حينما يكون شيخ الطريقة طفلا !!
وصدق أولا تصدق أن هناك منتسبين للعلم والفقه يرضون بهذا العبث الذي لا يشهد له نقل صريح ، ولا عقل صحيح ، ولله في خلقه شئون !!
هناك صلات وثيقة ، وأوجه تشابه، وجوانب تأثير متبادلة بين التصوف والتشيع عبر المراحل التاريخية المختلفة لكلا الاتجاهين ، وقد تكفلت بتفصيل تلك العلاقة عدة دراسات أكاديمية معاصرة ، لعل من أشهرها وأقدمها دراسة الشيعي العراقي الدكتور كامل الشيبي .
وما يهمني في هذا المنشور من تلك الصلات : هو فكرة الغلو في الأشخاص ، والتشابه بين الإمامة والولاية ، وقضية التوريث ، أي انتقال الإمامة أو مشيخة الطريقة من الآباء للأبناء ، وخصوصا الابن الأكبر ، أيا كان حاله أو سنه أو علمه، بل وصل الأمر إلى انتقال الإمامة أو مشيخة الطريقة لطفل صغير لم يبلغ الحلم .
فإمام الشيعة الثاني عشر ، الغائب المزعوم محمد بن الحسن العسكري تولى الإمامة وهو ابن خمس أو ست أو ثماني سنوات ، وصار إماما معصوما واجب الاتباع ، ومن لم يؤمن بإمامته عند الشيعة فهو في النار !!!
والطرق الصوفية شهدت نماذج عدة لتولي مشيخة الطريقة لطفل ، كل مؤهلاته العلمية والشخصية أنه ابن شيخ الطريقة ، وكفى بذلك عندهم من مؤهل !!
وفي الأيام الماضية شهدت العشيرة المحمدية - وهي من الطرق الصوفية البارزة والمعتدلة بقدر معقول إذا ما قورنت بطرق غاية في الانحراف مثل التيجانية والبرهامية والعزمية - صراعا كبيرا حول من يتولى مشيختها ، حيث مات شيخ الطريقة منذ فترة وجيزة في حادث مروري .
وهذا الشيخ المتوفى - رحمه الله - هو بالطبع ابن الشيخ السابق ، وحفيد المؤسس الشيخ محمد زكي إبراهيم ، وقد توفي شيخ الطريقة الأخير عن عمر يناهز 23 عاما ، وطبعا لا تسل عن مؤلفاته أو ما حصله من علم في هذا السن الصغير ، فكل ذلك لا يهم طالما أنه من نسل الشيخ المؤسس .
والمشكلة الحاصلة حاليا أن الشيخ الراحل مات دون أن يكون له أولاد ، وهنا حصل صراع كبير ونزاع حول المشيخة ومن يتولاها ، فوالدة الشيخ الراحل لها رأي ، وأحد أقارب الشيخ المؤسس - الشيخ أشرف وهبة- وهو عميد جيش سابق تمت مبايعته فيما عرف ببيعة المقابر . وأخيرا ظهر طفل صغير وهو الشيخ يوسف لم يصل لسن البلوغ بعد ، لكنه يملك ميزة وخصيصة مهمة جدا وهي أنه حفيد مباشر لمؤسس الطريقة ، وقد تم مبايعته من قبل البعض ، وتعيين وصي له يرعى شئونه وهو رجل أعمال كبير ، لكن البعض اعترض على تولية الطفل ، وتم المناداة بشخص آخر من أسرة المؤسس ، وما زال الصراع مستمرا على مستويات عدة .
ولك أن تتعجب حينما تعلم أن القانون الحالي المنظم للطرق الصوفية في مصر يرى أن الأولى بالمشيخة بعد وفاة شيخ الطريقة هو " الابن الأكبر لشيخ الطريقة السابق، فإذا كان هذا الابن قاصرًا عُيّن شيخًا للطريقة على أن يعين وكيلًا له حتى يبلغ سن الرشد، ثم يأتي في المرتبة من بعده أكبر أبناء هذا الابن وهكذا."
يعني أنك يمكن أن ترى شيخ طريقة ، وهو مجرد طفل رضيع ، أو صبي صغير ، وله وصي يشرف عليه ويعلمه أصول المشيخة !! ، ومن خلال هذا الطفل تؤخذ العهود والأوراد وخرقة التصوف ، وتلتمس منه البركة ، وصدق أولا تصدق أن هناك منتسبين للعلم والفقه يرضون بهذا العبث الذي لا يشهد له نقل صريح ، ولا عقل صحيح ، ولله في خلقه شئون !!
أحمد قوشتي عبد الرحيم
دكتور بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة
- التصنيف: