الحجاب بيننا وبينهم

منذ 2004-07-09

تؤكد لنا الأحداث المتتابعة عظمة ديننا الإسلامي، وصحة عقيدته ومبادئه، وتؤكد لنا عظمة معجزته الكبرى القرآن الكريم، وصدق ما قاله نبينا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، وما أخبر به من حالات العصور والبشر التي كشف الله سبحانه وتعالى عنها حجب الغيب أمام أفضل خلقه وخاتم أنبيائه.
{ إنَّهٍمً يّكٌيدٍونّ كّيًدْا } تؤكد هذه الآية القرآنية حقيقةً ثابتةً على مر العصور في رحلة مواجهة أهل الكفر، والباطل لما شرع الله سبحانه وتعالى من الشرائع، إنها حقيقة كيد أعداء الدين له ولأهله، ووقوفهم ضدّه وقوفاً مستوراً أحياناً، ومكشوفاً أحياناً أخرى { إنَّهٍمً يّكٌيدٍونّ كّيًدْا } أداة توكيدٍ وفعل مضارع يفيد الاستمرار وعدم الانقطاع، ومصدرٌ مؤكد لذلك الفعل، فالكيد من الأعداء مؤكد مستمر لا ينقطع حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وفي هذه الآية الكريمة ما يردُّ على المستغربين من المسلمين في هذا العصر الذين ينفون «بسذاجة، أو بخبث» فكرة مؤامرة الأعداء ضدَّ الإسلام والمسلمين، وضدَّ دين الله الصحيح الذي شرعه للعالمين.
وإنَّ المتأمِّل المسترشد بكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام ليعجب كلَّ العجب لبعض أبناء المسلمين الذين لايتورَّعون عن تسويغ أعمال الكفار ومخططاتهم في عالمنا الإسلامي، ولا يستحيون من الله، ولا من الناس فيما يقولون أو يكتبون عن حالة الصراع الذي بدأه الشيطان بعصيانه للرحمن، واستمر في أعوانه وأنصاره من الجن ومن الإنس، وسيظل مستمراً إلى أن تقوم الساعة.
{ لأٍغًوٌيّنَّهٍمً أّجًمّعٌينّ ، إلاَّ عٌبّادّكّ مٌنًهٍمٍ المٍخًلّصٌينّ } إنَّ نيَّة الإغواء والعداوة والإفساد والمكر والكيد والمؤامرة ضد الخير موجودة أصلاً عند إبليس وعند من يطيعه في معصية الله من الثقلين الجن والإنس.

في عصرنا هذا، وأيامنا هذه بالذات برزت لنا وجوه العداء سافرةً لا يسترها ستار، ولا يحجبها حجاب، وظهرت مخطَّطات أهل الكفر والعصيان ضد دين الله الصحيح، وضد أهله وأنصاره وأعوانه، بصورةٍ لا ينكرها إلا مصاب في وعيه، أو مخدوع في نفسه، أو مخذولٌ في عقله وقلبه، ولم تعد مخططات أعداء الخير والإنسانية تهديداتٍ مجرَّدة من الفعل، وإنما هي كما نشاهد تهديدات قولية مصحوبة بالدَّمار والقتل، والاحتلال، عياناً بياناً، جهاراً نهاراً، تهديدات منفَّذة على أرض الواقع في فلسطين، والعراق، وأفغانستان، وكشمير، والشيشان، وغيرها من البلدان، وكأني بتلك التهديدات الواقعة تسخر من أبناء المسلمين الذين ينكرون عداوة الأعداء، ويرفضون فكرة المؤامرة، نعم. تسخر منهم سخرية لاذعة تناسب ما هم فيه من الغفلة، وما يجنحون إليه من الوهم ونقصان الوعي بما يجري في عالم اليوم.
«الحجاب في فرنسا» معركة حامية الوطيس تجري على أرض «الثورة الفرنسية»، ثورة الحرية المطلقة «التي يدَّعونها» بل هي ثورة ثقافة الانحراف والتخلُّص من سيطرة المبادئ والقيم والأخلاق، نعم في فرنسا تقف أجهزة الدولة والإعلام في معركة غاشمة ظالمة لمواجهة فتيات مسلمات أبين إلا أن يطعن أمر الله بالحجاب، ويالها من معركة مخجلة لدولة متطورة بزعمهم لو كانوا يفقهون.

فتيات سلاحهن لباس محتشِمٌ يحقق معنى الطهر والنقاء، والحفاظ على كرامة الإنسان، وعلى طاعة الرحمن، لباس لا نار فيه ولا لهب، ولا رصاص ولا قذائف، وإنما هي الحشمة، يراها المحاربون للحرية الحقيقية سلاحاً فتاكاً يعلنون في وجهه الحرب. ومهما كانت المسوِّغات، فإن الحقيقة تؤكد لنا أننا في مرحلة كشف الستار عن مذاهب الخداع والزيف، وأفكار المصادرة والعنف التي اختفت زمناً تحت شعارات الحرية الغربية الكاذبة، والديمقراطية الزائفة، ونحن لا نوغل في استغراب ما حدث وما يحدث لأن قرآننا الكريم قد بيَّن لنا أن أعداء الخير والدين يمكرون دائماً ويكيدون دائماً، ويصلون إلى ما يريدون أو بعض ما يريدون حينما يرون من المسلمين ضعفاً، وتخاذلاً، واستكانة وذلَّة، وهذا ما يشهد به واقع حالنا في هذه المرحلة.
وإني لأعجب مما يستحق أن نعجب منه، ألا وهو ما نراه من كتاب مسلمين، وكاتبات مسلماتٍ في بلادنا الإسلامية يحاربون ويحاربن الحجاب والحشمة، ويعدُّون ذلك تخلُّفاً، ورجعية، بل يعدُّه بعضهم صورة من صور الإرهاب والعنف، نعجب منهم عجباً مؤلماً،ينادون بخلع حجاب المرأة المسلمة وحشمتها في وقت تواجه فيه الفتاة المسلمة المتحجبة في فرنسا وغيرها حرباً شعواء ضد حجابها فتأبى أن تستسلم، أليست مفارقة عجيبة مؤلمة؟

إشارة:
لا تسلني عن سموِّ الهدف
درَّة مكنونة في الصدفِ

عبد الرحمن بن صالح العشماوي

الشاعر المعروف أستاذ النقد الحديث بجامعة الإمام محمد بن سعود