أسعاره عن حدٍّ معين، وما ينطبق على أمريكا، ينطبق على دول غربية أخرى، وقد تلجأ بعض الدول لخفض أسعار النفط عن الحد المتفق عليه؛ كسياسة للضغط على الدول الأخرى، من أجل تحقيق أغراض معينة، وهذه السياسة لها آثار خطيرة تصل إلى حد انهيار الدول، خصوصًا على الدول المعتمدة على ثروتها النفطية، فانخفاض أسعار النفط عن حدٍّ معين يمكن أن يؤديَ إلى انهيار الدول.

 

وسلعة النفط والغاز تحكمها مصلحة مشتركة بين البائع والمشتري، وبقدر ما يحتاج الغرب إلى النفط العربي، فإن العرب يحتاجون للغرب لشرائه[7].

 

وقد حاول العرب استخدام النفط في الضغط على الغرب لتحقيق مصالح العرب؛ إذ قامت البلدان العربية المنتجة للنفط بحظْرِ نفطها على البلدان المستهلكة إثر تجدد الحرب العربية – الإسرائيلية، ولقَّنت الغرب في عام 1973م درسًا قاسيًا ومؤلمًا لا يُنسى.

 

بترول الخليج أهم الكنوز الإستراتيجية في العالم، والعراق وحده يحتفظ بنحو 11% من احتياطي البترول في العالم، والغرب له مصلحة كبرى في هذا النفط، ويوجد في العراق أكبر محطات للغاز في العالم، وحقول النفط العراقية تعتبر من أغزر الحقول في العالم، وأكثرها قربًا من سطح الأرض؛ مما يوفر نفقات ضخمة في عمليات التنقيب والاستخراج[8].

 

وهذه المصلحة هي التي أتت بالغرب في النهاية إلى الخليج مرتين خلال عقد واحد؛ مرة لمساعدة العراق في منع قوة أخرى من الهيمنة والسيطرة على نفط الخليج، ومرة ثانية لمنع العراق من تحقيق ذات الهدف[9].

 

يستهلك الشعب الأمريكي نحو 60% من بترول العالم؛ فهو في حاجة دائمة للنفط، وفي الحرب العراقية - الإيرانية وجدت الدول العظمى أنه ولأجل تحقيق إستراتيجيتها التي كان النفط أهم مرتكزاتها في منطقة الشرق الأوسط - من الضروري أن تقوم باستنزاف كلا البلدين في حرب إقليمية، تسهِّل عليها فيما بعد احتواءهما وتطويعهما لاستعادة موفَّقة لأمن تلك المصالح في هذه المنطقة الحيوية جدًّا؛ لتحقيق مشروع الهيمنة العالمية[10].

 

وفي عام 2003م، عندما هاجمت أمريكا العراق، انطلقت مظاهرات في مختلف دول العالم متهمة أمريكا صراحة بأنها تريد نهب البترول العراقي واستغلال ثرواته، رغم نفي الولايات المتحدة ذلك، وفَوْرَ نزول القوات الأمريكية والبريطانية على أرض العراق، توجهوا إلى آبار النفط.

 

الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس بوش الابن كان لها صلة وثيقة بشركات النفط، ومعظم رموزها كانوا من القطاع النفطي، والمحافظون الجدد الصهاينة يمثِّلون مصالح رأس المال اليهودي المالي الموظَّف في العديد من الشركات الاحتكارية، ولا سيما احتكارات السلاح والنفط[11].

 

وبوش نفسه رجلٌ نفطيٌّ، عمِل قبل وصوله إلى البيت الأبيض في مجال التنقيب عن النفط، وهو الذي جاء إلى الرئاسة، بفضل دعم شركات النفط والسلاح، وقد مارست شركات النفط الأمريكية والبريطانية نفوذها السياسي لإطالة الحصار على العراق قبل الاحتلال؛ لأن شركات نفطية صينية وروسية وفرنسية كانت قد حازت على عقود نفطية فيه، ثم دفعت تلك الشركات بمشروع احتلال العراق عام 2003م؛ لتهيمن على الثروات النفطية[12].

 

وفي أفغانستان، كان من ضمن أهداف الحرب الأمريكية السيطرة على ثروات آسيا الوسطى من نفط وغاز، وإنشاء قواعد عسكرية أمريكية في منطقة كانت ضمن النفوذ الروسي لأكثر من قرن من الزمن[13].

 

ويقترن بالنفط تجارة السلاح، فوجود النفط يعني توفر الأموال اللازمة لشراء السلاح، وتوفر الأجواء المناسبة لصناعة الحروب أيضًا[14]، وتجارة السلاح من أهم دوافع الحروب بين الشعوب؛ إذ ينشط ويزدهر سوق بيع السلاح في أوقات الحرب[15]، وقد كانت الحرب العراقية - الإيرانية مصدرَ إنعاش لأمريكا ودول غربية أخرى[16].

 

ومبيعات الأسلحة ذات بُعْدٍ سياسي رفيع مثل تجارة النفط تمامًا، ثم إن مبيعات الأسلحة تنعش الاقتصاد في الدول المستهلكة للنفط، فالجميع يكسب؛ شركات الأسلحة، والساسة في الدول المصنعة للأسلحة الذين يشددون باستمرار على الأعداد الكبيرة من فرص العمل التي تؤمِّنها صناعة الأسلحة، فالمال يشتري القوة السياسية في الولايات المتحدة، وبما في ذلك السلطة بشنِّ حروب تستفيد منها الشركات على فترات منتظمة[17]، فتوظيف الأسلحة المنتجة واستهلاكها المستمر يُمكِّن عجلة الإنتاج من الاستمرار في الدوران[18].

 

وتبقى الولايات المتحدة الأمريكية أكبر مزود أسلحة في العالم؛ إذ سيطرت وحدها - وعلى نحو دائم - على أكثر من نصف سوق تجارة الأسلحة خلال العقد الفائت، وبلغت قيمة مبيعاتها ما يقارب عشرين مليار دولار في السنة، وإلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية تظهر كلٌّ من فرنسا وبريطانيا كلاعبين أساسيين في مجال صناعة الأسلحة، وصادرات الصين كذلك من الأسلحة زادت على نحو مطرد خلال السنوات الماضية، ودول العالم الثالث تشتري ثُلُثَي صادرات الأسلحة والزبائن الأساسيون يتمركزون في الشرق الأوسط[19].

 

ويلعب المركب الصناعي - العسكري دورًا كبيرًا في صنع القرارات الخارجية في الولايات المتحدة، والمتعلقة بقضايا النزاعات والأزمات الدولية؛ لتصريف وبيع منتجاته من الأسلحة، فالشركات الاقتصادية الكبرى تستفيد من الغزو والحروب خاصة منها الأمريكية[20].

 

والاقتصاد الروسي كذلك يعتمد على صادرات الطاقة من البترول والغاز الطبيعي، فروسيا تحتل المركز الثاني من حيث إنتاج وتصدير البترول؛ ولذلك فهي تتأثر بشكل كبير بارتفاع أو انخفاض البترول، وهي تستفيد من الحروب لبيع الأسلحة، فروسيا ثاني أكبر مصدِّر للسلاح في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن تراجعت للمرتبة الرابعة بعد الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا خلال التسعينيات[21].

 

وبذلك نلاحظ أن النفط والغاز من الدوافع المهمة في الصراع، ولكن يجب وضع هذه الأهمية في حدودها الطبيعية، فالنفط والغاز سلعة يتشارك في إنتاجها مع الوطن العربي الدولُ الغربية الكبرى.

 


[1] القفيز: مكيالٌ عند أهل العراق مقداره ثمانية مكاكيل؛ [كتاب الأموال، الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام، المتوفى سنة 224هـ، تحقيق: أبو أنس سيد بن رجب، دار الهدي النبوي – مصر، دار الفضيلة - السعودية، الطبعة الأولى، 1428هـ - 2007م، ص: 95 في الهامش].

[2] المُديُ: مكيال أهل الشام؛ [الأحكام السلطانية، القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين الفراء الحنبلي، المتوفى سنة 458هـ، تحقيق: محمد حامد الفقي، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، 1421هـ - 2000م، ص: 166 في الهامش].

[3] صحيح مسلم، الإمام الحافظ أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (206 - 261هـ)، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب: لا تقوم الساعة حتى يُحسر الفرات عن جبل من ذهب، حديث: 2896، 2/ 1324.

[4] صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، جابر بن عبدالله بن عمرو بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمى الأنصاري، وأمُّهُ نُسيبة بنتُ عُقبة بن عدي بن سنان بن نابي بن زيد بن حرام بن كعب بن غنم، تجتمع هي وأبوه في حرام، يُكنى: أبو عبدالله، وأبو عبدالرحمن، الأنصاري الخزرجي السلمي المدني الفقيه، من أهل بيعة الرضوان، وكان آخر من شهد العقبة موتًا، وكان مفتي المدينة في زمانه، شهد العقبة الثانية مع أبيه وهو صبي، وقيل: شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم ثماني عشرة غزوة، وعَمِي في آخر عمره، وهو آخر من مات بالمدينة ممن شهد العقبة، وكان من المكثرين في الحديث، الحافظين للسنن، وتوفي جابر سنة أربع وسبعين، وقيل: سنة سبع وسبعين، وكان عمرُ جابر أربعًا وتسعين سنة؛ [أسد الغابة في معرفة الصحابة، الإمام عز الدين أبو الحسن علي بن محمد الجذري، المعروف بابن الأثير (555 - 630هـ)، رقم الترجمة: 647، ص: 165، 166]، و[سير أعلام النبلاء، أبو عبدالله شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي (673 – 748ه)، رقم الترجمة: 1318، ص: 1276، 1277].

[5] صحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب: لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل، فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء، حديث: 2913، 2/ 1332.

[6] سنن أبي داود، الإمام الحافظ أبو داود سليمان بن الأشعث الأزدي السجستاني (202 - 275هـ)، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، محمد كامل قره بللي، دار الرسالة العالمية، دمشق – الحجاز، طبعة خاصة، 1430هـ - 2009م، كتاب الملاحم، باب في تداعي الأمم على الإسلام، حديث 4297، 6/ 354، 355، حديث حسن، وهذا إسناد ضعيف لجهالة أبي عبدالسلام، واسمه صالح بن رستم، لكنه متابع، يُنظر: هامش ص: 355.

[7] حرب الخليج والفكر العربي، دكتور عبدالمنعم سعيد، دار الشروق، القاهرة، الطبعة الأولى، 1413هـ - 1993م، ص: 85.

[8] سفر الموت من أفغانستان إلى العراق، محمود المراغي، دار الشروق، القاهرة، الطبعة الأولى، 1423هـ - 2003م، ص: 16.

[9] حرب الخليج والفكر العربي، دكتور عبدالمنعم سعيد، ص: 85.

[10] حرب الخليج أوهام القوة والنصر، محمد حسنين هيكل، مركز الأهرام للنشر، القاهرة، الطبعة الأولى، 1412هـ - 1992م، ص: 125.

[11] دور المحافظين الجدد في السياسة الخارجية الأمريكية، أحمد فايز صالح، رسالة ماجستير، باحث للدراسات الفلسطينية والإستراتيجية، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى، 2011م، ص: 86.

[12] المصدر نفسه، ص: 70، 75.

[13] أسرار الأشرار قبالى اليهود والسعي للسيطرة على العالم، محمد مكرم العمري، دار الهادي للطباعة والنشر، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى، 1425هـ - 2004م، ص: 268.

[14] صراع المصالح في بلاد الرافدين، أحمد فهمي، سلسلة كتاب البيان، تصدر السلسلة عن مجلة البيان، 1429هـ، ص: 129.

[15] حرب الخليج أوهام القوة والنصر، محمد حسنين هيكل، ص: 136.

[16] صراع المصالح في بلاد الرافدين، أحمد فهمي، ص: 130.

[17] المصدر نفسه، ص: 130.

[18] دور المحافظين الجدد في السياسة الخارجية الأمريكية، أحمد فايز صالح، ص: 84، 85.

[19] المفاهيم الأساسية في العلاقات الدولية، مارتن غريفيش وتيري أوكالاهان، مركز الخليج للأبحاث، دبي - الإمارات العربية المتحدة، الطبعة الأولى، 2008م، ص: 119.

[20] تطور الحقل النظري للعلاقات الدولية: دراسة في المنطلقات والأسس، إعداد عديلة محمد الطاهر، أطروحة دكتوراة، ص: 169.

[21] الثابت والمتغير في السياسة الخارجية الروسية: دراسة نموذج الأزمة السورية والأزمة الأوكرانية، بلقاسمي مولود، ص: 118، 119.

_________________________________________

الكاتب: ميسون سامي أحمد