الحق في القرآن الكريم
هذا خط سير مستقيم يسعى المسلم فيه بصدقه ونصحه يصلح ما فسد من حاله وحال المسلمين من حوله ..
ورد في الصحيحين أن النبي صلي الله عليه وسلم قال «من شهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل»
أيها الإخوة الكرام: إن القرآن الكريم بما يحويه بين دفتيه من سور كريمة ومن آيات بينات بمثابة الدستور والقانون الذي وضعه الله تعالى لهذه الأمة من أجل أن أخذ بأيدينا إلى الطريق السوي ومن أجل أن يعطينا في أيدينا مفاتيح الخير ومن أجل أن يجنبنا كل ما في الحياة من مساوئ و خطايا ..
كلما كانت نظرة الإنسان منا إلى القرآن نظرة تدبر وتعقل وتفكر كلما كان وقعها في النفس أكبر وكلما كان للآيات أثرا واضحا في سلوك الإنسان
تترك أثرا في قوله تترك أثرا في عمله وهذا ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلمفقد كان قرانا يمشى على الارض ..
أما يومنا هذا فنحن في ضيافة سورة من قصار سور القرانالكريم
سورة عدد آياتها لا يتجاوز الآيات الثلاث يحفظها منا الصغير والكبير هذه السورة أراها فيما أرى حجة الله تعالى على عبادة
قال الله سبحانه وتعالى:
{(وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)}
قال الإمام الشافعي رحمه الله لو لم ينزل من القران غير هذه السورة لكفت الناس وقال فى موضع آخر( لو تدبر الناس هذه السورة لوسعتهم)
والمعنى أنها سورة كافية للناس تعظهم وتذكرهم
وقد كان الرجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقيا وجلسا فى مجلس لم يفترقا حتى يقرأ أحدهما على الآخر { (وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)} ثمًَّ يسلِّم أحدهما على الآخر وينصرفا..
أكدت سورة العصر أن الله حق وأن وعده حق ولقاؤه حق وأن الإسلام حق وأن القرآن حق وأن النبيون حق ومحمدا صلي الله عليه وسلم حق وأن الجنة حق وأن النار حق والساعة حق وأن من آمن وعمل صالحا كان علي حق وما سواه يتقلب في ضياع وخسران
{(وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) }
فى مطلع السورة الكريمة اقسم الله تعالى ب (العصر)
والعصر هو الزمان .. والزمان ميدان العاملين ومضمار المتسابقين والمتنافسين.. اقسم الله تعالى بالعصر وهو مخلوق من خلق الله تعالى ولله أن يقسم بما شاء من خلقه..
{(والعصر إن الإنسان لفى خسر) } كل بني ادم من أولهم إلى آخرهم فى خيبة وخسارة مهما كثرت أموالهم وأولادهم غمسوا فى الخسران إلى آذانهم ملأت الدنيا عليهم قلوبهم ومشاعرهم فعاشوا لها وقاموا وناموا من أجلها..
{(والعصر إن الإنسان لفى خسر)} واستثنى الله تعالى من بين هؤلاء الخاسرين قوما عاشوا الحياة وقد اتصفوا بأسباب الفلاح والنجاح الأربع المجموعة في قوله سبحانه :
{(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) }
أول أسباب الفلاح والنجاح والنجاة إيمان تجده قد وقر فى قلبك وصدقه عملك ..
(ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلى ولكن ما وقر فى القلب وصدقه العمل وان قوما غرتهم الامانى حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنه لهم وقالوا نحن نحسن الظن بالله وكذبوا لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل)
نجا من خسارة الدنيا والآخرة من عاش بالحق للحق نجا من امن بالله وعمل صالحا
{( والعصر إن الإنسان لفى خسر إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) }
الكل في خسران: إلا الذين امنوا وصلوا وصاموا وتصدقوا وتراحموا وتعاطفوا وتصافوا وتصارحوا وتسامحوا وتحابوا وتوادوا واخلصوا فيما بينهم وبين ربهم سبحانه وتعالى وجائت أعمالهم موافقة لما كان عليها النبى صلى الله عليه وسلم
قلت : وهذا ما زرعه النبى صلى الله عليه وسلم فى القلوب المؤمنة
يقول أبو أيوب رضي الله عنه عرض أعرابي لرسول الله صلى الله عليه و سلم وهو في سفر فأخذ بخطام ناقته أو بزمامها ثم قال يا رسول الله أو يا محمد أخبرني بما يقربني من الجنة ويباعدني من النار..
قال ابو ايوب فكف النبي صلى الله عليه و سلم عنه ثم نظر في أصحابه فقال لقد وفق هذا أو لقد هدي هذا..
ثم التفت اليه النبى صلى الله عليه و سلم فقال كيف قلت؟
قال يا رسول الله أخبرني بما يقربني من الجنة ويباعدني من النار فقال النبي صلى الله عليه و سلم تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم دع الناقة ...
قال جابر رضي الله عنه
خطبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا أيها الناس توبوا إلى الله قبل أن تموتوا وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا وصلوا الذي بينكم وبين ربكم بكثرة ذكركم له وكثرة الصدقة في السر والعلانية ترزقوا وتنصروا وتجبروا)
نسأل الله تعالى أن يهدينا جميعا لصالح الأعمال
الخطبة الثانية
أما بعد فهكذا جائت سورة العصر لترسم للناس سبل السلامة والنجاة من الخسران الذى غرق فيه الناس الى آذانهم وذلك فى أمور أربع:
فى الإيمان بالله وفى العمل الصالح الخالص لوجه الله الموافق لما كان عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم
ثم فى أمرين آخرين :
هما التواصى بالحق والتواصى بالصبر
قال الله تعالى {(وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)}
هذا معناه أن يعيش المسلم مرآة لأخيه المسلم يبصره بالحق ويدعوه إلي المعروف ويبني بينه وبين الباطل سدا منيعا ..
{(وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) }
هذا معناه أن يعلم المسلم أخاه الخير وينمى فيه المعروف ويثنى على ما حسن من قوله وعمله ويبصره بما فيه من التقصير وما عنده من العيوب والخلل يبتغى بسعيه ونصحه وجه الله تعالى ويرجوا ان يكون المسلمون على خير حال
{(وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) }
هذه إشارة الى أن القطب الأعظم فى دين الله وهو الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر..
{(وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) }
هذه هى صفة المؤمنين يسعدون بالخير يرونه فى أنفسهم وفى الناس .. ويتألمون للشر إن أصابهم أو أصاب الناس ..
{(وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) }
هذا خط سير مستقيم يسعى المسلم فيه بصدقه ونصحه يصلح ما فسد من حاله وحال المسلمين من حوله ..
(وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)
نجا بها من نجا وبدونها يهلك كل هالك ...
محمد سيد حسين عبد الواحد
إمام وخطيب ومدرس أول.
- التصنيف: