فوائد متفرقة من سير أهل العلم
الشيخ عبدالرحمن المعلمي رحمه الله ردّ على الكوثري وعلي أبي رية, ولكن كما قال العلامة الألباني رحمه الله : بأسلوب علمي متين, لا وهن فيه, ولا خروج عن أدب المُناظرة, وطريق المُجادلة بالتي هي أحسن, بروح علمية عالية.
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فالقراءة في سير أهل العلم من الأشياء التي تحبها النفوس الزكية, وفي سيرهم الكثير من المواقف التي فيها خير كثير, وقد جمعت أشياء متفرقة من تلك المواقف, أسأل الله أن ينفع بها, ويبارك فيها.
السنة مقدمة على حبك:
العلامة عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله، سَلَّم عليه رجلٌ وعانَقَه، وهو لم يَقدم من سَفَرٍ، فقال له سماحتُه: السنة المصافحة، فقال الرجل: أنا أُحِبُّكَ يا شيخ، فقال سماحتُه: السُّنَّةُ مُقدَّمةٌ على حُبِّكَ.
لا تتجاوز السنة قيد أنملة:
قال العلامة ابن عثيمين رحمة الله: رأيتُ أخيرًا حدثًا إذا سلم قال: أُحيِّيكم بتحية أهل الجنة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وهذا يحتاج إلى دليل للعمل به، هل كان الصحابة رضي الله عنهم-وهم أعلمُ منَّا بشريعة الله، وأحرصُ مِنَّا على تطبيقها - يفعلون هذا؟ فأنا لا أعلمُ أنهم كانوا يفعلون هذا؛ وإنما يُسلِّم الإنسان السلام المعتاد، وسلام أهل الجنة في الجنة، أما في الدنيا فسلامُها معروفٌ؛ لكن تجد أن بعض الناس يتكلَّمُ بهذه الكلمة، ثم يعشقها الناس وتذهب كأنها سُنَّةً، فانتبه لهذا ولا تتجاوز السنة قيد أُنملة فإن هذا هو صَلاحُ القلب وصَلاحُ المجتمع وصَلاحُ الفَرْد
مراعاة المصالح والمفاسد عند الإفتاء:
قال الشيخ محمد صفوت رحمه الله: كان الشيخ عبدالرزاق عفيفي يرحمه الله، مثالًا يُحتَذَى في الفتوى، دِقَّةً والتزامًا، كان بالغ العناية باحترام أقوال إخوانه العلماء، فإذا صدرت الفتوى في مسألة، وله رأي مخالف، وسأله أحد عن هذه الفتوى، أفتى بقول جماعة العلماء، ولو لم يكن هو رأيه؛ بل وجدته يحبس رأيه عن المستفتين، إذا وجد أن هذا الرأي قد يُحدِث بينهم شِقاقًا، ولا يبرزه إلا لطلبة العلم الذين يعرفون الأدب عند الاختلاف، وتوقير العلماء.
مناظرة أصحاب المذاهب الباطلة:
الشيخ أحمد بن إبراهيم بن حمد بن عيسى، اتصل على عبدالقادر التلمساني رحمهما الله، وكان أشْعَريًّا، فما زال الشيخ يُناظِره، حتى التحق بمذهب أهل السنة، وصار داعيًا إلى مذهب السلف، ثم إن الشيخ عبدالقادر دعا الشيخ محمد نصيف رحمهما الله إلى مذهب السلف، فهداه الله إلى عقيدة السلف بواسطة الشيخ عبدالقادر التلمساني.
التدرج في الدعوة إلى الله عز وجل:
الشيخ عبدالرحمن الإفريقي رحمه الله، ذهب إلى (ينبع) للوَعْظ والإرشاد، فأقام هناك تسعة أشهر، وجعل وقت الوعظ عشر دقائق فقط، ليتهيَّأ للجميع الاستماع، ولم يُبادِرْهم بإنكار البدع والعقائد التي كانوا عليها؛ بل جمع أبناءهم، ولما أخذوا عنه علم العقيدة، صار الأبناء يُنكِرون على آبائهم، ثم طلبوا منه زيادة وقت الوعظ، فكان ساعةً ونصفًا صباحًا ومثلها مساءً، ثم أخذ يتجوَّل في القُرى أيام الجُمَع بطَلَب من أهلها، فأزالوا التمائم والأشياء التي كانوا يُعلِّقونها على دُورِهم، وتركوا الذبائح والنذور التي كانوا يقومون بها.
نصحهم لولاة الأمر سِرًّا:
الشيخ عبدالله بن محمد صالح المطوع رحمه الله، كان يقوم بواجب النُّصْح لولاة الأمر والمسؤولين ويُكاتِبهم في الخفاء، ويدعو لهم.
والشيخ صالح بن عبدالرحمن الحصين رحمه الله يقول: إني لا أنصح لولي الأمر إلا سِرًّا، وعلى كثرة ما أكتبه لهم، لا يدري عنه حتى مديرو مكتبي.
السجود لله شكرًا عند حدوث نعمة أو دفع نقمة:
كان النبي صلى الله عليه وسلم، إذا جاءه أمر يُسَرُّ به، خرَّ ساجدًا شكرًا لله تعالى، وكان أهل العلم إذا جاءهم ما يسرُّهم، سجدوا شكرًا لله؛ قال حماد رحمه الله بَشَّرتُ إبراهيم النخعي بموت الحجاج، فسجد وبكى من الفرح.
والشيخ محمد بن عبدالرحمن القاسم رحمه الله، أُصيب بالجدري، وشُفِي منه، فكتب إلى والده في مكة الشيخ عبدالرحمن بن قاسم رحمه الله، يُخبِره بشفائه، وأن الله سلم عينيه وبدنه، فلما جاءه الخبر، سجد في الحرم شكرًا لله سبحانه أن شفى ابنه.
قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله عن أحد رجال الحديث: وأمَّا الحسن بن ثواب، فقد أضناني في البحث عنه حتى وجدتُه، فسجدتُ للهِ شكرًا على توفيقه.
نصر الله لهم على الضالين المفسدين:
الميرزا غلام أحمد القادياني ادَّعى أنه المهدي، ثم ادَّعى أنه نبي ورسول، ثم ادَّعى أنواعًا من الألوهية لنفسه، وقد تصدَّى له العلماء وأبطلوا كذبه، ودجله، وعلى رأس أولئك الشيخ أبو الوفاء ثناء الله الآمرتسري رحمه الله، فلما رأى الميرزا أن الشيخ ثناء الله قد أبطل كيده وحِيَلَه، نشر نشرةً دعا الله أن يفتح بينه وبين الشيخ، وأن يُميت الكاذب منهما في حياة الصادق، حتى يكون موتُه دليلًا على صدق الآخر، فلم يلبث القادياني إلا سنة ومات، وعاش الشيخ ثناء بعده أربعين سنة.
الردُّ على المُخالف بعلم وأدب
الشيخ عبدالرحمن المعلمي رحمه الله ردّ على الكوثري وعلي أبي رية, ولكن كما قال العلامة الألباني رحمه الله : بأسلوب علمي متين, لا وهن فيه, ولا خروج عن أدب المُناظرة, وطريق المُجادلة بالتي هي أحسن, بروح علمية عالية.
معالجة الأخطاء بحكمة وحنكة
جاء رجل إلى الشيخ عبدالله القرعاوي رحمه الله وأخبره أن رجلاً يتكلم فيه فاستغرب الشيخ صدور ذلك منه فليس بينه وبين الرجل عداوة وكان المُخبر صادقاً فأراد الشيخ أن يعالج الموضوع بحكمة, فذهب إلى الرجل وسلم عليه, وأعطاه بعض المال, فجاء المخبر بعد فترة وقال : أن فلاناً سابق الذكر يثني عليك, فقال له الشيخ : أرجو ألا تخبرني مرة أخرى عن هذا ولا عن غيره, وعليك بالتوجه إلى طلب العلم, وترك تلمس هفوات الآخرين, بارك الله فيك.
التحامل على النفس وعدم الشكوى من المرض
قال الشيخ صالح بن عبدالله بن حميد عن مرض والده العلامة الشيخ محمد رحمه الله : من طبيعة الشيخ رحمه الله أنه كان جلداً لا يشتكى ولا يتأوه, ويتحمل من الصبر ما لا يتحمل غيره, حتى كان يعتل العلل الشديدة لا يكاد يبدو ذلك عليه, أو يثنيه عن أعماله, ومهامه, وعاش عاش الشيخ رحمه الله ثلاثاً وسبعين عاماً, وأُصيب في منتصف عام (1401هـ) بمرض السرطان...وقد كان على درجة من التحمل والصبر, وعدم الشكوى والأنين, مع أن هذا المرض ذو آلام شديدة, ولكنه كان صابراً محتسباً, بل كان يستقبل زواره ويتحدث إليهم في كلِّ شأن, في أمورهم الخاصة والعامة وكان يُتابع أعماله الرسمية والبيتية بشكل عجيب, بل كان يتحين الفرص لإلقاء الكلمات التوجيهية والتذكرية وبخاصة حينما يزوره كبار المسئولين وحاله يقول ( إنما أشكو بثي وحزني إلى الله ) حتى أن الأطباء المعالجين كانوا يتعجبون من شدة تحمله وتجلده حتى قال أحدهم إني لم أر في حياتي مثل هذا الرجل إذا دخلت عليه كان لا يشكو من أي مرض...مع أني أعرف نوع المرض ومدى تأثيره النفسي والعضوي على صاحبه.
وقال الدكتور طارق الخويطر عن الشيخ صالح الغصون رحمه الله : أجريت له عملية استئصال أورام خبيثة في ثلاثة أماكن في البطن, ثم شفي تماماً من هذه الأورام, وفي عام (1419) عادوه نفس المرض, فنالته أوجاع مضنية, ولكن هذه المرة في الكبد, ومنذ شهر صفر والشيخ أسكنه الله فسيح جناته يشكو الآلام ويصبر, ومع شدة الأوجاع....إلا كان رحمه الله كان يواصل القراءة والاطلاع...وكنت أسأله إذا كانت القراءة تثقل عليه, فيقول : بل تؤنسني.
عزة النفس:
الإمام أحمد بن حنبل ذكره الإمام عبدالرزاق الصنعاني رحمهما الله، فدمعت عيناه، فقال: بلغني أن نفقته نَفِدَت، فأخذت بيده وما معي ومعه أحد، فقلتُ: قد وجدت عشرة دنانير فخُذها، فقال لي: يا أبا بكر، لو قبِلتُ شيئًا من الناس قبِلتُ منك.
الفرح بالسؤال الذي لا يعرف جوابه
يقول الشيخ صالح بن علي بن غصون رحمه الله : إني أفرحُ بالسؤال الذي لا أعرف جوابه, لأنه يدفعني للبحث والإطلاع.
اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً.
كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ
- التصنيف: