دلالات الإسراء والمعراج
أن معراجه بدأ وانتهى على أرض بيت المَقدِس، وهي رسالة واضحة تقول: هذه الأرض يوم تكون معكم يُعزكم الله ويرفع قدركم، وهي تحدِّد كالصلاة قوتكم من ضعفكم، فيوم تكون معكم فأنتم سادة الدنيا وقادتها، ويوم تكون بيَدِ عدوكم فأنتم الضعفاء المقهورون
وإن كانت معرفة تواريخ الأحداث عِلمًا لا يُستغنى عنه، إلا أن هذه الحادثة العزيزة على نفوسنا لم يُعرَف لها تاريخ محدد عند أهل التواريخ والسيَر، والعِبرة بالحدث نفسه لا بتاريخ وقوعه، ولو كان العلم به تحديدًا ينفعنا، لدلَّنا عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو اهتمَّ بتحديده سلفُ الأمة من الصحابة والتابعين - رضي الله عنهم - لكن المُهمَّ هو دلالات الحدث ذاته؛ لنأخذ الدروس والعِبَر منها، والتي نرقمها مستعينين بالله، ومِنه وحده نستمدُّ العون والتوفيق:
1- وقوع الإسراء والمعراج في جزء من الليل يؤكِّد ويُعمِّق في النفس قدرة الله التي لا يحدُّها شيء، وهي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - جرعةٌ إيمانية مركَّزة قوية تُثبِّت فؤادَه وجَنانه، وتُعلي من شأنه ومكانته، ومثل هذه الرحلة الأرضية السماوية لا يُمكن نسيانها، بل ستعلق في ذهنه وتكون له المولد والمؤثِّر النفسي الداعم في مواجَهة تحديات الوثنية والكفر والشرك ومؤامرات الأعداء في الداخل والخارج، وذلك لاستقرار معيَّة الله الفاعلة في قلبه التي أخذته في ليلة من ليالي العمر لتُسلي عنه وتلاقيه بمولاه وخالقه، وليرى بأم عينيه يقينًا ما لم يره غيره، فيَزداد ثباتًا وقوة.
أما نحن الذين آمنَّا بالغيبيات ونواجِه في حياتنا ما نواجه من المغريات والإغواء والفتن، فليس لنا ثمة ما ينجينا ويعصمنا من الزلل والخطل إلا الاعتصام بحبل الله الذي اعتصم به صاحب الإسراء والمعراج، فلعلَّ الله إذا صدَقْناه وجاهدنا فيه أن يُحدِث لنا ما يكون سببًا في ثباتنا على ديننا وحسن خواتيمنا، وبه نستعين وعليه التكلان.
2- اجتماع الأنبياء والرسل له - صلى الله عليه وسلم - والصلاة خلفه دليل على عموم رسالته وشموليتها، وأن الله سيُخضِع له الأرض ويُمكِّنه فيها، وأن رسالته الخاتمة سيجمع الله له فيها ما تفرَّق بين الرسالات السابقة.
3- فُرضت الصلاة هدية من الله - تعالى - لأمة محمد من فوق سبع سموات لأهميتها، وهي خمس في الأداء وخمسون في الأجر.
ويقع على عاتق هذه الأمة الخاتمة نشر الإسلام في ربوع الأرض كلها، ولأن هذه المهمة شاقة وتحتاج إلى زاد قوي يدفعها بقوة للبيان والبلاغ؛ فرَض الله لهم هذه الصلوات الخمس في اليوم والليلة، وكأني بهذه الفريضة (الصلاة) المِعيار والمقياس الذي يُعرف به قوة أو ضعف هذه الأمة! فمتى استمسكَت الأمة بالصلاة بجميع أفرادها، أحياها الله - عز وجل - ومنَحها القوة والسؤدد، فاستأسدت وعزت على عدوها، ومتى أضاعت الصلاة وأهملتها، تركَها الله ولم يبالِ بها في أي وادٍ هلكَت، فتخور وتهوي ساقطة ضعيفة ذليلة حقيرة، يُذيقها عدوُّها كؤوس الذلِّ والهوان.
ولذلك حرَص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليها أيما حِرص، وشدَّد في الحفاظ عليها، ونَعدُّ بعضًا من حرصه عليها للمثال وليس للحصر:
• عندما جاء الرجل الأعمى في بصره - البصير بقلبه - يستأذِن رسول الله أن يرخِّص له في الصلاة في البيت للمشقَّة التي يجدها في الوصول إلى المسجد، فسأله رسول الله: «هل تسمع النداء»؟ - يعني: الأذان - قال: نعم، قال: «إذًا فأجب، لا أجد لك رخصة».
• عندما همَّ رسول الله بجمع الحطب وإحراق بيوت قوم يَسمعون النداء ولا يصلُّون مع المسلمين في المسجد.
• وصيته لأمته وهو على فراش الموت يعالج السكرات: «الصلاة الصلاة، وما ملكَت أيمانُكم».
4- ومن دلالات الإسراء والمعراج: أن معراجه بدأ وانتهى على أرض بيت المَقدِس، وهي رسالة واضحة تقول: هذه الأرض يوم تكون معكم يُعزكم الله ويرفع قدركم، وهي تحدِّد كالصلاة قوتكم من ضعفكم، فيوم تكون معكم فأنتم سادة الدنيا وقادتها، ويوم تكون بيَدِ عدوكم فأنتم الضعفاء المقهورون، فكما علا رسول الله منها إلى الله، فكذلك أنتم بها تعلو مكانتكم، وبدونها لا تساوون عند عدوكم وعند الله شيئًا.
5- الانطلاق من بيت الله الحرام إلى بيت المقدس إشارة واضحة ورسالة بيِّنة أن حرية واستقلال بيت المقدس يَرتبِط ارتباطًا جوهريًّا وأساسيًّا ببيت الله الحرام، وكما جمَعهما الله لنبيِّه ومصطفاه، سيَجمعهما الله لرجل بشَّر به من ذريته، وهو الرجل الذي تَنتظِره الأمة لسنوات (المهدي - عليه السلام).
هذا بعض مما وفَّقني الله لذكره، والحمد لله رب العالمين.
_____________________________
الكاتب: عبدالرحمن محمد أحمد الحطامي
- التصنيف:
- المصدر: