المرأة عاملة أم مسؤولة؟!

منذ 2021-01-10

ماذا تختارين لنفسكِ، دستور مَن هو أرحم بكِ من والديكِ، أم حضارة شاهدت مكرها وخداعها، وأيهما أليق بكِ عاملة، أم مسؤولة؟

تنزوي إحداهن خافضة رأسها حَيرة وخجلًا في جواب من سألها: ماذا تعملين؟ وما وظيفتك؟ فهي لا تملك وظيفة ولا تتقلد منصبًا، فبماذا عساها تجيب؟ وهي العاطلة عن العمل عديمة الخير والمنفعة في نظر الجميع الآن... إنها مجرد (ربة بيت)!

 

هذا تمامًا ما تتعرض له الكثيرات في كنف المجتمعات التي سحبت على نفسها رداء الحضارة الغربية ورفعته شعارًا لها، ونصبت ميزان النموذج الغربي فوق كل ميزان، مهما كان ظاهرًا عُواره وفساده، وويل للمغلوب من الغالب.

 

وما خطر لأحدهم أن يلتفت إلى عصر الحضارة الحقيقية والكمال الإنساني، ليسأل: وماذا كانت وظيفة نساء الصحابة وسيدات البشرية وقتها؟

 

هل كانت بنات رسول الله وأمهات المؤمنين عاملات خارج بيوتهن؟

لسنا هنا بصدد الحديث عن مشروعية تكسُّبِ المرأة أو عمل من ألجأتها الحاجة له، ولكننا نستنكر أن تُساق المرأة في فَلَكِ النموذج الغربي، وتستمرئ التخلي عن مهمتها الأولى، والخروج من موقعها الأصلي؛ استجابة للدعوات الإعلامية الماكرة التي تستهدف تغيير عرفنا الإسلامي، وبسط قِيَمِها الزائفة عليه.

 

إن مقارنة بسيطة أُقدِّمها بين ما تبوأته المرأة من مكانة عالية في المجتمع الإسلامي الأول، وما شرفها التشريع الإسلامي به من مهمة سامية، وبين ما استغلتْها به الحضارة الغربية بدعايات رنَّانة، وواقع منتهك مظلم - لَيَدْعونا للأسف على حالة التبعية التي رُزيت بها الأمة، وما خسرته الدنيا بضياع المسلمين.

 

وقد أوجزت ما تأملته في هذه المقارنة في عدة نقاط؛ هي:

أولًا: يكفيك رقي الوصف الوظيفي في الإسلام:

تتميز ألفاظ القرآن الكريم والسنة النبوية بدقة وصفها ورقي كلماتها؛ ولذلك نجد الحبيب عليه الصلاة والسلام قد وصف المهمة المجتمعية للمرأة بقوله: «والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها»؛ [متفق عليه][1].

 

ولم يصفها بالعاملة أو الأجيرة، بل اختار الرعاية والمسؤولية، وهما أرقى وأحسن ما يمكن أن تُوصف به مهمة المرأة ووظيفتها، والراعي: هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاحَ ما قام عليه، وهو مَن وُكل إليه تدبير الشيء وسياسته، وحفظه ورعايته، مأخوذ من الرعي؛ وهو الحفظ[2].

 

ثم هي ليست عالة أو مُهمَّشة في دورها، بل صاحبة مسؤولية كبيرة بين يدي الله تعالى عن هذه الأمانة التي تحمَّلتها، ووُكلت في تدبيرها والقيام عليها، أما تقديرها الديني والدنيوي، فمحفوظٌ باحترام زوجٍ، وبِرِّ ولدٍ، ورعاية أب، ولا يكمل دين أحدهم دون أداء حق المرأة التي رَعَتْهُ، ورافقت حياته.

 

في حين أن المرأة في خطاب الحضارة الغربية وصفها الأساسي أنها (عاملة)، نعم، مجرد عاملة بأجر، وعلى قدر أجرها ووظيفتها خارج بيتها تحظى بالاهتمام والرعاية، ولا أهمية لكونها سائقة أو خادمة أو كناسة في الشوارع أو فتاة ليل حتى، ما دامت تجلب المال وتُروِّج السلع.

 

حتى أصبحت لا تستطيع العيش إلا إن خرجت وكسبت المال، وأطعمت نفسها، فلا حقَّ لها على أحد من أهلها، حتى زوجها وأبنائها، ولا مراعاة لضعفها الجسدي، وخصوصيتها العاطفية والنفسية، وإن اشتكت إحداهن الضعف والعجز، زأر أصحاب المصالح المادية والاقتصادية بوصمها بالتخلف الحضاري والنقص البشري؛ مما انعكس سلبًا على حياتها وقدرتها على مواجهة الحياة وأزماتها، حتى إن تقرير الـ(FPI) عام 1992م أوضح أن معدلات الاكتئاب والقلق بين النساء العاملات مرتفعة؛ نتيجة لِما يُمارس على المرأة من ضغوط شديدة من قِبل رؤسائهن وزملائهن في العمل.

 

ثانيًا: الهدف من تعليم المرأة وتربيتها:

تتميز الحضارة الإسلامية بمبادئها العظيمة المستمدة من الوحي الرباني، فهي تكاد تكون الحضارة الوحيدة التي اهتمت بصناعة الإنسان وتزكيته، والارتقاء به نفسيًّا وسلوكيًّا.

 

ونتيجة لهذا كان الاهتمام بتعليم النساء مثلًا لا يقصد منه غير تأهيلها، وحسن تربيتها، وتأديبها بالقيم الطيبة دون مقابل مادي أو منفعة خاصة، بل كانت النظرة لمردوداتها القيمية والمعنوية هي الأساس؛ ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «من كان له ثلاث بنات - أو ثلاث أخوات - أو ابنتان - أو أختان - فأحسن صحبتهن، واتَّقى الله فيهن - فله الجنة»؛ وفي رواية: «فأدبهن وأحسن إليهن وزوَّجهن، فله الجنة» [3].

 

أما في حضارتهم المادية، فلا شيء بلا مقابل مادي، ولا قيمة للإنسان إلا بقدر نفعه المادي أيضًا، ولذلك فقد استباحت نظرتهم التسليعية والنفعية الخالصة استغلالَ المرأة، ليس في مجال عملها وحسب، بل جسدها أيضًا الذي أصبح مباحًا من أجل التكسب والدعاية، فهي إن تعلمت شيئًا أو استزادت معرفة، فلأجل مردوده المادي والمهني فقط، دون اعتبار للرقي النفسي والأخلاقي به، حتى تضطر طالبات العلم هناك أن تشقى لكِفاية نفسها واحتياجاتها، حتى ببيع نفسها كسلعة متعة تحت سمع وبصر أساطين دعاة التحرر، بل وتشجيعهم.

 

وقد أشارت دراسة حديثة إلى أن كثيرات من طالبات الجامعات في فرنسا يوفرن أقساطهن الجامعية من خلال عملهن كمرافقات للرجال الذين يدفعون، ناهيك عن امتهان أعداد كبيرة من النساء للدعارة في غير بلد غربي؛ ففي أميركا مثلًا، فإن أكثر من مليون امرأة تمارس ذلك رسميًّا[4].

 

حتى إذا ذهب شبابها وقلَّ كسبها، لم تجد أنيسًا ولا شفيقًا، وتُركت مع وحدتها تنازع أيامها الأخيرة، حتى في أكثر المدن تحضرًا؛ فمن ذلك - مثلًا - إحصائية صدرت من دائرة الإحصاءات الأمريكية أن حوالي نصف عدد النساء الأمريكيات ممن تجاوزْنَ 75 سنة يَعِشْنَ وحدهن[5]، فلا دين يُجبر أبناءها على برها، ولا ثقافة تهتم بالضعفاء.

 

فما المغري إذًا في تقليد معاناة المرأة الغربية، ومتابعة نمط حياتها إلا الانهزامية التى طغت على النفوس والعقول؟!

فهذي حضارتهم والشر يملؤها = ماتت على صَرْحِها الأخلاق والشيمُ[6]

 

ثالثًا: مراعاة فطرة المرأة وتفريغها للمهمة الأولى:

عُوملت المرأة في المجتمع الإسلامي معاملة أصحاب الفكر والعلماء والمجاهدين، فكما ينبغي كفاية هؤلاء كسب العيش لأهمية موقعهم وضرورته، كذلك كانت المرأة مكفية وجوبًا لتفردها بامتلاك خصائص الأمومة، وتحمُّلها عبء التربية والرعاية لأهمِّ مُكوِّن في المجتمع، فمن الظلم البيِّن أن تتحمل مع وظيفتها الدقيقة هذه عبئًا آخر، يضطرها إلى التخلي عن مهمتها الأصلية، أو صعوبة الإلمام بكل جوانبها.

 

إن مجرد غياب الأم عن نظر صغارها يُكلِّفهم خسارة نفسية وإدراكية لا تُعوَّض، ولا يجادل فيها عاقل، وها هم يدركون الآن الخطر كالعادة متأخرين، إلا أن الإعلام يتعمد إخفاض هذه الأصوات العاقلة، والأطروحات الجادة، بأوامر من أصحاب المصالح الخاصة والاقتصاد.

 

فيقول د/ سولفيان: "إن السبب الحقيقي في جميع مفاسد أوروبا وفي انحلالها بهذه السرعة هو إهمال النساء للشؤون العائلية المنزلية، ومزاولتهن الوظائف والأعمال اللائقة بالرجال، في المصانع والمعامل والمكاتب، جنبًا إلى جنب..."[7].

 

كما حذر كثيرون من أمثال (ألكس كاريا) و(مارتن باولي) من أخطار انهيار الأسرة بسبب تمرد المرأة على التزاماتها التي توثقها بالأسرة، وبسب اندراج عدد كبير من الزوجات في العمل خارج المنزل...[8].

 

فهذه اعترافاتُ مَن جربوا هذا الطريق وسبروا أحواله، وذاقوا مرار نتيجته، فلِمَ هذا التغافل والعناد لدينا؟! وقد قيل: السعيد من وُعظ بغيره.

 

وقد كفانا الله بفضله عناء التجارب الشرقية والغربية، وشرع لنا القول الفصل والحكم المبين حين أقام الرجل على بيته لكفايته التكسب والشقاء، وفرَّغ الأم لمزاولة هذا الدور الأدبي المتناسب مع صفاء النفس وراحة البال؛ لتبنيَ عقولًا ونفوسًا سوية صالحة مصلحة.

 

وصدق ربنا سبحانه إذ يقول: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14].

 

ونعود أخيرًا، فنقول: ماذا تختارين لنفسكِ أيها الفاضلة؟!

دستور مَن هو أرحم بكِ من والديكِ، أم حضارة شاهدت مكرها وخداعها؟!

وأيهما أليق بكِ عاملة، أم مسؤولة؟

 


[1] أخرجه البخاري (2554)، ومسلم (1829).

[2] https://www.islamweb.net/ar/article/209623/%D9%83%D9%84

[3] يُنظر: صحيح الترغيب والترهيب رقم: (197)، يُنظر: صحيح لغيره، قالهُ الألبانـي فـي "صحيح الترغيب والترهيب"، رقم: (1973).

[4] http://www.al-waie.org/archives/article/6446

[5] https://www.alukah.net/social/0/28502/

[6] كتاب عودة الحجاب، د/ محمد إسماعيل المقدم، الجزء: 1، ص: 201.

[7] مكانك تحمدي، د. أحمد محمد جمال، ص: 118.

[8] كتاب عودة الحجاب، د/ محمد إسماعيل المقدم، الجزء: 1، ص: 137.

______________________________

المؤلف: هبة حمودة موسى